التجلِّيات التاريخية لجُمعة رجب في اليمن
“يكفي اليمن شرفاً أن يسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شكراً لله تعالى على إسلام أهله، دلّ مصدره ببرهانٍ ساطع على سِعة مداركهم وسلامة عقولهم ومعرفتهم الحق الواضح، وتمييزه عن الباطل، فكانوا أسرع الأمم انقياداً إلى الدين الإسلامي، والإيمان به، بدون احتياج إلى حرب أو مُناقشات جدلية، وإنما عرفوا الحق فأذعنوا له، وسلّموا إليه طائعين”… العلامة “محمد بن علي الاهدل”:
يحتفل اليمنيون في الجمعة الأولى من شهر رجب الأصب بدخول أجدادهم في الإسلام على عهد رسول الله دون غزوٍ أو قتال، بل حُباً وعشقاً وطواعية.
وتُقام في هذا اليوم المُبارك احتفالات الذكر والصلوات والإبتهالات في العديد من المناطق اليمنية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها المذهبية والسياسية، وتتجلّى فيه الهوية الإيمانية بأسمى صورها.
هذه الإحتفالات ليست وليدة اللحظة أو دخيلة على اليمنيين، بل اعتادوا إحيائها كابراً عن كابر منذ مئات السنين، وكلها حمدٌ وشُكرٌ وتسبيحٌ وتهليلٌ ووعظٌ وإرشاد، ولا يوجد فيها ما يدعو للتشنيع والتبديع كما ترى قوى التكفير الظلامية، وأي شيئٍ أعظم من تعظيم شعائر الله، وشكر الله على نعمة الإسلام من أعظمها وأجلِّها.
قطعاً إحياء هكذا شعائر يُنغّص على القوى التكفيرية الظلامية حياتهم، لأن فيها إعادة وصل لما انقطع بين أحفاد الأنصار وأجدادهم، وتجديد للعهد على استكمال مسيرة أجدادهم في الدفاع عن الإسلام ورفع رايته وتنقيته من شوائب التدجين “الصهيو – وهابي”، وإعادة بياضه المُتلاشي إلى محجَّته الناصعة.
في هذه القراءة سنكتفي بالوقوف على التجلِّيات التاريخية لإسلام اليمنيين، ووفادة الإمام علي عليه السلام الى اليمن، وما كان لها من فضل في إخراج اليمن من مُستنقع الظلام الجاهلي إلى نور الدوحة المحمدية، وفي تقديرنا فالوقوف على السرديات التاريخية ومقاربتها أكثر أهمية من الكتابات الإنشائية، على صعيد إنعاش ذاكرة أحفاد الأنصار، وإعادة الاعتبار للهوية الإيمانية.
سابقة الإسلام والوفود:
أجمع المؤرخون على إسلام السواد الأعظم من اليمنيين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عكس غيرهم من الأقوام، وتحديداً خلال الفترة 6 – 10 هـ، على دفعات، فُراداً وجماعات.
بعضهم أسلم في اليمن دون الهجرة، والبعض ذهب إلى المدينة المنورة إما لإشهار إسلامهم كـ”عمرو بن معدي كرب الزُبيدي” و”المهري بن الأبيض” و”فروة بن مُسيك المرادي”، و”رُهاء” و”بجيلة” و”أزد” و”غامد” و”بارق” و”طيّء”، أو سبق لهم الإسلام وأرادوا إخبار النبي بذلك كـ”دوس” و”نخع” و”غافق” و”تُجيب” و”صدف” و”خولان” و”كندة”، أو لإخباره بأن قومهم أصبحوا على دين الإسلام كإرسال الحميريين “مالك بن مرارة الرُهاوي”.
ومنهم من أسلم والرسول في مكة المكرمة، كما هو حال “عمار بن ياسر بن عامر العنسي المذحجي” وأمه وأبيه.
ومنهم من أسلم بعد هجرة الرسول الى المدينة وقبل فتح مكة المكرمة، كما هو حال “الأوس” و”الخزرج” و”الأزد”، وغالبيتهم أعلن إسلامه في عام الوفود 9 هـ.
وشهدت السنوات التالية لفتح “مكة” 8 هـ، انتشار الإسلام بين أكثرية القبائل اليمنية، حيث شهدت السنتين التاسعة والعاشرة اسلام جميع القبائل اليمنية، وبعثوا الوفود إلى المدينة المنورة.
