الباحث في السياسة العامة والفلسفة السياسية د. حامد أبو العز يكتب عن : القصة غير المروية لتدخل اليمن لنصرة غزة
القصة غير المروية عن تدخل اليمن لنصرة غزة
لقد أشعلت موجة الدعم اليميني الأخيرة والمستمرة لشعب غزة شرارة تحول عميق في النضال المستمر ضد الكيان المحتل، وضخت قوة جديدة وغير متوقعة في صراع شكل المشهد السياسي في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة. لقد أدى هذا التحالف غير المتوقع إلى تعطيل الديناميكيات الراسخة، وتحدي ليس فقط الوضع الراهن الإقليمي ولكن أيضًا القوى العالمية التي كانت تسيطر تقليديًا على هذه المنطقة.
في مركز هذا التحول يقع اليمن، وهي دولة تحملت الشدائد بلا هوادة، لكنها خرجت بروح لا تقهر وبراعة استراتيجية جديدة. لقد أظهرت القوات اليمنية، تحت لواء أنصار الله، مرونة ملحوظة والتزامًا لا يلين بقضيتها. كانت قدرتها على فرض قوتها في عمق قلب الأراضي المحتلة، من خلال مسيرة يافا القتالية الهجومية التي ضربت قلب تل أبيب، خطوة جريئة. كان هذا هجوماً تردد صداه بعيدًا عن ساحة المعركة، ولم يشير فقط إلى القدرة العسكرية ولكن أيضًا إلى شعور عميق بالهدف والتضامن مع النضال الفلسطيني. لقد أعاد هذا العمل من التحدي تعريف رواية المقاومة، ولفت الانتباه إلى الترابط المتزايد بين الصراعات الإقليمية والتطلعات المشتركة للشعوب المضطهدة.
إن صمت اليمن في أعقاب الضربة الاستفزازية التي شنتها إسرائيل على ميناء الحديدة ليس صمت استسلام، بل صبر مدروس. ويراقب العالم بفارغ الصبر اليمن، الدولة التي ظلت تحت الحصار لفترة طويلة، وهي تستعد للرد. وهذا الصمت مثقل بالتوتر، وهو مقدمة لما يعتقد الكثيرون أنه سيكون ضربة مضادة مدمرة يمكن أن تغير مسار الصراع. والترقب ملموس، حيث يتكهن المراقبون بالتأثير الذي قد تخلفه هذه الاستجابة، ليس فقط على المواجهة المباشرة ولكن على المشهد الجيوسياسي الأوسع. لقد أصبحت إمكانات اليمن لإعادة تشكيل ديناميكيات القوة في المنطقة واضحة بشكل متزايد، حيث تضع نفسها كقوة هائلة قادرة على تحدي حتى أكثر القوى رسوخًا.
ففي عرض مذهل للإبداع العسكري والذكاء الاستراتيجي، أطلقت قوات الحوثيين أنصار الله وابلًا من 150 صاروخًا كروز وخمسة صواريخ باليستية ومئات الطائرات بدون طيار الانتحارية، كل منها مستهدفة بدقة لضرب أهداف إسرائيل وداعميها في البحر الأحمر. لقد أذهلت دقة وفعالية هذه الهجمات العالم، وكشفت عن مستوى من التطور والتصميم لم يتوقعه سوى قِلة. لقد تحدت هذه العمليات، التي تم تنظيمها تحت قيادة السيد الشجاع عبد الملك الحوثي، الجهود المشتركة للقوى العالمية مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وإسرائيل وحلفائهم العرب. وعلى الرغم من التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والموارد الهائلة، فشلت هذه الدول في اعتراض وتحييد الهجمات اليمنية، وهي شهادة على البراعة المتزايدة للقدرات العسكرية اليمنية.
