التدمير المبكر لمنظومات الدفاع الجوي.. طبخة أمريكية فاضحة
يدخل العدوان الأمريكي السعودي على بلادنا عامه السابع، حاملاً معه تركه من الإخفاقات والفشل، وعجز مطلق في هزيمة أبطال الجيش واللجان الشعبيّة وكسر إرادَة الشعب اليمني، ما يعني أن أُسطورة القوة العسكرية الهائلة التي تتباهى بها واشنطن والرياض وأبو ظبي وهذا التحالف العريض قد تحطمت في اليمن.
باختصار يمكن القول إن الخطط الاستراتيجية التي نسجتها الإدارة الأمريكية منذ سنوات كثيرة لتدمير القدرات العسكرية للجيش اليمني قد ذهبت أدراج الرياح، بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر ومضيها في تطوير القدرات العسكرية المتنوعة بهمة ونشاط عاليين دون خوف أَو وجل من أية تهديدات أمريكية أَو أجنبية لإيقاف وتيرة هذا التطوير.
حكاية من المؤامرة
يحفل التاريخ اليمني بالكثير من الأدلة والشواهد الدامغة على المؤامرة الأمريكية في تخريب وتدمير مقومات الجيش اليمني بما فيها منظومة الدفاع الجوي التي سنركز بشكل كبير عليها، والتي مرت بمراحل تدمير وتفجير كثيرة، ولم تظهر عدسات الكاميرا سوى الجزء اليسير من ذلك.
كان السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين خلال الأعوام (2011- 2013) يشرف بشكل مباشر على ما يسمى «إعادة هيكلة الجيش والأمن في اليمن»، وقال في حينها بتصريح تناقلتها وسائل الإعلام اليمنية إن الولايات المتحدة الأمريكية تتولى هذه المهمة ضمن جهودها في رعاية ما يسمى اتّفاق المبادرة الخليجية ودعم العملية الانتقالية وبناء اليمن الجديد» حسب زعمه.
وفي تلك الفترة كان فايرستاين يزور المعسكرات ومخازن الأسلحة ويتحكم في القدرات العسكرية اليمنية بتواطؤ الحكومات العميلة، وكما هو معلوم فَـإنَّ خطة هيكلة وتفكيك الجيش هي مؤامرة أمريكية، حَيثُ جاءت بتوجيهات أمريكا لتستكمل التفكيك والتدمير الممنهج للجيش والأمن في اليمن عام2011م تحت مسمى «إعادة هيكلة الجيش والأمن» بإشراف لجنة تضم مسؤولين عسكريين أمريكيين وبريطانيين وسعوديين وأردنيين (دول العدوان لاحقاً).
واللافت هنا أن هذا العملية “إعادة الهيكلة”، رافقها نشاط محموم للتنظيمات الإجرامية التكفيرية المسماة “داعش والقاعدة”، والتي نفذت خلال تلك الفترة الكثير من الأعمال الوحشية، كاستهداف الجنود في ميدان السبعين، واقتحام المعسكرات، وُصُـولاً إلى مقر وزارة الدفاع “العرضي” وارتكاب مجزرة بشعة بحق الجنود والمرضى والأطباء، وغيرها من الجرائم التي هزت الرأي العام اليمني آنذاك.
ونالت القوات الجوية نصيباً من هذا الاستهداف والتدمير الممنهج، حَيثُ تم استهداف حافلتين لمنتسبي القوات الجوية بعبوتين ناسفتين، وتم اغتيال عدد من الطيارين، وإسقاط 4 طائرات «سوخوي-22» وطائرة «ميغ-21» وطائرتي «أنتونوف-26» ومروحيتين عسكريتين، في تعز وأرحب ومأرب وقاعدة العند في لحج ووسط 3 أحياء سكنية في العاصمة صنعاء، بجانب تفجير 3 طائرات «سوخوي-22» وطائرة “نورثروب “F-5 وإحراق مروحية «ميل مي -17» في مرابضها بقاعدة الديلمي في صنعاء. ولم يتوقف ذلك الاستهداف إلَّا بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر.
إذاً، لقد تعرض الجيش اليمني لأكبر عملية “اختراق” من قبل السفارة الأمريكية وأكبر خيانة من قبل الخائن عفاش والفار هادي.