وفي حجة الوداع كان هناك حضور كثيف للوفود اليمنية من “صُداء” و”تُجيب” و”رُهاء”، وفي هذا تأكيد جلي على حُسن إسلامهم وأدائهم لفرائضهم.
ووجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أول رسالة إلى رؤساء قبيلة “حمير” وكانت لها اليد الضاربة في اليمن، منهم: “المهاجر بن أمية المخزومي”، وأبناء “عبدكلال الحميري”، “النعمان” و”الحارث” و”نعيم” و”مروح” و”عريب”، وهم أقيال “رعين”، و”معافر” و”همدان”، فأسلم كثيرٌ من زعمائها، وبعثوا برسالة مع “مالك بن مرارة الرهاوي”، وأجاب عليهم رسول الله وولاهم على بلدانهم، ومنهم “أبو زرعة بن سيف بن ذي يزن” وغيره، ثم أرسل إلى ملوك “حمير” ولاة ومُعلمين تحت قيادة الصحابي الجليل “مُعاذ بن جبل” سنة 9 هـ، وجعله مُعلِّماً لولاية “الجند”.
وأرسل إلى أساقفة “نجران”، و”بني معاوية” من “كندة” في “حضرموت”، و”بني ربيعة بن ذي المراحب”، من “حمير” بحضرموت، ..، إلخ، ووصل أول مبعوث للرسول إلى اليمن في محرم 7 هـ.
على صعيد الوفود، شهدت المدينة المنورة وصول 27 وفداً من القبائل اليمنية، بلغ عدد أعضائها كما يذكر “ابن سعد” في طبقاته نحو 1070 رجلاً، منهم 50 رجلاً من قبيلة “أشعر”، و70 أسرة من “دوس”، و400 رجل من “بجيلة”، و200 من “نخع”، و15 من “طيّء”، و500 من “صداء” – شارك منهم 100 رجل في حجة الوداع.
ولم يكن وصول هذه الوفود في العام 9 هـ فقط، بل توزّعت على الفترة “6 – 11 هـ”، وكان وفد قبيلة “نخع”، آخرها قُدوماً على رسول الله، في 15 محرم 11 هـ.
وكانت “همدان” و”دوس” أول القبائل اليمنية إسلاماً والرسول لا يزال في مكة المكرمة، تبعتهم بطون كثيرة من “سعد العشيرة” و”مذحج” و”الأشاعرة” بتهامة، ..، وبعد عودة الرسول من غزوة تبوك وصل الى المدينة وفدٌ كبيرٌ من “همدان”، يتقدمهم أقيال ووجهاء وأعيان القوم من “خارف” و”يام” و”شاكر”، وغيرهم.
وحرص الرسول على توجيه الوفود بتحطيم أصنامهم وهدم معابدهم بعد عودتهم إلى ديارهم، ومن أشهر تلك الأصنام:
1 – “عُميأنُس” بخولان.
2 – “معبد فَلْس” بآل حاتم من طيئ.
3 – “ذي الخلصة” ببجيلة.
وكان “ذؤيب الخولاني” أول من أعلن إسلامه من اليمنيين كما يذكر صاحب “الإصابة والإستيعاب”، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “عبدالله”، وأراد مُدّعي النبوة “الأسود العنسي”، إحراقه بالنار، فلم تضُره.
وأول من أسلم من كبار زُعماء حمير “أبو زرعة بن سيف بن ذي يزن”.
وأول سابق إلى الإسلام وشهيد فيه بمكة أبو عمار “ياسر بن عامر العنسي المذحجي”.
التعامل الراقي للرسول مع اليمنيين:
اتّسمت مُعاملة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع القبائل اليمنية الزائرة للمدينة بالرحمة والمُداراة، والاستقبال الحسن.، ومنح بعضهم الهدايا كـ”خولان” و”بجيلة” و”غامد” و”تُجيب”.
وأرسل الكتب إلى بعض زعمائهم كـ”أبي ظبيان الغامدي الأزدي”.
وعقد تحالفات مع بعضهم، كزعماء “حمير” و”زُبيد” و”مُراد” و”همدان” و”خثعم” و”طيّء”.
