الباحث والمفكر يحيى المحطوري يكتب عن:أساليب المنهجية القرآنية ..التذكير.

كتب/يحيى المحطوري

أساليب المنهجية القرآنية ..التذكير1
قدمت الرؤية القرآنية للشهيد القائد رضوان الله عليه دروسا مهمة عن أسلوب التذكير كأسلوب قرآني هام ، وركزت عليه كأساس عملي في منهجية العرض والتقديم لهدى الله ، والدعوة إلى العمل في سبيله.
والمتأمل لكتاب الله الكريم يجد أن موضوع التذكير تكرر كثيرا في القرآن الكريم..
فقد سمى الله رسوله مذكرا حيث يقول
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
وقد سمى الله كتابه ذكرا وتذكرة
حيث يقول
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ
إلا تذكرة لمن يخشى
لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية
وإنه لتذكرة للمتقين
إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.
كلا إنه تذكرة .. فمن شاء ذكره ..
وما هو إلا ذكر للعالمين..
إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم
وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون
.
.
وأوضح خطورة عدم التذكر ، وعاقبة من لا يتذكرون في الآخرة ، وشرح مصير الغافلين عن ذكر الله
وَهُمۡ یَصۡطَرِخُونَ فِیهَا رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا غَیۡرَ ٱلَّذِی كُنَّا نَعۡمَلُۚ
أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا یَتَذَكَّرُ فِیهِ مَن تَذَكَّرَ
وَجَاۤءَكُمُ ٱلنَّذِیرُۖ
فَذُوقُوا۟ فَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِن نَّصِیرٍ
.
ولهذه الأهمية فقد كان التذكير الحل الوحيد لمعالجة آثار الغفلة والإعراض والخلاص من عواقبهما السيئة الخطيرة..
وفي هذا السياق ، يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه)
متحدثا عن أهمية التذكير ، وقابلية البشر بفطرتهم له ، وأثره الكبير على نفوسهم..
حيث يقول:
وهذه نقطة هامة جداً
هي قضية ملموسة لدى الناس:
أن كل واحد يكون حريصاً على أن يقي نفسه .
إذاً
هذه تعتبر قضية مساعدة جداً لمن يتحدث مع الناس
لمن يعمل على أن يرتقي بنفسه إلى درجة المؤمنين المتقين
وأن نعرف أن الإنسان نفسه بأنه مفطور على الحذر على أن يقي نفسه مما هو شر، من العذاب من الأشياء التي هي ضر
هو فقط
يحتاج إلى تذكير مستمر تذكير مستمر،
فعندما تذكر الإنسان بقضية، أن فيها خطورة عليه، تقدمها بشكل واضح تبين له طريقة الوقاية منها،
هنا يوجد تجاوب في داخل نفسيته، عادة يوجد تجاوب،
وهذه من الأشياء المهمة:
أن هذا الدين كما قال الله عنه:
فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
هذه تساعدنا على إزالة مفهوم ـ تقريباً ـ قد يكون نتيجة أننا لا نستقري فطرة الناس وتكون النتيجة عند هذا الشخص:
[أن هؤلاء ما رضيوا يسمعوا ولا رضيوا يفهموا ولا يريدوا الحق ولا ، ولا]
بالطريقة هذه يكون سريعاً إلى أنه يتوقف !
لا،
افهم: أن الإنسان هو مفطور على أن يقي نفسه
فعليك أنت أن تطور أسلوبك فتعرف كيف تخاطبه
حتى يتبين له فعلا: أن القضية الفلانية تشكل خطورة عليه، تبين له: أن عملا معينا أو تقصيراً في عمل معين يؤدي به إلى أن يشقى في هذه الحياة يؤدي به إلى أن يغضب الله عليه يؤدي به إلى أن يعذب في نار جهنم،
ثم تبين له ما يشكل وقاية من هذه
وباستمرار.
الإنسان بحاجة إلى التذكير المستمر التذكير المستمر، ومعك في داخل كل إنسان ما يساعد على تفهم وتقبل ما تقدمه إليه،
وإذا كنا قديرين على تقديم الأشياء للناس،
وأعتقد لا يوجد أحد يعتبر قديراً إذا لم يكن مخاطبا للناس بالقرآن نفسه، القرآن هو أعلى أسلوب في الخطاب للآخرين هو أبلغ موعظة أرقى تذكير أوضح تبيين،
يذكر كيف نخاطب الناس بل كيف نخاطب أنفسنا .
هذه قضية أساسية
لازم التذكير المستمر ، التذكير المستمر .

 

 

أساليب المنهجية القرآنية ..التذكير..2..
التذكير بالنعم..
وقد أكد الشهيد القائد رضوان الله عليه على أهمية التذكير بالنعم وأفرد لها دروسا في مجال معرفة الله تعالى عن طريق نعمه ،
ومن أبرز هذه النعم نعمة الهداية بالقرآن الكريم
حيث يقول في هذا السياق:
أي أمة أعطيت نعمة كهذه النعمة الكبيرة
ونعمة القرآن علينا أعظم من نعمة التوراة على بني إسرائيل فعلاً؛
لأن القرآن هو في قيمته يبدو أوسع وأشمل
وإن كان كل كتاب من الله يكون متكاملاً في مرحلته في موضوعه متكامل،
والقرآن الكريم هو رسالة، وكتاب للبشر على طول التاريخ هذا الذي قد يكون من أوسع مراحل الدنيا هذه جعله الله مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً
وَمُهَيْمِناً عَلَيْه
.
.
وعن أهمية التذكير في الشد إلى الله والربط به وتعظيمه وتقدير نعمة التمكين يقول رضوان الله عليه:
ذكر النعم قضية هامة ،
أولاً:
أن معنى ذكرها: استحضارها في الذهن، وتقييمها، وتقديرها، ومعرفة من أين جاءت، من الذي أتى بها؟
إنه الله سبحانه وتعالى،
لها أثر كبير فيما يتعلق بمعرفة الله، فيما يتعلق بالإرتباط بالله، بالإنشداد نحو الله سبحانه وتعالى، تعظيم الله، إجلاله، تقديسه، الإذعان لأمره ونهيه، التسليم لحكمه، وهذه القضية الإنسان مفطور عليها،
الإنسان متى ما أحد من الناس، قدم شخص آخر إليه شيئاً، تجمَّل فيه في موقف من المواقف أو أعطاه شيئاً،
يحصل عنده تقدير له
ويحصل عنده اهتمام به، وحب له وأشياء من هذه تحصل، بل قد يصل بك الحال إلى أنك تخدم ضميره ـ كما يقال ـ
أعني:
تحاول تعمل الشيء الذي تراه أنه يرضاه، وأنه يعجبه، حتى لو لم يطلبه منك ولا أمرك أن تقوم به.
إذا تأمل الإنسان في موضوع نعم الله هي كثيرة جداً وواسعة جداً محيطة بالإنسان من كل جهة ،
النعم المادية،
والنعم المعنوية،
النعم التي نعرفها ونعم لا نعرفها
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
إذا لم يحصل تذكر للنعم سيكون البديل حالة نسيان،
ونتيجة للنسيان هذا، عدم اعتبار لهذه النعم، عدم تقدير لها، نسيان لمن أسداها لمن جاءت منه وهو الله سبحانه وتعالى،
وتكون نتائجه سيئة:
ضلال، كفر بهذه النعم، أخطاء متتابعة، عندما يكون الإنسان ناسياً .
اذْكُرُوا
كونوا دائمي الذكر، دائمي التذكر؛
ولهذا أمر نبيه موسى في آية من الآيات أن يذكّر بني إسرائيل بأيام الله ، ذلك الحدث الهام وهو ماذا؟
إنقاذهم، تحريرهم من ظلم آل فرعون واضطهادهم كيف نجاهم الله سبحانه وتعالى بطريقة عجيبة خارقة: أن يشق لهم البحر فيخرجون ناجين وفي نفس الوقت يهلك آل فرعون مثلما قال هنا:
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
هذه وحدها من الأشياء التي لها قيمة عند الإنسان، عندما ترى عدوك الذي استضعفك واضطهدك وظلمك وقهرك واستعبدك سنين فتراه أنت وهو في حالة العذاب في حالة الهلاك في حالة الجزاء على ما ارتكبه معك،
أليس هذا مما يشفي صدور الناس؟
مما يعتبر في حد ذاته نعمة؟
ولهذا ترى في آية من الآيات هنا، أنه أهلك آل فرعون
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
يذكِّرهم بأن هذه النعم هي نعم هو، هو أنعم بها عليهم أي: ليست أشياء تلقائية توفرت لهم أو نتيجة خبرات لديهم أو شطارة أو ذكاء أو أشياء من هذه .
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
لو يقيِّمون وضعيتهم هم،
لو يقيِّمون أنفسهم لوجدوا أنفسهم بأنه ليس باستطاعتهم أن يوفروا ربما ولا واحدة من تلك النعم،
كانوا وهم في مصر مضطهدين معذبين قد يكون لديهم شعور بأنه من المستحيل أن تتغير حالتهم، من المستحيل أن يأتي يوم من الأيام يرون فيه فرعون وهامان وجنودهما وقد أهلكهم الله،
.
.
ولهذا قالوا لموسى:
أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا
تعب من قبل ومن بعد، نريد أن تتركنا هكذا أتركنا هكذا نبقى على ما نحن عليه ليس هناك أمل .
وهذه حالة تحصل عند الناس عندما يكونون مستضعفين في ظل جبروت وطغيان قاهر ومتمكن، دولة مستحكمة متمكنة نافذة قوية،
أحياناً
قد يحصل عند الناس يأس أنه قد يأتي يوم من الأيام يتخلصون من تلك الوضعية إلى الأفضل وإلى الحرية بعد العبودية.
ذكر النعم باستمرار
بأن تنقلها الأجيال إلى بعضها بعض قضية هامة جداً؛
لأن الناس الذين عاصروا وضعية معينة ذاقوا مرارة الألم، والإضطهاد، والإستعباد، والقهر، والذلة، فعاشوا في وضعية أخرى وضعية حرية، استقلال، تمكين في الأرض،
هؤلاء يكون الجيل الذي عاصر هذه يكون لها وقعها في نفسه
إذا ما هناك استمرار للتذكير بهذه
وأن يحكيها المتقدم للمتأخر يحكيها الأب للإبن، يحكيها الجد للحفيد؛
ينشأ جيل رأى نفسه في وضعية جيدة وفي الأخير يتصور أنه ما كان هناك شيء ،
أعني:
ما لديه صورة عن الوضعية السابقة
لم يذق مرارة الوضعية السابقة
فيكون من السهل أن يتنكّر لما هو فيه من النعمة.
.