كول.. بوابة الوصاية والسيطرة
وبالعودة إلى ما قبل هذا التاريخ، نلحظ أن الخائن عفاش قد خطى بثبات نحو تدمير القدرات الجوية لبلادنا بإيعاز من الجانب الأمريكي، حَيثُ كانت حادثة المدمّـرة كول التي وقعت في سواحل عدن في أُكتوبر عام 2000، فاتحة لمسار الارتهان والوصاية والسيطرة الأمريكية على اليمن عسكريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا.
وخلال الفترة ما بين 2001 إلى 2004 زار عفاش واشنطن 3 مرات، حَيثُ تعهد الخائن صالح للرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن بدعم الحرب التي تقودها أمريكا ضد ما تسميه الإرهاب، وتدمير أسلحة الدفاع الجوي وكل الأسلحة التي تم شراؤها من روسيا والموجودة في المخازن للجيش اليمني، ووقع صالح اتّفاقيات أتاحت بعدها للجانب الأمريكي بالتحَرّك بحرية مطلقة في اليمن والتحكم في القدرات العسكرية لبلادنا، تحت مسمى “التعاون الأمني المشترك” وحينها سلم صالح الدفاعات الجوية التي شراؤها من روسيا بالمليارات الدولارات إلى روسيا بشرط أن يسمح الأمريكيين له بالبقاء في السلطة.
ويؤكّـد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء عبد الله الجعفري أن منظومات الدفاع الجوي التي دمّـرتها أمريكا في تلك الفترة كان لها القدرة على إسقاط طائرات قوى العدوان على ارتفاع 6 كيلو مترات، وأنها كانت كفيلة بإسقاط ألف طائرة للعدوان.
ويرجع الجفري سبب رضوخ النظام السابق لمثل هكذا إملاءات أمريكية هو تمسكه الكبير بالسلطة.
لقد أتاحت أحداث 11 سبتمبر 2001، ورضوخ صالح للهيمنة الأمريكية تدخل واشنطن الكبير والسافر في الشأن اليمني، وتحولت بلادنا منذ تلك الفترة إلى مسرح لهذه الهيمنة، حَيثُ طالبت أمريكا النظام السابق بتفكيك منظومة الدفاعات الجوية وتدميرها، وتغيير عقيدة الجيش وإضعاف وتفكيك القوات البحرية والجوية وتحديد ما هو متاح لليمن من الأسلحة وما هو ممنوع امتلاكه، وُصُـولاً إلى تدمير وتفكيك القوات الجوية والبحرية بشكل كامل بموافقة من الخائن صالح.
وبحسب وثائق موقع ويكيليكس فَـإنَّ عفاش استقبل مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية والعسكرية الأمريكي لينكولن بلومفيلد، في صنعاء بتاريخ 2 سبتمبر 2004م، وقد تعهد صالح بتدمير الدفاعات الجوية وسحبها، وتعهد بعدم شراء أي أسلحة دفاع جوي، وإلغاء كُـلّ الصفقات التي كانت اليمن قد عقدتها مع موردي الأسلحة، وطلب الخائن صالح مليون دولار مقابل كُـلّ صاروخ يتم تدميره.
و تؤكّـد وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية نشرها موقع ويكليكس في العام 2011م، تفاصيل مسار عقد صفقة أمريكية مع الخائن عفاش لتدمير منظومات صواريخ محمولة ضد الطائرات التي يمتلكها الجيش اليمني، وبحسب ما تضمنته الوثيقة، فَـإنَّ أهم ما بحث عفاش مع المسؤول الأمريكي تركز حول قيام اليمن بإتلاف الصواريخ المحمولة ضد الطائرات مقابل حصول اليمن على تعويض مادي من الولايات المتحدة.
وركزت الوثيقة على إلحاح عفاش في الحصول على أموال باهظة إلى درجة طلبه من مساعد وزيرة الخارجية الأمريكي على مليون دولار تعويض عن كُـلّ ستريلا [صاروخ].
من جانب آخر تقول الوثيقة التي أرسلت بتاريخ: 2 /9 /2004م، بواسطة: السفير الأمريكي في اليمن توماس كراجسكي، إن مساعد وزير الخارجية الأمريكي طرح مبادرة الولايات المتحدة المقترحة لإعادة شراء منظومات الدفاع الجوي ضد الطائرات، ولم يوافق عفاش على المضي قدما في عملية التدمير أَو ما يصفها «إعادة الشراء» فحسب، لكنه أَيْـضاً تعهد لمساعد وزيرة الخارجية أن حكومة الجمهورية اليمنية آنذاك لن تسعى لشراء أي نظم جديدة
ولم يقتصر إذن تدمير السلاح وتجريد الجيش اليمني على مسألة تدمير الصواريخ الدفاعية مضادات الطائرات، بل كانت هي البداية للمسار الذي انتهى بتفكيك الجيش اليمني وتدمير كُـلّ قدراته وشلها بما في ذلك القوات البحرية والجوية والطائرات والصواريخ.