واختار أمراء وولاة من بين وفودهم على مناطقهم، أمثال: “وائل بن حجر بن سعد الحضرمي”، و”قيس بن سلمة الجُعفي”، و”فروة بن مُسيك المرادي”، و”أبو موسی الأشعري”، و”صرد بن عبد الله الأزدي”، و”جرير بن عبد الله البجلي”، و”قيس بن حصين الحارث” .. ألخ.
وترك لهمدان أرضهم، وأرسل من يُعلِّم القبائل اليمنية القرآن وأمور دينهم وأخذ الزكاة من المسلمين والجزية من أهل الكتاب، ومن لا زالوا على دينهم وهم قلة سرعان ما التحقوا بالركب النبوي الطاهر.
ومن طريف ما يذكر المؤرخون أن بعض القبائل كانت غارقة في الصراعات والحروب كما هو حال “مذحج” و”همدان”، فأرسلوا بعض رجالهم إلى رسول الله لطلب الدعم والمُساندة ضد بعضهم، لكن أسلم رُسلهم، وعادوا إلى قومهم مبشرين بالدين الجديد، واستل الإسلام السخائم والأحقاد والضغائن من قلوبهم.
هذا التعامل الراقي من حضرته الشريفة مع الوفود اليمنية، ترك أثر كبير في نفوس زعمائهم، ظهرت تجلِّياته في حُسن إيمانهم، وتسابقهم لإعلاء كلمة الله في أنحاء المعمورة، وتقدُّمهم صفوف الفاتحين، ورفعهم لواء الدين، فكانوا بشهادة الكثير من المؤرخين عمود الإسلام وقوته.
يروي ابن جرير في تفسير قوله تعالى: “ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا”، أنها في اليمنيين، قال “عبدالله بن عباس”: بينما رسول الله بالمدينة، إذ قال: “الله أكبر الله أكبر، جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن”.
قيل يا رسول الله: وما أهل اليمن.
قال: “قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان والحكمة يمانية”.
ويذكر الكاتب التايلاندي “برمود صمدي” أن الإسلام عندما دخل اليمن وجد تربة خصبة في شعب نشأ على الزراعة والتجارة، فكانوا من أكثر الشعوب صبراً على ما تتطلبه الزراعة من عناء وصبر ومُكابدة، بالإضافة إلى ما تتطلبه التجارة من مُصابرة لأجل تنمية رأس المال والربح، لذا لم يكن اليمنيون عالة على الإسلام، بل كان في طليعة الشعوب التي جابت دول الشرق والغرب جهاداً للكافرين واستيطاناً للبلاد المفتوحة وإعزازاً لدين الله.
وكان لهم نصيبٌ وافر من الشهادة النبوية الكريمة بأنهم أصحاب “إيمان وحكمة”، فكم نحن بحاجة لاستشعار ذلك وفهمه واستيعابه.
الإمام علي في اليمن:
يختلف المؤرخون حول عدد مرات ذهاب الإمام علي عليه السلام إلى اليمن، وهل كانت كلها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم بعضها في عهده وبعضها بعد وفاته، والمؤكد ذهابه إلى اليمن عِدة مرات، وزار مناطق عديدة شملت في بعض الروايات “همدان” و”زبيد” و”مذحج” و”نجران” و”عدن لاعة” بحجة و”عدن أبين” وغيرها.
وكان لتلك الزيارات عظيم الأثر في جذب اليمنيين إلى الإسلام دون حرب أو قتال، بل حُباً وطواعية وامتثال للحق وأربابه، وبفضلها ترسّخت محبّة أهل البيت عليهم السلام في قلوب اليمنيين، وتقدّموا صفوف الفاتحين، وبعد انتهاء عصر الفتوحات الإسلامية كانوا في طليعة المُدافعين والمنافحين عن أئمة الحق، والمُؤازرين والمُناصرين والمُعاضدين لهم.
ذهب الإمام علي عليه السلام إلى اليمن في بعض التقديرات 4 مرات، بعض المؤرخين قال أنها كانت في عهد رسول الله، وبعضهم قال 3 منها على عهد رسول الله وواحدة في عهد أبوبكر.
ويذكر إبن سعد في طبقاته أن للإمام سريتين إلى اليمن، إحداهما في رمضان 10 هـ.
