البيانُ الأمريكي البريطاني الفرنسي الأخير بشأن اليمن كشف تمسكاً ثابتاً بمواصلة الحرب والحصار:إصرارُ رعاة العدوان على رفض مطالب اليمنيين يُعيدُ خياراتِ الردع إلى واجهة المشهد
لا تزالُ مؤشِّراتُ إصرارِ دول تحالف العدوان ورُعاتِها على رفض مطالب الشعب اليمني المشروعة تتصاعدُ مؤكِّـدةً عدمَ الجدية في التوجّـه نحو السلام الفعلي؛ وهو ما يهدّد بإفشال جهود الحل، خُصُوصاً في ظل تصاعد تحذيرات وإنذارات صنعاء بشأن “نفاد الصبر” بعد مرور أكثر من عام على التهدئة.
ومن آخر المؤشرات الواضحة على تمسك دول العدوان ورعاتها بالتعنت، كان البيان الذي أصدرته كُـلٌّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، قبل نهاية يونيو الماضي، والذي عبرت فيه الدول الثلاث عن انزعَـاجها من استمرار منع نهب الثروة النفطية الوطنية، متهمين صنعاء بـ”الإضرار باقتصاد اليمن” حسب زعمها.
هذا البيان مثّل تأكيدًا إضافِيًّا صريحًا على أن الرعاة الدوليين لتحالف العدوان والمسيطرين على قراره بشأن السلام والحرب، يرفضون تمكين الشعب اليمني من حقوقه المشروعة، وعلى رأسها عائدات الثروة النفطية، التي يصرون على مواصلة نهبها واستخدامها كمصدر بديل لتمويل العمليات العدوانية ضد الشعب اليمني، عوضًا عن تخصيصها لصرف مرتبات الموظفين.
وقد جاء هذا البيان العدائي ضمن توجّـه واضح تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لابتزاز صنعاء والضغط عليها، من خلال محاولة تحميلها مسؤولية معاناة الشعب اليمني، واستخدام ذلك كغطاء لاتِّخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية في هذا السياق، كما حدث مؤخّراً عندما قامت واشنطن بتمكين المرتزِقة من دفعة جديدة من حقوق السحب الخَاصَّة في البنك الدولي.
وبالتالي فَـإنَّ البيان يجدد التأكيد على أن الإدارة الدولية لتحالف العدوان ترفض تماماً تنفيذ مطالب الشعب اليمني، وعلى رأسها صرف المرتبات، بل إنها تحاول شيطنة هذه المطالب وإزاحتها من على طاولة جهود السلام، واستبدالها بإملاءات تطيل أمد معاناة الشعب اليمني، بل وتهدّد أمنه واستقراره على المدى الطويل.
هذا أَيْـضاً ما أوضحه التهديدُ الذي تضمنه بيان الدول الثلاث فيما يتعلق بـ”عزل صنعاء دوليًّا” في حال رفضت القبول بالإملاءات الغربية، إضافةً إلى الإشارة الواضحة والصريحة إلى دعم مساعي تقسيم البلد إلى “شمال وجنوب”.
البيانُ قوبل بردود حاسمة من جانب صنعاء على استحالة السماح لدول العدوان ومرتزِقتها بالعودة إلى نهب الثروة الوطنية، حَيثُ أكّـدت اللجنة الاقتصادية العليا أن البيان إنما عبّر عن إصرار أمريكا وبريطانيا وفرنسا على مواصلة الحرب الاقتصادية ضد الشعب اليمني ورفض مطالبه المشروعة، فيما أكّـد نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي، أن صنعاء لن تسمح بتصدير النفط إلا بوجود آلية تضمن تخصيص عائداته لصالح الشعب اليمني”.
الموقف الذي أعلنته صنعاء رَدًّا على بيان رعاة العدوان ليس جديدًا، إذ سبق تأكيده أكثر من مرة على لسان قائد الثورة، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي أعلن أَيْـضاً أن معادلة حماية الثروة الوطنية ستتسع لتشمل كافة الثروات في البر والبحر؛ وهو ما يعني أن محاولات إعادة العجلة إلى الوراء لن تنجح أبدًا مهما كانت محاولات الضغط والابتزاز.
وفي ظل ما يترجمه بيان أمريكا وبريطانيا وفرنسا من إصرار مُستمرّ على تجاهل موقف صنعاء، فَـإنَّ احتمالات نجاح جهود الحل في دفع رعاة العدوان إلى التراجع عن تعنتهم تبدو شبه معدومة، وبالتالي فَـإنَّ الخيارات التي يحاول فرضها العدوّ على صنعاء هي: القبول بالإملاءات، أَو القبول باستمرار التفاوض إلى ما لا نهاية بدون جدوى، وفي الحالتين فَـإنَّ النتيجة هي تمديد حالة اللا سلم واللا حرب؛ وهو ما يعني أن احتمالات تنفيذ مطالب السلام العادل أصبحت مرتبطة بخيارات الردع الوطنية والضغط المعاكس أكثر مما هي مرتبطة بالجهود السلمية.
بعبارة أُخرى: إن البيان الأخير لرعاة العدوان يضع عائقًا يكاد يكون نهائيًّا أمام جهود السلام؛ إذ يبدو بوضوح أن الإدارة الدولية للعدو لا تضع في حسبانها أية إمْكَانية لصرف المرتبات ورفع الحصار (وهو ما كان قد أكّـده المبعوث الأمريكي ليندركينغ في وقت سابق بشكل صريح)، وإن كانت لا تزال هناك فرصة أمام النظام السعوديّ لتدارك هذا الموقف الخطر فَـإنَّه لا يبدي حتى الآن مؤشرات مختلفة عن مؤشرات الموقف الغربي.
وقد تضمنت تصريحات القيادة السياسية والعسكرية، خلال الأيّام القليلة الماضية، إشارات واضحة إلى أن موقف رعاة العدوان يتجه نحو مواصلة الحرب والحصار، ويسد آفاق السلام، كما تضمنت تأكيداتٍ صريحةً على عدم القبول باستمرار الوضع الراهن، والاستعداد لخياراتِ ردعٍ واسعةٍ ومدروسة بعناية؛ الأمر الذي يعني أن نهاية فترة التهدئة قد أصبحت أقربَ من أي وقت مضى.
المسيرة