البديل المصرية : الحديدة بين التهديد العسكري والابتزاز الأممي
البديل المصرية/ صنعاء / علي جاحز
أصبح ميناء الحديدة الذي يعد الميناء الرئيسي لليمن هدفا لتحالف العدوان على اليمن، غير أن ذلك الهدف لا يقل صعوبة عن العاصمة صنعاء التي لا تزال بعيدة عن قبضة التحالف السعودي رغم أن المعارك على أبوابها شرقا منذ عامين، ويرى مراقبون أن عجز تحالف العدوان في السيطرة العسكرية على الميناء سبب استعانته بالمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ ليطرح مبادرة بتسليم الميناء مقابل صرف الرواتب، غير أن الأطراف في صنعاء ترى أن تسليم الميناء أمر مرفوض، بل وتتوقع في حال تم تسليم الميناء ألا تُدفع الرواتب، وفي هذه الأثناء يبرز دور جديد لسلطنة عُمان، لم تظهر نتائجه بعد رغم ظهور التحرك طوال الأسبوع الماضي.
تحرك عُماني جديد.. الحل العسكري غير مفيد:
في ظل انسداد أفق الحل السياسي للملف اليمني الأكثر تعقيدا بين ملفات المنطقة المشتعلة، وعقب دعوات مجلس الأمن الأخيرة للأطراف اليمنية بضرورة وقف القتال والعودة إلى المفاوضات، برز دور عُماني جديد ومختلف إلى حد كبير عن السابق، حيث أجرت عُمان تحركات عدة خلال الأيام القليلة الماضية التي أعقبت إحاطة المبعوث الأممي المرتكزة على مقترح تسليم ميناء الحديدة لجهة محايدة مقابل صرف الرواتب الموقوفة منذ أكثر من ثمانية أشهر.
جريدة (عُمان ) الرسمية خلصت في افتتاحيتها إلى أن التوصل إلى حل في اليمن يضمن عودة الشرعية اليمنية لن يتحقق عبر السبل العسكرية بل بالحوار، واعتبرت افتتاحية عدد الجمعة الماضية لصحيفة عُمان أن التوصل إلى حل توافقي يضمن استجماع الأطراف واجماع مختلف القوى السياسية وعودة الشرعية اليمنية، واستبعدت الصحيفة أن يتم الوصول للحل عبر الوسائل العسكرية بل بالحوار الإيجابي بين مختلف الأطراف دون استبعاد أو استئثار، داعية إلى التعاون مع المبعوث الأممي والالتزام بما اسمته أسس الحل المتفق عليه في اليمن وحسن النية.
يأتي هذا في الوقت الذي تستمر فيه جهود السلطنة من أجل اختراق الجدار المسدود الذي تتوقف عنده الأزمة اليمنية منذ انتهاء مفاوضات الكويت في النصف الثاني من العام الماضي، وبحسب ما أعلنته الصحافة العُمانية في وقت سابق فإن لقاءات مكثفة أجريت بين مسؤولين عُمانيين وبعض ممثلي الأطراف اليمنية والدولية الفاعلة تهدف إلى استئناف المفاوضات غير أن نتائج تلك اللقاءات لم تُعلن بعد.
وكانت الخارجية العُمانية قد أكدت أن مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة خليفة بن علي الحارثي التقى مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن في نيويورك بعد يومين من تقديم الأخير إحاطته أمام مجلس الأمن، مؤكدة في بيان نشرته على صفحتها في تويتر أن السلطنة تدعم الجهود الأممية للتوصل لحل سياسي في اليمن.
و كانت حكومة الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي قد تحدثت عن وجود وساطة عُمانية تهدف لاستئناف المفاوضات بين الأطراف اليمنية، مؤكدة زيارة وزير الخارجية فيها عبد الملك المخلافي إلى السلطنة، دون إعطاء أي تفاصيل حول مخرجات الزيارة، فيما أكد مصدر يمني للبديل أن عُمان تمارس دورها الحيادي الرامي لإيجاد حلول توافقية.
وفيما كانت مصادر إعلامية قد تحدثت أن السلطنة تبنت مقترحا بخصوص الحديدة يقضي بأن يتم تسليمها لجهة محايدة وصرف الرواتب، وأنها حصلت على موافقة مبدئية من الأطراف السياسية في صنعاء، أكد المصدر السياسي أن هذا الأمر غير صحيح وأن الموقف في صنعاء لم يتغير من مقترح ولد الشيخ.