وذكر الجندي أن له 4 خرجات إلى اليمن، إحداهما في أيام أبي بكر.
ويُرجِّح الباحث “حمود الأهنومي” رواية ابن سعد، ويرى أن خروجه الأول في الفترة “رجب – ذي القعدة 9 هـ”، إلى قبائل “مذحج”، و”زبيد” – ومساكنها “خولان بن عامر” بصعدة، ووصل إلى منطقة “كُشر”.
وخروجه الثاني إلى قبيلة “همدان” في بداية سنة 10 للهجرة وليس في رمضان 10 هـ، الموافق ديسمبر 631 م، كما يذكر بن سعد، أرسله النبي قائداً وأميراً وقاضياً ومُرْشِداً، وكانت وفوداً من “همدان” شاملة “حاشد” و”بكيل” وصلت المدينة المنورة في سنة 9 هـ وأشهرت إسلامها، إلا أن الأغلب أو القبائل الأقوى لم تشأ الدخول في الإسلام، بل وعاندت “خالد بن الوليد” – وصلت سريته في ربيع الأول 10 هـ إلى بني “عبد المدان” بنجران ومانعته 6 أشهر، فلم يستجيبوا له – حتى جاء علي عليه السلام.
وبعضهم قال أنه ذهب إلى اليمن مرتين فقط في عهد رسول الله، وبعضهم 3 على عهد رسول والبعض رأى أنها عدة مرات، ونكتفي هنا بالوقوف على تحديد فترات الخرجات، وما نراه أن له أربع خرجات إلى اليمن في عهد النبي وخامسة في عهد أبو بكر لا تزال محل جدل وبحث.
الخروج الأول:
يُرجِّح الباحث القاضي “عبدالوهاب المحبشي” بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علي عليه السلام إلى اليمن للمرة الأولى في الفترة المحصورة بين “ذي القعدة 7 هـ – رمضان 8 هـ” لعدم وجود ذكر للإمام في أحداثها بالمدينة المنورة، وحديث كُتب السِير عن سرايا كثيرة للإمام في هذه الفترة، وهذا يؤكد بأنه كان في اليمن لتعزيز إسلام “باذان” وأصحابه.
الشاهد الأخر وجود توثيق يؤكد بناء جامع الامام علي في سوق “الحلقة” بصنعاء القديمة في سنة 8 هـ.
وما نميل إليه أن وصوله صنعاء كان في الجمعة الأولى من شهر رجب الأصب سنة 8 هـ، ومن يومها صار هذا اليوم عيداً عند اليمنيين يحتفلون به كل عام.
نزل عليه السلام بمنزل امرأة يمنية تُسمّى “سعيدة البزرجية”، وقام بتعليمها القرآن الكريم والعلوم الإسلامية والفرائض الدينية، وصلّى في منزلها، وخطب في الناس من على سطحه، فقررت المرأة تحويله إلى مسجد، قُربة إلى الله، وأسمته بمسجد “الإمام علي عليه السلام”، يقع اليوم في سوق “الحلقة”، وسُميت المنطقة بسوق “الحلقة” لأن الناس تجمّعوا حول الإمام بشكل “حلقة”، وهو يقرأ عليهم كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد فراغه من قراءة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أسلمت همدان جميعاً، فصلّى بهم العصر في نفس الموضع، وكتب من فوره بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قرأ صلى الله عليه وآله وسلم الكتاب خرّ ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال:”السلام على همدان”، كررها ثلاثاً.
ثم قال: “نِعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر، وأصبرها على الجهد، منهم أبدال، وفيهم أوتاد الإسلام”، وفي كلامه صلى الله عليه وآله وسلم شهادة لليمنيين بأنهم أهل صبرٍ وجلَد وثبات، وأنهم يمثلون عمود الإسلام وقوته.
وقيل أن وصول الإمام علي إلى صنعاء في ذي الحجة 7 هـ، بصورة سرية، وتم خلال زيارته بناء مسجده بها كما تقدم.
وشَهِد العام 7 هـ إسلام “باذان”، وتحديداً في رمضان منه، وكان والياً على اليمن، وهذا العام يُمثل أيضاً تاريخ بداية الإسلام في “صنعاء”.