مرحلة التدمير
وخلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2007م والعام 2014م بدأ الوفد الأمريكي بتفجير صواريخ الدفاع الجوي التي تم تجميعها منذ أغسطُس 2004 وذلك على دفعتين، وتدمير كذلك قبضات إطلاق الصواريخ المحمولة على الكتف وبطاريات الصواريخ.
وبحسب المعلومات المتداولة عبر وسائل الإعلام اليمنية المختلفة (وهي معلومات غير رسمية) فَـإنَّه تم تدمير الدفعة الأولى من صواريخ الدفاعات الجوية في منطقة الجدعان بمحافظة مأرب بتاريخ 28 فبراير 2005م، وضمت 1078 صاروخ سام 7 ستريلا، و62 صاروخ سام 14، و20 صاروخ سام 16، بإجمالي 1161 صاروخا، و13 قبضة إطلاق صواريخ دفاع جوي محمولة و52 بطارية صواريخ تم تدميرها، ثم تبعها عملية تدمير وإتلاف الدفعة الثانية من صواريخ الدفاعات الجوية بتاريخ 27/7/2009م في قاعدة عسكرية بوادي حلحلان بمحافظة مأرب بعدد 102 صاروخ دفاع جوي، معظمها صواريخ سام 7 ستريلا وسام 14 وصاروخان سام من طراز 16 تم تدميرها، فيما كانت عدد القبضات الخَاصَّة بإطلاق صواريخ الدفاعات الجوية المحمولة على الكتف التي تم تدميرها 40 قبضة وعدد بطاريات الصواريخ التي تم تدميرها 51 بطارية صواريخ. كما شهد موقع الصباحة العسكري غرب العاصمة صنعاء ومواقع أُخرى عمليات تجميع وتدمير الصواريخ بإشراف أمريكي.
واستمرت مراحل التدمير متتابعة امتدت على مدار عشرة أعوام، بدءا من مباشرة أمريكا في جمع وإتلاف الصواريخ في أغسطُس 2004م بحضور المرتزِق والخائن عمار صالح، وحتى عمليات التدمير التي وثقتها مقاطع الفيديو أثناء تنفيذها.
وَيؤكّـد العميد عزيز راشد أنه تم تدمير 3000 صاروخ ستريلا (SA-7) و1500 صاروخ سام 2 في باب المندب بإشراف نائب وزير الدفاع الأمريكي، تحت مسمى هيكلة الجيش اليمني، وبمشاركة الخبراء الأردنيين في حينها والأمن القومي اليمني.
ويقول العميد راشد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إن ما يسمى بوحدات مكافحة الإرهاب الأمريكية بدأت بتدريب القوات المسلحة اليمنية لمعرفة دقة تفاصيل التسليح العسكري اليمني فكانت البداية جمع المعلومات ثم تدريب ضباط يمنيين في الأمن القومي اليمني وتلا ذلك تدمير الدفاعات الجوية بحجّـة عدم وصولها إلى عناصر التنظيمات الإجرامية التكفيرية المسماة “القاعدة”، وذلك بعد وصول هذه التنظيمات إلى مقر وزارة الدفاع بصنعاء.
ويشير العميد راشد إلى أن هيكلة الجيش كانت خطة أمريكية ثانية لتفكيك وتفتيت الجيش اليمني وتدمير أسلحته وصواريخه وتعطيل طائراته وإسقاطها واغتيال قيادات عسكريه مهنية، حتى تم نشر قواعد عسكريه أمريكية، فتحكمت بالمشهد العسكري والسياسي حتى أن الإدارة الأمريكية وصلت إلى تعيين ضباط أمريكيين كقادة للمواقع العسكرية واستخدموا البر والبحر والجو اليمني كقاعدة انطلاق للتمكين الأمريكي بحسب العميد عزيز راشد.