ميناء الحديدة تحت التهديد:
في هذه الأثناء لا تزال الرؤية غير واضحة بخصوص الخطوات التي ممكن أن تتخذ فيما يخص ميناء الحديدة المهدد بالهجوم العسكري من قبل تحالف العدوان على اليمن، حيث يرى مراقبون أن الميناء يعد الشريان الاقتصادي الوحيد للمناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية، فيما لا تزال تحركات تحالف العدوان العسكرية نحو الهجوم على الميناء غامضة وغير واضحة المعالم.
وفي حديث خاص للبديل حول موقف الجيش واللجان الشعبية من مخطط استهداف الحديدة، يرى مساعد الناطق الرسمي للجيش واللجان الشعبية العقيد عزيز راشد أن الذرائع التي يفتعلها العدوان للسيطرة على الحديدة واهية، و تدل على فشل العدوان في المواجهة العسكرية البرية مع الجيش واللجان الشعبية، معتبرا أن الاتهامات باستهداف ناقلة نفط مدنية يوم الجمعة الماضية ماهي إلا ذرائع غرضها تدويل الساحل الغربي اليمني برمته نظرا لعجز تحالف العدوان بقيادة السعودية للعام الثالث في تحقيق استقرار في الأماكن التي احتلها، في إشارة إلى فشل ترسيخ الاستقرار في الساحل الجنوبي.
واستطرد مساعد الناطق الرسمي للجيش قائلا: كل الخطط والسيناريوهات التي أعدوها في محاولاتهم لاقتحام الحديدة ومينائها والجزر اليمنية توقفت في المخا في المحور الغربي الجنوبي وفي المحور الشمالي بصحراء ميدي التي ابتلعت آلاف الجنود من مختلف الجنسيات ودمرت مئات الآليات العسكرية الحديثة، معتبرا أن هذا الأمر دفع التحالف إلى اللجوء للدور السياسي عبر موظف الأمم المتحدة ولد الشيخ الذي جاء لكي يساوم على تسليم الحديدة بالسياسة.
ويرى راشد في حديثه للبديل أن تسليم الحديدة من الناحية الاقتصادية والعسكرية هو الرضوخ لتطبيق مشروع الأقاليم لكي يطبق على الحركه الثورية التحررية وهذا ما يبحث عنه العدو الأكبر وقرن الشيطان، مؤكدا الجهوزية العالية للدفاع عن الحديدة ومن يغامر في احتلالها فإنما منتحر لأنها ستتحول إلى مقبرة جماعية للغزاة والمحتلين، وأضاف العقيد راشد مذكرا بماجرى في الجنوب قائلا: ولابد هنا من التوضيح والتذكير فقد تسلموا المكلا وعدن وسقطرة والمخا وكلها موانئ ولم يسلموا المرتبات حتى لأبناء تلك المناطق.
تسليم ميناء الحديدة مؤامرة مكشوفة:
وبينما يرى اقتصاديون مؤيدون للتحالف أن تسليم الميناء لجهة محايدة يعد حلا مهما لسلامة الميناء وأدائه الاستراتيجي بالنسبة لليمن ككل ويضمن تسليم الرواتب، يرى اقتصاديون في صنعاء أن سلامة الميناء مهمة غير أنهم لا يرون أن ثمة جهة محايدة تستطيع ضمان حماية الميناء من سيطرة العدوان، وكانت مصادر سياسية أفادت أن الأطراف قد تتفق على تسليم الميناء غير أنها لا تثق بالطرف المحايد الذي ممكن أن يتسلمه، وبحسب مسؤول نقلت عنه رويترز فإن الخلاف بشأن الحديدة يتركز حول هوية الطرف المحايد الذي سيتولى إدارة الميناء، وهو ما نفاه مصدر مسؤول في أنصارالله جملة وتفصيلا، معتبرا أن الأمم المتحدة بمقترحها هذا تقدم نفسها وكيلا للعدوان.
وفي هذا السياق يعتقد عضو المكتب السياسي لأنصارالله سليم المغلس أن الأمم المتحدة كشفت قناعها الحقيقي من خلال الإحاطة الأخيرة التي ألقاها مبعوثها الخاص وأعلن من خلالها مغادرة موقع الانحياز لطرف العدوان إلى موقع المتمترس كطرف رئيسي وكأداة من أدوات العدوان على اليمن.
ويرى رئيس دائرة التحليل في المكتب السياسي لأنصارالله سليم المغلس أن الأمم المتحدة مارست الضغط والابتزاز بمعاناة الناس للمساومة لفرض الاستسلام عبر مقترح تسليم ميناء الحديدة مقابل الرواتب، معتبرا ذلك خضوعا واستسلاما لأجندات العدوان، لا سيما أنهم جعلوه مرتكزا يتوقف على تنفيذه استئناف المفاوضات ووقف النار وصرف الرواتب ودخول المواد الإنسانية، وأشار المغلس إلى أن مقترح ولد الشيخ تجاهل كل ما توصلت إليه الأطراف اليمنية خلال جولات التشاور السابقة.
واعتبر المغلس أن المؤامرة على الحديدة وصلت إلى أن تلعب الأمم المتحدة دورا مكشوفا تطالب فيه بتحقيق هدف عسكري للتحالف عجز عن تحقيقه وهو السيطرة على محافظة الحديدة، واصفا ذلك بالدور الهزيل والضعيف، مستغربا من أن يأتي ذلك من طرف يعتبر نفسه وسيطا ويحرص على أن يحتفظ بقدر من الاحترام لدى الأطراف المتنازعة.
وفي سياق حديثه عن دور المبعوث الأممي حيال الحديدة ومقترحه بشأنها، وصف المغلس ولد الشيخ بأنهورقة تم استهلاكها واستخدامها كثيرا من قبل تحالف العدوان وأصبح غير قادر على أن يحقق لهم اي مكسب أو غطاء، متوقعا استبداله بشخص آخر قريبا.
من جهته؛ أكد عبدالملك الحجري رئيس تكتل الأحزاب السياسية المناهضة للعدوان والأمين العام لحزب الكرامة اليمني أن الحديدة تواجه خطرا كبيرا، وأضاف: قد يبدو الأمر كما لو أن هناك محاولات لوضع محافظة الحديدة تحت الوصاية الأُممية ظاهرا بينما في الواقع هناك نية لاحتلال الغزاة للحديدة وسيطرتهم على آخر المنافذ التي تُمد الشعب اليمني بالدواء والغذاء باعتباره خط الحياة الوحيد لأكثر من ٢٠ مليون يمني.
وفي تعليقه على مقترح ولد الشيخ أكد الحجري أن ماورد في إحاطة المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ التي أدلى بها في اجتماع الجمعية العمومية لمجلس الأمن حول اليمن، فيما يخص ميناء الحديدة لا يختلف عن سيناريو العراق النفط مقابل الغذاء، معتبرا أن ذلك فيه محاولة لامتهان كرامة اليمنيين.
إحاطة ولد الشيخ.. حكومة هادي ترحب وحكومة صنعاء تندد:
على وقع ذلك، وبينما رحب تحالف العدوان بمقترح المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ، أمام مجلس الأمن باعتباره يؤيد مطالباته السابقة بتسليم الميناء، نددت حكومة الإنقاذ في صنعاء بالمقترح واعتبرت ما طرحه المبعوث الأممي يخالف ما تم نقاشه معه خلال زيارته لصنعاء.
من جهته اعتبر رئيس اللجنة الثورية العليا محمدعلي الحوثي أن المبعوث الأممي أورد الكثير من المغالطات في إحاطته، متهما إياه بأنه أصبح جزءا من العدوان على الشعب اليمني، وأن حديثه عن الراتب وربطه بالحديدة يثبت أن الأمم المتحدة هي من تقف وراء أزمة الرواتب، كما اعتبر ناشطون وإعلاميون أن المقترح دليل على ابتزاز أممي للشعب اليمني.
ويعتبر ميناء الحديدة المنفذ الوحيد الواقع تحت سيطرة الأطراف المناهضة للعدوان والذي يربط مناطقهم بالعالم اقتصاديا وإنسانيا بعد إغلاق مطار صنعاء الدولي، كما يعد الميناء الرئيسي لليمن ككل ويقول اقتصاديون إن الحديدة ترفد جميع مناطق اليمن بالمواد التجارية والسلع حتى المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف، ولا يزال يعمل بطاقة نسبتها 60% برغم الضربات التي تعرض لها من قبل طيران العدوان منذ مارس عام 2015م.