بينما يرى العلامة “محسن الأمين”، وصول الإمام علي إلى صنعاء من بلاد “همدان” للمرة الأولى في نهاية العام 8 هـ، وكانت زيارته الرابعة إلى “مذحج” في رمضان 10 هـ.
ويرى البعض أن تحديد إحياء جمعة رجب يعود لوصول الصحابي الجليل “معاذ بن جبل” إلى “الجند”، في سنة 7 هـ.
ويذكر المؤرخ اليمني “محمد بن يحيى الحداد”، أن مُعاذاً عندما قَدِمَ إلى اليمن، دخل من “صعدة”، وأمر أهلها ببناء مسجد لهم، ثم انصرف إلى “صنعاء”، واجتمع بأهلها، وألقى عليهم كتاب رسول الله، وأمرهم ببناء جامع لهم في بستان “باذان”، وهو ما يُعرف اليوم بالجامع الكبير، وفي أواخر جمادى الآخرة وصل إلى “الجند” بتعز، واجتمع له الناس في أول جمعة من رجب، وخطبهم وبيّن لهم رسالة الإسلام التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه لم يوضح ما إذا كان وصوله إلى صنعاء في حياة “باذان” أم بعد رحيله.
وأمر ببناء مسجده المعروف بمسجد “الجند”، وبعد اكتمال بنائه أُقيمت فيه صلاة الجمعة، والتي صادفت أول جمعة من شهر رجب.
الخروج الثاني:
عقب غزوة “حُنين” شوال 8 هـ، وعاد إلى المدينة قبل سفر النبي إلى “تبوك” رجب 9 هـ.
وتذكر كُتب السِير أنه خرج إلى “نجران” في سنة 9 هـ، لجمع صدقاتهم وجزيتهم، وبعد رجوعه إلى المدينة وصل وفد “نجران”، وحدثت قصة المُباهلة الشهيرة.
كما وصلت بعد عودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من “تبوك” وفود يمنية كثيرة، من “همدان”، و”مراد”، و”عمرو بن معدي كرب الزبيدي”، و”المعافر”، ووصلت رسالة ملوك حمير كما عرفنا سابقاً، وهذه قرينة على أن تلك الوفود ثمرة طبيعية لخروج الإمام إلى اليمن بعد فتح “مكة” وقبل غزوة “تبوك”، وهذا يعني أن الخروج الثاني لم يكن إلى نجران بل تجاوزها إلى صنعاء ومخاليفها ومحيطها لرعاية أسرة الخروج الأول إلى “باذان”.
الخروج الثالث:
عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من “تبوك” في شعبان سنة 9 هـ، وقدِمت عليه الوفود اليمنية فيها، فأرسل مع “همدان” خالداً، وأقام فيهم 6 أشهر “رمضان 9 هـ – صفر 10هـ”، وذهب الإمام علي عليه السلام إلى اليمن في صفر 10 هـ، كما يرى القاضي “المحبشي”، وتمّكن خلال هذا الخروج من تثبيت الإسلام كدين عام لأهل اليمن، ولا يُستبعد أنه زار أيضاً عدن في أقصى الجنوب خلال هذه الزيارة، أو التي تليها، وبدأ بناء أساس الجامع الكبير من الصخرة الململمة كما يتواتر على ألسنة الناس جيلاً بعد جيل.
الخروج الرابع:
تذكر الروايات أن النبي دعا الإمام في رمضان سنة 10 هـ، فعمّمه بيده، وأمره بالخروج إلى “اليمن” قاضياً، فقال الإمام: “إنك تبعثني إلى قوم ذوي أسنان وأنا شاب ولا علم لي بالقضاء”، فمسح النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صدره، وقال: “اللهم اهد قلبه وثبت لسانه”.
قال عليه السلام: “فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين”، فخرج إلى اليمن وبقي فيها حتى قَدِمَ بحُجاج اليمن في حجة الوداع.
الخروج الخامس:
في عهد خلافة “أبو بكر”، وفيها دخل “عدن أبين” للمرة الثانية، وخطب على منبرها، وكانت زيارته الأولى لها على الأغلب خلال خروجه الثالث إلى اليمن، ومع ذلك يظل هذا الخروج محل جدل بسبب اعتزاله وتفرُّغه للعبادة خلال خلافة “أبو بكر”.
المراجع: