البحرية الأميركية بمواجهة «كوابيسها»: «الخيال العلمي» ليس حلّاً
البحرية الأميركية بمواجهة «كوابيسها»: «الخيال العلمي» ليس حلّاً
أدّت الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط، واضطرار الولايات المتحدة إلى حشد قواتها فيه للدفاع عن إسرائيل، إلى الكشف عن كثير من عورات القوة التي بواسطتها تهيمن واشنطن على العالم، في ظل بروز تهديدات تواجه قواتها، في المحيطيْن الهادئ والهندي، قبالة كل من الصين وإيران، فضلاً عن التهديد الروسي الماثل حالياً في أوروبا. ومع سعيها لمواجهة تلك التهديدات، فإن ثمة تحديات داخلية حرجة تعاني منها البحرية الأميركية، لعل أبرزها ما يلي:أولاً: تقلّص الأسطول الأميركي؛ إذ بحسب صحيفة «ناشيونال إنترست»، وتحديداً مقال فيها بعنوان «تراجع البحرية الأميركية أمر حقيقي»، فإنه إذا اندلعت حرب حقيقية، فسوف تتعرّض السفن الحربية التابعة للأسطول للتهديد من قِبَل أنظمة متطورة. وإذا فُقِدت هذه السفن الحربية، فسوف يصبح استبدالها في أوقات الحرب مستحيلاً تقريباً. وفي هذا الإطار، يخشى الخبراء من أن يؤثّر التراجع الأخير للقوة الأميركية في الشرق الأوسط، على التصعيد الصيني في بحر الصين الجنوبي، مقرّين بأن عجز البحرية عن إعطاء الأولوية لمنطقة المحيطيْن الهندي والهادئ، يهدّد بتقويض الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة، ما يتركها عند مفترق طرق في ديناميات القوة العالمية.
ثانياً: أزمة تجنيد، وهي من الأزمات الواضحة التي أصابت الخدمة البحرية؛ إذ ذكرت مجلة «نيوزويك»، في تموز 2024، أن «التجنيد النشط في الجيش والبحرية انخفض بنسبة 30% إلى 40% خلال الشهر الثاني من السنة الحالية 2024»، فيما شهدت كل فروع القوات المسلحة الأميركية اتجاهاً قاتماً نحو الانحدار في التجنيد على مدى العقد الماضي.
أما التحديات العملية للبحرية الأميركية، فيتمثّل أبرزها في المواجهة التي بدأت بعد عملية «طوفان الأقصى» في البحر الأحمر مع قوات صنعاء، والتي وُصفت أميركياً بأنها الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، إذ كشفت عن عدم ملاءمة القدرات العسكرية الأميركية مع قدرات حركة «أنصار الله». وفي هذا الإطار، وصفت «ناشيونال أنترست» الوضع الحالي بأنه «كابوس البحرية الأميركية الجديد»، وتساءلت: «هل انتهى عصر السفينة الحربية الكبيرة؟» لتجيب بـ«نعم». غير أن التغييرات الكبيرة والجذرية في البحرية الأميركية تحتاج إلى متطلّبات قد يكون متعذّراً في الوقت الحالي تنفيذها. وعليه، ولردم الفجوة العسكرية التي فرضتها استراتيجية الحرب اللاتناظرية؛ عمدت واشنطن بشكل أولي إلى إرسال فرق فنية وعسكرية، في محاولة لمعالجة الإخفاقات في منظومات السلاح المتنوّعة للأسطول البحري التابع لها واستخلاص العبر.
الخبراء يقلّلون من كفاءة أشعة الليزر وموجات الميكروويف في تدمير الذخائر
وفي هذا السياق، ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، الأربعاء الماضي، أن رئيس القيادة المركزية في الجيش الأميركي، مايكل كوريلا، أبلغ الكونغرس بأنه يودّ إرسال المزيد من أسلحة «الطاقة الموجّهة» إلى الشرق الأوسط، خاصة في ظل سعي البحرية الأميركية لإسقاط الطائرات المُسيّرة التي تطلقها «أنصار الله» من اليمن. ومع إيلاء الجيش الأميركي أولوية كبيرة لمعدّات الطائرات المُسيّرة والمعدّات المضادة لها في ضوء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإنه يستكشف أسلحة «الطاقة الموجّهة»، على غرار ما يحدث في أفلام الخيال العلمي، لمكافحة التهديدات الجوية الناشئة. وفي الإطار ذاته، قال نائب وزير الدفاع الأميركي، غابي كاماريلو، لموقع «أكسيوس»، إن ساحة القتال المستقبلية ستكون مليئة بأسلحة الليزر وموجات الميكروويف، والتشويش الرقمي، والدفاعات الجوية.
