قراءة تحليلية: التدريب والخبرة القتالية في ظروف الحرب للجيش واللجان الشعبية
Share
عميد ركن/ عابد محمد الثور
سبع سنوات من الحرب والعدوان على اليمن حققت فيها القوات المسلحة اليمنية تميزاً بتوفر الخبرة القتالية، والتي أصبحت ذات أهمية كبيرة وقيمة عالية في إمكانية تقدير القدرة القتالية للقوات.
إن هذه الخبرة الكبيرة التي تميزت بها القوات المسلحة اليمنية اكتسبتها من خلال المعارك التي خاضتها ضد قوات تحالف العدوان المتنوعة في الجنسيات والسلاح والعقيدة القتالية، وهذه الجولات من الصراع المسلح والحرب تمثلت في العديد من المحطات والجولات في ستة حروب قادها النظام السابق ضد مكون أنصار الله وحروب العشر سنوات مع القاعدة، وحالة الاستنفار القتالية العالي للقوات المسلحة والمواجهات المسلحة المتفرقة في الحدود مع السعودية وفي جزيرة أرخبيل حنيش مع الجيش الارتيري، ومؤخراً حرب السبع سنوات في المواجهات ضد تحالف العدوان على اليمن وبمشاركة مباشرة وغير مباشرة لأكثر من 17 دولة غير عربية . أن هذه الخبرة القتالية تزايدت بسرعة نتيجة لاستمرار المعركة وتنوع القوات المعادية وإتساع رقعة مسرح العمليات ووقف عمليات التسريح من الجيش وعودة الكثير من الذين أقصوا من أعمالهم في الجيش وشاركوا بما يمتلكونه من خبرة في الكثير من العمليات العسكرية. وقد عمدت القيادة العامة للقوات المسلحة إلى نقل هذه الخبرة إلى المقاتلين الأحدث، من خلال تحليل نتائج كل معركة والتقارير العملياتية ودراسة كل عملية وإخضاعها للخبراء العسكريين واستنتاج الإيجابيات والسلبيات ولعل مشاركة الإعلام الحربي كان له دور كبير في توثيق كل مراحل المعركة بما فيها السرية جداً وأخذ كل الإجراءات والتدابير من أجل توثيق وتصوير كل شيء يدور في المعركة واستخدام تكنولوجيا نقل المعلومات بشكل مباشر وسريع عبر وسائل تم اعدادها مسبقاً تحسباً لأي طارئ أو قصف وبذلك تكون القيادة العامة قد حصلت على كم كبير عن سير المعارك وإدارتها وخططها وهذا الإجراء كان له الدور الكبير في إعطاء رؤية شاملة مصورة عن مجريات الحرب والمعركة دون أي تزييف أو مغالطة ولهذا كان للخبراء اليمنيين الاشراف المباشر على سير المعارك وإعطاء التوصيات التي من الممكن أن تساهم في تطور المعركة وإعاقة القوات المعادية، ولعل ما يحدث في صفوف العدوان المتعددة الجنسيات من تناقص كبير في خبراتهم وقدراتهم على إدارة وقيادة المعركة نتيجة لتسريح أعداد كبيرة من المجندين الذين سبق لهم المشاركة في عمليات سابقة في تقاعد وهروب الكثير من ضباط وضباط الصف المتطوعين في جيوش العدوان وخاصة الجيش السعودي بحكم نظام الخدمة في الجيش السعودي وظهرت حالات لم تكن منتشرة سابقاً في جيش العدو السعودي مثل حالات الانتحار والأمراض النفسية والهروب من المعركة والتدريب وطلب النقل من المناطق المشتعلة وظهور الكثير من الحالات الطبية إما بالتزوير من خلال دفع الأموال للمراكز الطبية للحصول على إفادات بعدم القدرة على الاستمرار في الخدمة نظراً لظروفه الصحية ومنها ما هو استخدام للنفوذ والوساطات لإبعاد الكثير من المخاطر الكائنة في مناطق الاشتباك والقتال، وايضاً حالات قد تكون غريبة جداً مثل الإدمان على المخدرات واللجوء إلى مراكز صحية لمعالجة الادمان وأيضاً الكشف عن أمراض جنسية خطيرة في الكثير من المتطوعين في الجيش السعودي كالإصابة بالإيدز وأمراض جنسية أخرى ومنهم من كان قد أصيب بفترات طويلة وكانت تحت السرية حتى لا يحال للتقاعد من وحدته العسكرية وأثناء الحرب وخطر المشاركة في المعركة لم يعد هناك تحرج عن الكشف من الأمراض الجنسية وهذا كان مؤشراً واضحاً للحالة المعنوية الضعيفة والمهزومة في