التذكير بالنعم..
وكما أوضح أهمية أساليب القرآن في التذكير بالقضايا المعتادة في واقع الناس وحياتهم ، دون الحاجة إلى خوارق العادات ، أو الاستناد إلى المعجزات المتعلقة بالأنبياء،
بل وجه الخطاب إلى الناس بما يرونه أمام أعينهم من ظواهر الحياة المعتادة ، واعتمد على ذلك في شدهم إلى الله وربطهم به ..
وفي هذا السياق يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه:
وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
هو الذي أنزله، هو ينزله، ينزل بشكل قطرات، تنزل على الإنسان ما تؤثر عليه، على الأشجار، على الفواكه، على الثمار، على البيوت، …. ما تؤثر،
ثم تراها تتجمع هذه القطرات لتعرف الفارق: أن في إنزال المطر في كيفية إنزاله مظهر من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان،
رعاية.
ويقول ايضا:
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداًً
لله أنداداً
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
أنتم تعلمون الأشياء هذه، وهذه القضية معروفة عند الإنسان: أن الله هو الذي خلقه، الإنسان على تعاقب الأجيال قضية معروفة لديهم: أن الله هو الذي خلقهم وخلق الأرض وخلق السماء.
إذاً
نلحظ هذا من ناحية المنهج والأسلوب،
وأن هذا جانب مهم جداً في تذكير الناس، وفي الدفع بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى،
تذكير الناس بالله وبما أنعم به عليهم، يذكر حتى بالأشياء التي تبدو عند الناس أصبحت بديهية،
لم يعودوا يلتفتون إليها،
الأرض هذه على هذا النحو:
جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً
ذكِّر حتى بنعمة الشمس.
الإنسان أحياناً قد تكون القضية عنده تصبح عادية؛ لأنه ألفها يومياً، يومياً،
نحاول أن نذكِّر أنفسنا ونذكر بعضنا بعض بالنعم بما فيها النعم التي قد أصبحت لم تعد تؤثر فينا
قد هي طبيعية وبديهية لدينا
لم تعد تثير لدينا أيّ تذكر؛
لأن المسألة في دفع الناس إلى العبودية لله لا تتطلب منك أن تبحث عن غوامض الأشياء،
بل بالواضحات،
خاطب الناس بالواضحات،
يعني: بالأشياء التي هم قد ألفوها تماماً.
ويقول أيضا:
المفروض أنه كلما عظمت النعم يعظم الله عندك وليس أن تعظم أنت أمام نفسك، يعظم الله عندك وتتذكر نعمه
وتتذكر أيضاً ما يمكن أن تصل إليه المسألة عندما يكونون يرون أنفسهم بأنهم جديرون بهذه؛
.
أن هذه القضية لا تعتبرها جدارة أبداً عندما تكون أنت إنساناً متعبداً وترى نعم لله عليك،
لا تكن أنت ترجع إلى نفسك أنت تعتبرها جدارة
هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
من فضل ربي كما قال سليمان هو عندما وصل العرش إلى عنده بسرعة رهيبة، عرش بلقيس:
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
هذا التمكين هذا الملك هذه النعمة العظيمة من فضل ربي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
أن تكون أنت مستغرقاً في ذهنيتك مع الله وفي أن تشكر لا أن تكفر،
أن تعظِّم الله لا أن تعظم نفسك
تعتبر ما أنت عليه نعمة من نعم الله
في نفس الوقت، أنه إذا أنت هديت لقضية فعلاً يترتب عليها بفضل الله ورحمته نتائج طيبة على هذا النحو
اعتبرها هي في نفسها نعمة من نعم الله.
.