كما نقل الموقع عن كاماريلو الذي عمل لسنوات طويلة كثاني أكبر مسؤول مدني في «البنتاغون»، حيث شغل منصب رئيس العمليات المسؤول عن مواكبة تطوّرات الأسلحة، أن منطقة الشرق الأوسط الكبرى تثبت أنها أرض اختبار لأسلحة «الطاقة الموجّهة»، مشيراً إلى أن الجيش الأميركي أرسل هذا العام إلى العراق العديد من أسلحة الليزر المثبتة على مركبات قتالية من طراز «سترايكر».
كذلك، يدرس الجيش الأميركي، بحسب ما نقله «أكسيوس» عن كوريلا، أسلحة الليزر المثبتة على مركبات المشاة الخفيفة، بالإضافة إلى طائرات مُسيّرة يتم إطلاقها من طائرات أو مركبات أكبر حجماً وتكون مزوّدة بحمولات إلكترونية شديدة الانفجار. ويعتقد الأميركيون بأن أشعة الليزر والموجات الدقيقة العالية الطاقة، قد تصبح آلية لتدمير الذخائر والقنابل والطائرات المُسيّرة، مع تكلفة منخفضة للغاية، إذ إن أشعة الليزر تنطلق بسرعة الضوء ويمكنها أن تحرق أهدافها، بينما يمكن لموجات الميكروويف أن تحرق الأجهزة الإلكترونية بأعداد كبيرة في آن واحد. وعلى رغم تلك الدعاية الأميركية، فإن الخبراء يقلّلون من كفاءة هذين السلاحين، منبّهين إلى أنه يمكن لقدراتهما أن تصبح شبه معدومة بسبب الظروف الجوية وفي المسافات البعيدة، فضلاً عن احتياجهما إلى مصادر طاقة كبيرة جداً.
ويُذكر أن واشنطن، بعد إخفاق أسطولها في البحر الأحمر، أرسلت فرقاً للعمل على معالجة الاختلالات الموجودة. وقاد «مركز تطوير الحرب البحرية والألغام»، في الربيع الماضي، جهداً لتطوير تكتيكات الحرب السطحية، ودمجها في عمليات التدريب، وتوفير الخبرة التكتيكية للأسطول. ودرس الفريق، كذلك، الاشتباكات التي تخوضها السفن والطائرات الأميركية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التهديدات التي تشكّلها قوات «أنصار الله» لفهم كيف يمكن تعديل العمليات وتقوية القدرة على اكتشاف الطائرات المُسيّرة والصواريخ والعمل على إسقاطها بشكل أفضل. وأخذ المركز علماً بالقدرات الجديدة التي قد يحتاج إليها الأسطول لحماية سفنه، والسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر. ومن ضمن المهام أيضاً، ما طوّرته البحرية الأميركية وشركة «لوكهيد مارتن» ضمن عملية «Aegis Speed to Capability»، التي تسمح بإجراء تغييرات صغيرة بسرعة على برنامج النظام القتالي، بدلاً من انتظار الدمج في عملية التطوير الرئيسية. واعتمد الفريق القائم على هذه العملية، على ما توفّره السفن والطائرات من «قصص مصوّرة» لما حدث في كل اشتباك، بالإضافة إلى البيانات التي جرى جمعها بواسطة الرادارات وأجهزة الاستشعار والأنظمة القتالية، والتي تُفحص بشكل سريع، قبل أن يرسل الفريق إلى السفن تعليقات فورية، أو توصيات بتغييرات في التكتيكات، أو طرق جديدة لرؤية التهديد والاستجابة له بشكل أفضل، أو غير ذلك من الدروس العاجلة.