حقوق الجيش السعودي وقد سعت القيادة السعودية إلى اخفاء مثل هذه المعلومات من الاعلام أو الكشف ولكنهم فشلوا خاصة وأن هذه الظواهر والحالات قد أثرت بشكل كبير ومباشر في قدرة القوات السعودية وكفاءتها وخبرة مقاتليها فلجأت القيادة السعودية إلى القضاء والاحكام العسكرية والمحكم لردع من يتملقون من المعارك والحروب والدفاع عن ممتلكاتهم ومليكهم وصدرت الكثير من الأحكام ومنها الإعدام لمن رفضوا المشاركة طوعاً أو إجباراً. وانعكست هذه الإجراءات إلى فضائح نكلت بالجيش السعودي وكان لقنوات التواصل الاجتماعي دور كبير في ذلك وكذلك المعارضة التي تعمدت فضح سياسة آل سعود في بنية قواتها المسلحة .. ولجأت إلى استجلاب قوات أجنبية متعددة الجنسيات لتقدم بما عجزت عن القوات المسلحة السعودية ولتغطية العجز الذي كشف الخلل الكبير في تنظيم وإدارة الجيش السعودي.. رغم امتلاكها لأحداث الاسلحة ووسائل التدريب إلا أنها فشلت في تنمية وتطوير قدراتها البشرية. إن القيادة العامة للقوات المسلحة اليمنية تمكنت وفي فترة بسيطة جداً من نقل هذه الخبرة التي اكتسبها أبطال الجيش واللجان الشعبية وإلى حيز التنفيذ من خلال التدريب وتطوير تلك المهارات التي ظهرت في أداء وكفاءة وقدرة المقاتل اليمني إذ أن تلك الخبرة التي أكتسبها أبطال قواتنا المسلحة في ظروف الصراع الحقيقي وما يتولد لدى المقاتل اليمني من حاسة المعركة وهو الأمر الذي يستحيل تحقيقه في ظروف السلم. وهكذا فقد توفرت خبرة القتال حالياً على كل مستويات القيادة في الجيش اليمني واللجان الشعبية من مستوى قيادة الجماعات والفصائل والسرايا والكتائب والألوية المقاتلة حتى كبار الضباط وصف الضباط ، بل أن هذه الخبرة القتالية وصلت لتلك التشكيلات الجهادية من أبناء القبائل المشاركة في حرب التحرير والدفاع الوطني مما حذا بالقيادة العسكرية إلى دمج الكثير من تلك التشكيلات الجهادية من القبائل اليمنية مع المناطق والوحدات العسكرية الرسمية وإعطائها أهميها خاصة من خلال صقل تلك الخبرات والمهارات القتالية وتعويض الفارق من خلال التدريب المكثف وأولت القيادة العامة للقوات المسلحة اهتماماً خاصاً بهذه الإجراءات لهذه التشكيلات حتى أصبحت اليوم جزءاً رئيسياً لا يتجزأ من هيكل وتنظيم الجيش والمناطق العسكرية ووحداتها بل أن بعضها وصل إلى مستوى الاحترافية في العمل العسكري وتكليف بعضها بمهام لان تكون قوات طليعة وتحملت عبئاًً كبيراً في تنفيذ المهام وكأنها مارست العمل منذ سنوات طويلة وخاصة جوانب العمليات الحربية وإدارة العمليات السعودية وتنظيم التعاون، وبالاستفادة الكبيرة من التدريب المشترك مع كل صفوف القوات الرئيسية البرية والبحرية والجوية، والأكاديميات العسكرية العليا ومراكز الدراسات والبحوث العسكرية الاستراتيجية أو تلك المراكز البحثية والدراسات الجهادية المتنوعة والعاملة في الميدان. إن الاهتمام الذي أولته القيادة العامة للجيش بالتدريب للقادة والتركيز على تأهيلهم في الكليات والمعاهد والمراكز التابعة للقوات المسلحة وصقل خبراتهم بالمعلومات العسكرية الشاملة والتخصصية وتطوير قدراتهم العلمية وفق أحدث الأسس العلمية والعملية ووسائلها واختصار الفترات التزامنية التي كان يعمل بها سابقاً في زمن السلم إلى فترات قصيرة ومتوسطة ومكثفة والخروج بنتائج مرضية ومقنعة لمستوى أداء وكفاءة الضباط القادة والذي ظهر حالياً من كل الجهات والمعارك التي تخوضها قواتنا المسلحة من الجيش واللجان الشعبية في كل الاتجاهات للدولة والتي يتجاوز طول جبهتها 1800كم وأكثر من 50 جهة رئيسية .. تختلف معها الجغرافية الامنية والعسكرية والسكانية والارض والمناخ.. وهكذا ما كان العدو الأمريكي وحلفاؤه يعتمدون عليه وهو توسيع دائرة الصراع وجغرافيتها وتنوعها لإعاقة قواتنا من تنفيذ أي نوع من أنواع المعركة الدفاعية، وأن هذا الاتساع في المعركة سوف يحسم المعركة بعد فشل دول تحالف العدوان في الحسم خلال شهر حسب ما أعلنته قيادة التحالف قبل ساعات من البدء العدوان في 26 مارس 2015م . إن السياسة العسكرية اليمنية كانت مفاجأة للعالم بأسره والتدرج في بناء الاستراتيجية العسكرية كان ضرباً من الخيال.. بدءا من قرار قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي من المواجهة مهما كانت الخسائر والنتائج بعد ساعات من بدء العدوان ووصولاً إلى رسم الخارطة العسكرية للدفاع ومراحل تطورها والتي تعاظمت بصورة سريعة وفي زمن يعتبر إعجازاً في العلم العسكري من الدفاع السلبي إلى الدفاع الايجابي إلى الهجوم الشامل إلى مستوى النَّدية أمام جيوش العدوان حتى الوصول إلى مرحلة الردع الاستراتيجي بأذرع القوات المسلحة الطويلة من القوة الصاروخية المتعددة المهام والمداءات والقوة التدميرية والتطور الفيزيائي والتكنولوجي ونظم المعلومات وايضاً القوة في سلاح الجو المسير وإمكانياته والذي حقق لقواتنا الكثير من المكاسب أهمها التخطيط للمعركة واتخاذ القرار المناسب وخاصة في المناطق الأكثر حساسية وضراوة ومنها معارك ما وراء الحدود.. حتى ظهور منظومات الدفاع الجوي بأنواعها والتي حققت نوعاً ما من التفوق في المعركة وتأمين القوات البرية وتحرك قواتنا بشكل أفضل من السابق من خلال تحييد الكثير من طيران العدوان الحديث والمتنوع الجنسيات بما فيها الطيران الصهيوني والأمريكي والبريطاني والفرنسي. إن إصرار قيادتنا العسكرية على المضي قدماً وبشكل متواز مع تفوق العدو في أسلحته وخططه وقواته هو ما حقق لقواتنا المسلحة أن تحقق هذا الانحياز في البنية السعودية والوصول إلى مكانة كبيرة من جيوش المنطقة والعالم, حتى أصبحت اليوم القوات المسلحة اليمنية قوة في المنطقة تشكل خطراً على الكيان الصهيوني بل أنها اليوم مربعاً على الخارطة الجغرافية العربية والدولية ويمثل محوراً هاماً ورئيسياً للمقاومة العربية والإسلامية. والتي تغيرت معها استراتيجية تحالف العدوان وخارطة الطريق للأنظمة العربية مع العميلة والمتحالفة مع أمريكا وبريطانيا إلى سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني وتسريع الإرادة العربية التي رسمت في مارس 1979 وأعلن معالمها ، واستكمل ذلك المشروع اليوم التحالف العربي العميل بالعدوان على اليمن ومن هذا المنطلق فإن قرار الحرب والعدوان على اليمن كان حتمياً ولابد منه من وجهة نظر إسرائيلية ، مما حدث من متغيرات سياسية ومتسارعة في اليمن أربك كل حسابات أنظمة الاستكبار العالمية واذنابها في المنطقة وعلى رأسها أمريكا. فكان القرار الاجرامي من العالم بسحق الشعب اليمني وتدميره فلما طالت المدة وعجز العدوان من تحقيق أطماعهم في الشهور الاولى والسنوات الاولى للعدوان .. لجأوا إلى إعلان ما كانوا يفضلون عدم إعلانه بتلك الوقاحة والجرأة على الله والسلام والشعوب الاسلامية من التطبيع المباشر مع الكيان الصهيوني وكانوا يطمحون إلى أن تصل الشعوب العربية إلى مستوى تحضير وتقبل القيادة الإماراتية والشعب الإماراتي ومثلها القيادة المصرية والمغربية والتونسية وبعدها يكون قرار التطبيع حاصل تحصيل ولكن الحسابات تغيرت واليمن شعباً وقيادة غير الكثير من المفاهيم وفضح الكثير من المؤامرات العربية والأجنبية وهو اليوم ما يقلق امريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا وهذا الوضع الذي وصلت إليه الأمة العربية والإسلامية مما جعل القيادة اليمنية أن ترسم السياسة العسكرية للمواجهة ووفق