 

 

أساليب المنهجية القرآنية ..التذكير..3..
التذكير باليوم الآخر
وعن أهمية التذكير باليوم الآخر يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه:
تذكّر اليوم الآخر قضية مهمة، وعندما يقول:
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ
أي: أنها قضية يجب نحن أن نذكِّر أنفسنا بقضية اليوم الآخر بشكل مستمر حتى تصبح المسألة عندك قضية تستشعرها دائماً ،
لا يحصل منك حالة نسيان لليوم الآخر.
ولهذا يكون هناك أدعية مناسبة،
مناسب أن الإنسان يدعو بها دائماً، مما لها علاقة بموضوع الجنة والنار، واليوم الآخر وأشياء من هذه في قنوت الصلاة، وبعد الصلاة، وفي أي لحظة،
يتذكر أن يدعوه دعاء (( اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار))،
أن يدعوه كلما يحصل عنده رغبة أنه يدعوه ويذكر يدعوه؛
لهذا يجب التركيز في تذكير الناس باليوم الآخر بشكل متكرر،
وبشكل يكون مرتبطاً عملياً.
أعني:
عندما ترى بأن الله سبحانه وتعالى يتحدث هنا بموضوع هو يعني نقلة، ولهذا قال:
وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
هنا يبين الأشياء التي تشكل عوناً للنقلة هذه: صبر وصلاة، وخشوع لله من مظاهره:
التذكر الدائم لقضية اليوم الآخر
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
لأن هذا عملياً يجب أن نسلكه مع أنفسنا حتى في مرحلة النقلة هذه،
للإستمرار على الحالة هذه،
وعندما تذكر الناس الذين تريدهم أن ينتقلوا إلى وضعية كهذه، أن نركز على هذا الجانب،
جانب: التذكير باليوم الآخر، الترغيب بالجنة، والترهيب من النار، وربط المسألة عملياً بهذه،
أي لا أقوم أعمل لك خطبة فقط أذكر فيها جنة ونار وفقط .
تجد أسلوب القرآن الكريم هنا يأتي بالجنة والنار، وذكر اليوم الآخر في إطار عملي
وهو يوجه إلى شيء ينطلقون فيه، أو يحذر من الوقوع في شيء،
فيأتي بحديث عن اليوم الآخر؛
.
.
ورد ذكر الجنة والنار تقريباً في القرآن كله في مجال عملي.
إذاً
فهذا أسلوب يجب أن لا نغفله ويجب أن نعرف كيف نعمل فيه، أي لا يكون حديثك دائماً لا تتعرض فيه لليوم الآخر، ولا للجنة والنار، ولا تذكير بأهوال القيامة، ولا شيء من هذا،
ولا أن تقدمه مجرداً عن توجيه عملي.
.
.
وفي سياق الحديث عن تذكير بني إسرائيل بالنعم يقول أيضا:
ثم يقول أيضاً من جديد:
وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً
لا تَجْزِي
لا تغني، أغنى عنه: أجزى عنه، فوقاه بإجزائه العقوبة الكبيرة
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
لاحظ في هذا السياق بشكل عام هو يأتي التعبير في بدايته يخاطب أمة،
لكن لا ينسى قضية هامة
أنه أيضاً يتناول في خطابه التذكير الفردي
مثلاً
عندما تقول:[أيها الناس] تأتي عبارات من عندك يكون فيها ما يرى كل شخص أنه خطاب يعنيه هو بعدما يقول:
يَا بَنِي إِسْرائيلَ
يا بني إسرائيل، أليس هذا خطاباً لأمة؟
وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً
أليس هو هنا يوجد عندك استشعارا فرديا تحسب أنت حساب نفسك أنت يوم القيامة؟
وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
فقد تكون مثلاً هناك معتقدات معينة فيكون عنده حتى لو فرضنا ونحن مقصرون أو فرضنا ونحن كذا سيحصل شفاعة من كذا أو ربما أعمل شيئاً معيناً ويمكن أن يقيني هذا المؤاخذة يوم القيامة،
وبعض المعتقدات سيئة تقعد الناس وتشجعهم على البقاء على حالة هي تعتبر مخالفة لما يريد الله منهم،
بمعنى لا ينجي هذه النفس لا ينجيها إلا ما عملته هي: أن تؤمن بالله وبرسوله وتنطلق على أساسه كتابه.
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
ماذا بقي؟
لم يبق إلا أن تكون هذه النفس ملتزمة بما أمرها الله أن تؤمن به وتلتزم به وتسير عليه .
يذكر نعمة أخرى هي من النعم الكبيرة:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
واذكروا
واذكروا هذه النعمة بخصوصها، يأتي أيضاً يعدد النعم بمختلف أنواعها،
واذكروا معناه: واذكروا أيضاً
إِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
يسومونكم أي باستمرار،
مستمرين في ماذا؟
في تعذيبكم أسوء العذاب سوء العذاب
يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ
وهذه القضية صعبة جداً يذبحون الأبناء الذكور ويستحيون الإناث يستخدمونها في بيوتهم .
وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
وفي ذلكم، أي هذه النعمة، إنقاذكم،
نجاتكم من هذا العذاب الشديد المؤلم يعتبر نعمة عظيمة من الله
هي تمثل ماذا؟
ابتلاء لكم أنتم أي أنكم يجب أن تقدروا هذه النعمة وتشكروا الله عليها وتنطلقوا على ماذا؟
على التمسك بكتابه وتسيرون على هديه؛
لأنه عندما تعظم نعمة الله عليك هي في نفس الوقت تعتبر ابتلاءً لك،
أليس نبي الله سليمان قال:
هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
لأن كل نعمة تأتي لك تكون حالتك أمامها: إما حالة أن تشكر أو أن تكفر،
فعندما تكون النعمة عظيمة يكون الكفر بها سيئا جداً فالنعمة باعتبار، لهذا الإعتبار أنها ما زالت تمثل أيضاً، مطلوب منك في مقابلتها موقف
هو: أن تشكر لا أن تكفر، تعتبر عظيمة.
وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ
ليس معناه مصيبة عظيمة،
النجاة من هذه الوضعية السيئة التي كنتم لا تتصورون بأنه يمكن أن تخرجوا منها أو يأتي يوم ترون أنفسكم وأنتم قد نجيتم منها .
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ
نعمة كبيرة جداً هذه ،
نعمة نجاتهم من آل فرعون، ثم أن تكون النجاة بهذه الطريقة أيضاً هي نعمة في حد ذاتها
أن تكون نجاتهم على هذا النحو: بأن فرق لهم البحر فيجعل من فرق البحر وسيلة لنجاتهم ووسيلة في نفس الوقت لإهلاك أعدائهم وهم ينظرون في الشاطئ الآخر، آل فرعون يدخلون ويصطفق البحر عليهم .