ومع ذلك، فإن ما يظل مخفيًا داخل ترسانة اليمن ربما يكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة لخصومه. ومن بين أسلحتهم السرية صواريخ تفوق سرعة الصوت ذات حجم وقوة غير عاديين، مصممة لإحداث دمار غير مسبوق. إن هذه الوحوش العملاقة التي يبلغ طولها 16 متراً، والمجهزة برؤوس حربية شديدة التدمير، لديها القدرة على تغيير وجه الصراع إذا تم استخدامها خلال الرد اليمني القادم. إن مجرد وجود مثل هذه الأسلحة قد أرسل موجات من الخوف بين صفوف المخططين العسكريين الإسرائيليين، الذين يواجهون الآن الواقع المرير للمواجهة التي قد تتصاعد إلى ما هو أبعد من أي شيء تم تصوره من قبل.
لقد امتد النطاق الاستراتيجي لليمن إلى ما هو أبعد من حدوده التقليدية. فالبحر الأحمر وباب المندب، اللذان كانا ذات يوم مسرحين رئيسيين للعمليات العسكرية الغربية، أصبحا الآن مجرد بوابات لحملة يمنية أوسع تمتد عبر بحر العرب والمحيط الهندي وحتى البحر الأبيض المتوسط البعيد. لقد نفذت القوات اليمنية 170 عملية بحرية مذهلة ضد النظام الصهيوني وأنصاره، وهي شهادة على قدراتها البحرية المتنامية. وعلى الأرض، تجاوزت عملياتها 250 عملية، مما يوضح قدرتها على الضرب بدقة. وعلى النقيض من ذلك، لم تسفر الجهود المشتركة للولايات المتحدة وبريطانيا ونظام الاحتلال إلا عن خمسين عملية ضد اليمن، استهدفت أغلبها البنية التحتية المدنية والأصول غير العسكرية. ويسلط هذا التناقض الضوء على فشل استخباراتي وعملياتي كبير من جانب قوات الاحتلال وحلفائه، الذين كافحوا لمواجهة القوة المتنامية للمقاومة اليمنية.
إن الكشف الأخير عن طائرات بدون طيار هجومية متقدمة في اليمن لم يزيد إلا من قلق خصومها. وتمثل هذه الطائرات بدون طيار فصلاً جديدًا في التطور العسكري لليمن، حيث تعرض قدرتها على الابتكار والتكيف في مواجهة الصعاب الساحقة. ومع ذلك، فإن هذه الاكتشافات ليست سوى غيض من فيض. ويعتقد كثيرون أن اليمن أحجم عن استخدام قدراته الأكثر قوة، ويحتفظ بها للحظة المحورية – والتي يشار إليها بشكل محسوم باسم “ساعة الصفر” – عندما تطلق العنان لقوتها الكاملة على أعدائها.
في مختلف أنحاء العالم العربي، ينتشر نفوذ أنصار الله كالنار في الهشيم. وقد لاقى التزامهم الثابت بالقضية الفلسطينية وتحديهم في مواجهة الصعاب الهائلة صدى عميقاً لدى كثيرين، حتى داخل حدود المملكة العربية السعودية نفسها. ويعيد هذا التحول الثقافي تعريف المشهد السياسي في المنطقة، حيث بدأ المزيد من الناس ينظرون إلى أنصار الله ليس فقط كقوة عسكرية، بل وأيضاً كرمز للمقاومة والأمل. وفي اليمن نفسها، يتحالف الخصوم والمعارضون السابقون بشكل متزايد مع أنصار الله، مدفوعين بنجاحهم في ساحة المعركة وموقفهم المبدئي في دعم غزة.
وفي اعتراف واضح، أشارت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى التكلفة الباهظة التي يتكبدها الغرب في مواجهته البحرية مع اليمن. وقد أدرك الجميع أن النظام الصهيوني، في تجاوزاته، ارتكب خطأً استراتيجياً فادحاً. والآن يناقش الخبراء من هذه الدول علناً إمكانية عدم وجود خيار أمام تحالف الولايات المتحدة وبريطانيا ونظام الاحتلال سوى الرضوخ لإرادة الشعب اليمني. إن اليمن، التي كانت تعتبر في السابق دولة بعيدة ومحاصرة، أصبحت الآن لاعباً محورياً في النضال من أجل العدالة في الشرق الأوسط، وقادراً على التأثير على مسار التاريخ نفسه.