سياسة العدوان العسكري وتحرك العدوان وجيوشه.. وهذا هو ما أعطاها التميز في كل شؤونها العسكرية وأهمها التدريبية والخبرة القتالية. إن عوامل الحصار القاتل للشعب اليمني حدَّت كثيراً من عوامل تطوير التدريب .. كأبثعات المتدربين في المراكز والأكاديميات العربية والإسلامية الحليفة لتعزيز مهارات وتدريب وتأهيل الضباط وصف الضباط. ولذك لجوء القيادات العامة إلى وجود بدائل كان حتمياً وهاماً لتغطية ما تسبب به عامل الحصار من عجز وتصور وكان النجاح لقيادتنا في ذلك وأيضاً عوامل اقتصادية والتي هي أيضاً ساهمت في تخفيض ساعات التدريب وتشغيل المعدات اللازمة والحد من استخدام الذخيرة الحية في تمارين الرماية، واجراء التدريب بوحدات ومعدات منخفضة وتقليل مشاريع التدريب المشتركة نظراً لظروف الحصار والعدوان المستمر، منذُ 2015م ورغم ذلك فقد تمكنت القيادة العسكرية من تحقيق نتائج متميزة على اعتبار أن القوات في عمل عسكري دائم وان الجبهات العسكرية جميعها مشتعلة وكل صنوف القوات مشاركة، فاصبح التدريب مكملاً فقط، والمشاريع التدريبية أصبحت في كثير من الاحيان إلى عمليات قتالية مباشرة مع قوات العدو وأصبحت الخبرة المكتسبة من الميدان مباشرة بدءا في وضع التدريب وإنتهاءًا بخوض المعركة الحقيقية. وقد سعت القيادة العامة للجيش واللجان الشعبية إلى تعويض هذا النقص بالتوسع في استخدام المقلدات والذخيرة المنخفضة وميادين الرماية الالكترونية وغيرها. وهي مفيدة نوعاً ما وتستخدمها كثير من الجيوش ، إلا أن التدريب والرماية بالذخيرة الحية وبتشكيل قوات كاملة سوف يساعد أكثر على التفوق رغم أن قوات التحالف وعلى رأسها الجيش السعودي قد انكشف ضعف مستواها وكفاءتها في الكثير من نواحي القتال. وبالمقارنة مع دول تحالف العدوان نجد أن عامل الخبرة والتدريب القتالي لقواتنا تفوق على تحالف العدوان وأن السعودية والإمارات حاولت أن تعوض التناقص الكبير في مستوى خبرة وتدريب قواتها من خلال استعانتها بقوات من جنسيات متعددة وكذلك من خلال تكثيف ضرباتها الجوية بالطيران وارتكاب الجرائم ضد الاعيان العامة والخاصة واستهداف المدنيين لتظهر أنها مازالت تمتلك القوة وأنها قادرة على حسم المعركة بسلاحها الجوي المتطور.. وهذا ما أكد عجزها عن الاحتفاظ بجنودها ومقاتليها وافتقادهم للخبرة القتالية المكتسبة من الميدان. إن السعودية تحديداً تواجه مشكلة كبيرة فيما يختص بالتدريب والخبرة القتالية أهمها عدم وجود قوات احتياطية وانهيار متسارع في اعداد قواتها ولجوؤهم للفرار والذرائع الصحية وطلب الاحالة للتقاعد ومنها التقاعد المبكر هروباً من الحرب والمعركة.. إضافة إلى عجزها عن التدريب والمناورات المشتركة في أراضيها وخاصة البرية والتكاليف الباهظة لتدريب القوات الأجنبية وخاصة على الأسلحة الجديدة والحديثة. ومن المحتمل أن تؤثر الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها السعودية على تدريب القوات العاملة وبشكل كبير وخاصة ان طلبات التجنيد التطوعي للجيش السعودي تقريباً وصلت إلى مرحلة الصفر وخاصة في العام 2017م وحتى اليوم.. وهذا يعطي مؤشراً على مستوى تدهور الجيش السعودي ووصوله إلى مراحل متأخرة يصعب معها استعواض ما فقدته وبالتالي فإن حالة القلق والإرباك كائنة في النظام السعودي والتي قد تتسبب في اندلاع الثورات والانقلابات داخل النظام السعودي خاصة وان مساحتها واسعة ولا تمتلك من القوة ما يكفي لقمع أي محاولات انقلابية أو شغب وأيضا كثرة الأعداء المحيطين بهذا النظام وحالة الخوف والقلق الكبير من كامل الحدود الجنوبية للسعودية وهي اليوم مسرح عمليات ومنطقة مشتعلة ويصعب على السعودية توفير الحماية الكافية لمناطقها.