 

 

أساليب المنهجية القرآنية..التذكير..4..
وقد حذر الشهيد القائد من عواقب ونتائج عدم التذكر ونسيان نعم الله في سياق حديثه عن قول الله تعالى:
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
لاحظ
هذه أحياناً تمثل جانب من النعمة فيما تعطيه من تذكير للآخرين أنه فئة معينة تعتدي بزيادة وتنهى عما هي عليه فيحصل لها عقوبات تكون نكالاً لما بين يديها وما خلفها
لماذا؟
تكون موعظة للمتقين،
أليس هذا جانب آخر من النعم؟
فعلى الناس أنه عندما يكونون يشاهدون مواقف ويشاهدون أحداثاً تذكرك،
تذكر
فهو وقت أن تعتبر وتتذكر وتتعظ؛
لأنه هناك قدمت المسألة على هذا النحو: فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً
أي:
ضربة شديدة؛
لأنه حصل يبدو بالنسبة لهؤلاء عقوبة فضيعة، لأنه حصل أن مسخوا، حصل مسخ لهؤلاء: فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
أليست هذه قضية مخيفة؟
أفضل للإنسان يقتل ويتقطع ولا أن يرى نفسه وقد تحول إلى قرد أو خنـزير، هذه قضية رهيبة.
إذاً
النعمة في هذا الجانب أنها تمثل موعظة للمتقين،
إذا أنت ترى أحداثاً كبيرة من حولك هنا وهنا حاول أن تفهم أسبابها،
تفهم لماذا إذاً؟
على أساس أنك تعرف أن الله هو المدبر لشؤون السماوات والأرض وأنه عدل وأنه رحيم وأنه حكيم، وأنه في نفس الوقت جبار منتقم وبطشه شديد،
تتعظ وما تزال الأمور هناك قبل أن تكون أنت عظة وعبرة للآخرين.
.
.
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ
لأنك عندما تلحظ تعداد هذه النعم والتذكير بها هو بالشكل الذي يعطي وعياً متكاملاً في عدة أشياء في عدة جوانب
نفس هذا الوعي الذي تعطيه النعم المتعددة الآيات المتعددة المواقف المتعددة؛
لأن كل موعظة أو كل حدث أو كل آية يأتي فيها تميز في أن تعطي شيئاً وأخرى تعطي شيئاً آخر وهكذا يترافق من الكل رؤية متكاملة صحيحة ووعي متكامل صحيح،
لكن القضية كلها تقوم بدايةعلى ماذا؟
التذكر،
والتذكر لها كنعم من الله، لا تتذكر أنت جدارتك.
.
.
وقد تحدث عن أهمية التذكير لتجنب تمجيد النفس أو الفئة أو الطائفة وآثار ذلك السلبية على الجوانب العملية..
وقال:
لذلك قلنا: بنو إسرائيل هم فعلاً قد يكونون وصلوا في بعض مراحلهم
مما أنساهم أن يتذكروا
عندما قد صاروا يعتبرون الأشياء أنها لكونهم جديرين بها
وكأنه ليس للباري فضل
هم جديرين بهذا ومستحقين لهذه ومن حقهم أن يحصل لهم هذا،
هذه قد تكون حصلت، وهذه غلطة كبيرة جداً لا أحد يعتبر جدارته هو هو..
إن الكل هو فضل من الله كل شيء هو يعتبر فضلاً من الله سبحانه وتعالى لا يوجد ما يسمى استحقاقات وجدارة بما تعنيه الكلمة أبداً،
إن الله قدم الأشياء كلها حتى عندما يكتب أنه سيجعل هذا جزاءً لهذا، لا تعتبره جدارة وحقاً، هو فضل من الله من البداية؛
ولهذا يذكر عن الجنة أنه يعد بها المتقين المؤمنين وجزاء بما كنتم تعملون، ويذكر بأنها ماذا؟ رحمة منه وفضل.
إذاً
هذه هي حالة خطيرة بنو إسرائيل قد يكونون ربما في البداية ما قد ترسخت عندهم الثقافة الخاصة التي تقوم على تمجيدهم هم، تمجيد أنفسهم هم،
في البداية كان هناك عوامل أخرى هي الحالة النفسية التي كانت نتيجة الاستضعاف في مصر وقد يكون – مثلاً – مرحلة أخرى وصلوا إليها من خلال أنهم يعتبرون نعم الله المتتابعة عليهم وتثقيف مغلوط لديهم
إلى أن وصلوا إلى حد أنهم صاروا يتصورون أنها لجدارة لديهم،