وينوّه العميد راشد إلى أن الملحق العسكري السعودي كان له مكتب خاص في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة اليمنية، وكان يراقب جميع الملفات المتعلقة بمشتريات القوات المسلحة اليمنية في كُـلّ مراحل الأنظمة السابقة، ذاكراً واقعة حدثه بها مدير مديرية التسليح بالقوات الجوية اليمنية حين أرادوا شراء راجمات صواريخ (كاتيوشا حديثه) إلى جانب بعض الطائرات المقاتلة وتم تقديم الطلب إلى وزير الدفاع الأسبق محمد ناصر أحمد فما كان من الملحق السعودي الذي كان متواجدا إلَّا الاعتراض على هذا الطلب وقال باللهجة السعودية: (ويش تبون بهذه الأسلحة نحن نسلحكم بالأسلحة التي نراها؛ لأَنَّه لا يوجد لديكم عدو)، فرد الوزير وقال: “صحيح يكفينا طائرات مروحية لنقل التموين العسكري من موقع إلى آخر والأسلحة التي معنا!؟
واقع مختلف
بيد أن الأحلام الأمريكية في تدمير القدرات العسكرية اليمنية لم تفلح، فالأنظمة الخائنة قد سقطت، والواقع تغير تماماً، والنظام الذي كان يدمّـر الأسلحة ومقدرات الجيش الوطني، قد تبدل بنظام يقول: “الموت لأمريكا”، ويعمل ليلاً ونهار على تطوير وإنتاج الكثير من الأسلحة للنهوض بالبلد من جديد.
ويؤكّـد العميد عزيز راشد أن ثورة 21 سبتمبر قد أعادت الاعتبار لأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وأهمها بناء جيش وطني قوي قادر على حماية البلاد ومكتسباتها، لافتاً إلى أن القيادة الثورية ممثلة بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي والقيادة السياسية ممثلة بالرئيس مهدي المشاط تعمل بكل جد ونشاط؛ مِن أجلِ بناء جيش وطني وتطوير الدفاعات الجوية بصناعة محلية تتحدى العالمية، وأن تلك الثورة وأهدافها العظيمة قد جعلت السفير الأمريكي مع القواعد العسكرية وعناصرها يضطرون إلى مغادرة اليمن غير مأسوف عليهم، وهذا ما دفعهم لإعلان العدوان على بلادنا كي يعودوا من جديد للتحكم باليمن وبجيشه وأمنه.
ويشير العميد عزيز راشد إلى أنه وعلى الرغم من أن عناصر النظام السابق الخائنة قد أعطت احداثيات للعدوان لتدمير مخازن الأسلحة إلا أن قيادة الثورة استطاعت بعد استشعار الخطر نقل عدد كبير من تلك الأسلحة، ليتم تحديثها وصيانتها في العام الأول من العدوان، ثم لتتجه القيادة الثورية والسياسية والعسكرية بعد ذلك إلى إعادة تشكيل القوات المسلحة وتحديثها وتطويرها حتى تم الوصول إلى صناعة ترسانة عسكريه نوعيه كان آخرها معرض الشهيد القائد.
ويوضح العميد راشد أن معرض الشهيد القائد للصناعات العسكرية أرعب العدوان وأفشل كُـلّ المؤامرات الأمريكية والقدرات العسكرية من اعتراضها في تحرير مارب، وهذا يعتبر إنجازاً وإعجازاً عسكريًّا قل نظيره في المدارس العسكرية السابقة وبما يضمن حماية شعبنا أرضا وإنسانا، وبما يكفل تطلعات الشعب في نيل الحرية والاستقلال وتطهير اليمن من الاحتلال وأدواته، بما أنتجته العقول والأدمغة اليمنية من الابتكار والإبداع العسكري إلى جانب بناء عقيدة قتاليه قوامها بأن العدوّ الأمريكي والإسرائيلي هم أعداء اليمن الحقيقيون.
ويواصل العميد راشد بقوله: “وها نحن اليوم نعيش أحرار وسيادة واستقلال من التدخلات الأمريكية والإقليمية ويحسب للقوات المسلحة اليمنية ألف حساب عقب صراخ العدوّ السعودي من الطائرات والصواريخ البالستية في أروقة الأمم المتحدة وفي وسائل الإعلام يتوسل الدول تأمين عمقه الاستراتيجي من هذه القدرات العسكرية محلية الصنع والمتصاعدة، مبينًا أن هذه القدرات لم تبنى إلا عقب العدوان ومن أجل فرض أسلحة ردع ضد المعتدين للوصول إلى السلام المنشود ونحن إنما نطبق المثل الأمريكي القائل: (إذا أردت السلام فأحمل السلاح).
صحيفة المسيرة