ينطلقون متعنتين [وهذا من حقنا.. من حقنا أن يعطينا حجر يخرج منه اثنا عشر عين ماء ومن حقنا…]
هذه غلطة كبيرة جداً،
فالإنسان المؤمن لا يعتبر أن على الله حقاً بالنسبة له ولا مسألة جدارة،
يعتبر القضايا كلها يتعامل معها كفضل من الله ورحمة، ما هناك استحقاقات بالنسبة للإنسان على الله،
استحقاق بما تعنيه الكلمة كالحقوق أمام بعضنا بعض.
.
.
وقد لفت النظر إلى أهمية تذكير الناس بمقارنة وضعياتهم الحالية مع الوضعيات الماضية ، ومقارنة وضعياتهم عندما يلتزمون بتوجيهات الله ويستجيبون له مع وضعيتهم وخساراتهم في حالات التفريط..
وفي هذا السياق يقول رضوان الله عليه:
ذكِّر الناس بأنه يأتي حتى لو لم نتحرك سيأتي لنا أشد مما نحن فيه، أحسن أن يكون العناء في سبيل الله
[إذا قد أنت من مات يوم السبت فيوم الجمعة أفضل] مثلما يقولون،
أليسوا يقولون هكذا؟
فهذا أسلوب هام جداً وطريقة ضرورية جداً؛
لأنك تجعل الإنسان هو ينطلق،
عندما يقال لك أن تعطي مقارنات للناس
تجعل القضية مبسطة لديهم ستصبح بسيطة
عندما ترى بأنه فعلاً هي مصائب هنا أو هنا، لكنها هنا هي أفضل؛
لأنه يأتي بعدها فرج وأجر كبير من الله أو الشهادة لو حصلت المسألة وأدت إلى أن يقتل،
بينما هنا
في الطريق الآخر سيكون بدون مقابل، أليس سيعتبر هذا أفضل وأبسط وأسهل؟.
هذا أسلوب هام جداً مراعاته
أن تذكر الناس بما يربط الدين بحياتهم،
يربط حياتهم بالدين،
وعلى هذا النحو؛
لتبقى الذهنية متجهة إلى الله، وأن كل ما يحصل لهم إنما يحصل من جهة الله، ومن عند الله
هنا ستربطهم بالله سبحانه وتعالى، فهم لن يكونوا عرضة لأن يجرفهم طرف آخر يقدم لهم خدمات ومشاريع ومصالح من الأشياء هذه.
ويقول:
يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
نفس هذا الأسلوب
هو يذكر بني إسرائيل ويأمرهم أن يتذكروا، أولئك الذين كانوا في عصر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يتذكروا النعم السابقة على أسلافهم من يوم خرجوا من مصر، وأنقذهم من آل فرعون.
.
ويقول في تحذير الناس من عواقب التفريط والتقصير:
هذا مؤشر،
مؤشر خطير بالنسبة للناس، إذا مثلاً موقف معين لم ينطلقوا فيه قد يبلون بأصعب منه، ما انطلقوا، قد يعاقبون بأن يقحموا في أصعب منه، وهكذا.
في موضوع الجهاد يوجد مثل لهذا
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ
لم يرضوا يتحركوا أن يقاتلوا أناساً عاديين مثلهم
تخلفوا جبنوا
ما كان الموضوع بالنسبة لهم؟
أعني ماذا كانت النتيجة بالنسبة لهم، للمخلفين؟
أن يُقحموا بطريقة لا بد منها
واحدة من اثنتين
تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا
أليس هذا أمراً صارماً؟
ليس لديكم مجال من أن تطيعوا وتتجهوا فعلاً لقتالهم وقد هم
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
وهم كانوا يهربون من أناس عاديين
تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً
بينما العكس متى ما اتجه الناس في قضية، في موقف، هي تبدو سهلة فليفهموا بأنه عندما ينطلقون في هذا السهل يكون بالشكل الذي يسهل العسير فيما بعد،
يأتي تدخل إلهي تكون انطلاقتهم في هذا الموضع يعينهم على ما هو صعب فلا يبقى حتى ولا صعب بالشكل الطبيعي،
انطلاقتهم في تلك القضية التي تبدو سهلة تساعدهم على أن تبقى القضايا الأخرى تكون أسهل من واقعها أسهل من واقعها فعلاً .
.
 
قد يعجبك ايضا