الانتفاضة الرمضانية المقدسية.. الإرادة الشعبيّة الفلسطينية تقهر المحتلّ الصهيوني
في إطار محاولاته الرامية لإحكام السيطرة على كُـلّ مناحي الحياة في القدس عُمُـومًا، والبلدة القديمة خُصُوصاً، وبعد سيطرته على آثارها تحت الأرض وخلق ما يُعرف بـ (القدس التحتي)، يستمر العدوّ الصهيوني بأذرعه المختلفة في السعي لتهويد المنطقة الممتدة من وادي قدرون إلى جبل الزيتون ثم البلدة القديمة، ضمن مخطّط الحوض التاريخي التوراتي، وآخر فصول ذلك هو محاولة السيطرة على باب العمود، أهم وأكبر أبواب البلدة القديمة، حَيثُ تدور المواجهات منذ عشرة أَيَّـام.
بعد عشر ليالٍ من المواجهات في مدينة القدس المحتلّة بين الفلسطينيين وشرطة العدوّ الصهيوني ومستوطنيه، يمكن الاستنتاج أن المعركة لإرساء مخطّط “الحوض التاريخي التوراتي” وتثبيته، انتقلت إلى فصلٍ جديدٍ يهدف لإحكام السيطرة على البلدة القديمة، من خلال أكبر مداخلها المؤدية إلى المسجد الأقصى، باب العمود أَو “بوابة دمشق”.
غير أن القدس تبدو على أعتاب تحوّل مهمٍّ من شأنه كسر حالة الركود التي أصابت الشارع الفلسطيني منذ بدء جائحة كورونا، فمع اشتداد وتيرة الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى، وتصدّر متطرّفين يهود تلك الاقتحامات، ووصول أعدادهم إلى المئات أُسبوعياً، اشتعلت شرارة الأحداث منذ بداية رمضان، لكن الذروة كانت تحشيد المستوطنين لكسر التجمّع الفلسطيني الشبابي الليلي عند باب العمود، لينفجر الشبّان في مشهد مهيب، لم يستطع فيه المستوطنون، الذين يحملون السلاح، الدفاع عن أنفسهم أمام الغضب الفلسطيني، وحتى محاولة إغلاق المسجد أمام المصلّين سقطت بحشد المقدسيّين وأهالي الـ 48 عشرات الآلاف للصلاة في الأقصى، ومَن لم يستطع الوصول، طوّق البلدة القديمة بصلواتٍ أمام الجنود.
بعد انتهاء المواجهات ليلة الجمعة، أغلقت شرطة الاحتلال بوّابات الأقصى في وجه المصلّين عند الفجر، لكن وصول آلاف الفلسطينيين من القدس والأراضي المحتلّة عام 1948م، وتجمهرهم أمام البوّابات، أجبرا العدوّ على فتحها مجدّدًا، ليؤمَّ الأقصى أكثر من 70 ألف مصلٍّ في الجمعة الثانية من رمضان، على رغم تشديد الاحتلال قيوده في هذا الوقت، سارعت الفصائل الفلسطينية إلى إصدار بيانات تؤكّـد دعمها للهبّة، وإدانتها انتهاكات الاحتلال.
فيما جاء في بيانٍ مشتركٍ صادر عن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة: “القدس والأقصى خط أحمر.. وللمقاومة الكلمة الفصل”، ووجهت الأذرع العسكرية التحية إلى شباب القدس وأهلها، وقالت كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة حماس: “نقول للعدو الذي يظنّ أنه يمكنه الاستفراد بأقصانا وأهلنا بأن لا يختبر صبرنا، فقدسنا دونها الدماء والأرواح، وفي سبيلها نقلب الطاولة على رؤوس الجميع، ونبعثر كُـلّ الأوراق”، مضيفةً لأهل القدس: “الشرارة التي تشعلونها اليوم ستكون فتيل الانفجار في وجه العدوّ المجرم، وستجدون كتائبكم ومقاومتكم في قلب معركتكم، وتلقّن العدوّ الدروس القاسية وغير المسبوقة”، كذلك، قال القيادي في الجهاد الإسلامي “خالد البطش”: “نحن معكم بسلاحنا وصواريخنا ودمنا، ولن نتخلّى عنكم، وسنظلّ نحمي الأرض والشعب والمقدسات”، فيما دعت “الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين” إلى: “تحويل الهبة البطولية إلى انتفاضة شعبيّة عارمة؛ مِن أجلِ تأكيد هُــوِيَّة وعروبة المدينة، والتصدّي لعمليات التهويد”، كما شهدت محافظات قطاع غزة، بعد صلاة الجمعة، يوم أمس الأول، عدداً من المسيرات والوقفات المساندة للقدس وهبّتها الشعبيّة، وهو ما تكرّر في مدن الضفة، لكن في فعالياتٍ ليليةٍ مماثلةٍ والتي استخدم فيها الشبان الثائرون الحجارة والمفرقعات النارية وقبضات أيديهم لمواجهة عنف الشرطة، ما أَدَّى إلى إصابة المئات واعتقال العشرات، إلى أن وصلت المواجهات إلى ذروتها ليلة أمس الأول، أسفرت عن 100 إصابة فلسطينية و30 إصابة في جنود الاحتلال، بعد استقدام الشرطة تعزيزات مكثّـفة، وهُنا تظاهر مئات من عناصر الجمعيات اليهودية الإرهابية عقب توجيه دعوات مِن أجلِ ما أسموه “الانتقام من العرب” و”إعادة الشرف والفخر اليهودي”.
لم تنحصر المواجهات في ساحة باب العَمود، بل خرجت إلى شوارع البلدة القديمة ومحيطها، لتمتد إلى شارع يافا وحي الشيخ جراح، لتطاول أخيرًا محيط الجامعة العبرية، التي أحرق الشباب الفلسطينيون الأحراج حولها، بعدما كسروا كاميرات المراقبة في شوارع القدس المختلفة، حَيثُ أجمع مراقبون على أن المشهد يرتقي إلى “انتفاضةٍ حقيقية، و”هبّة شعبيّة” جديدة لن تنتهي بفتح العدوّ منطقة باب العمود، بل يبدو أنها ستستمرّ لأسابيع، وخُصُوصاً مع دعوات أطلقها المستوطنون لاقتحام الأقصى في الثامن عشر من رمضان.
وخرجت الكثير من المظاهرات والمسيرات الداعمة لانتفاضة المقدسيين في عموم مدن وقرى ومخيمات فلسطين المحتلّة، التي قوبلت بالقمع والاعتقالات من شرطة الاحتلال، وظل الشبان يواجهون ذلك الصلف الصهيوني حتى وقت متأخر من مساء أمس إلى فجر اليوم.
ولم يقتصر الوضع على هذا النحو فها هي صفارات الإنذار تدوي في غلاف غزة بعد إطلاق صاروخ من غزة، فقد أعلنت وسائل إعلام عبرية، أمس السبت: أن “صفارات الإنذار دوت في مغتصبتي “سديروت ونيرعام” بغلاف غزة، فيما سمعت أصوات انفجارات قوية في قطاع غزة ناتجة عن انطلاق القبة الحديدية التابعة للاحتلال.
بدوره، زعم موقع “مفزاك درومي” العبري: “أنه تم رصد إطلاق صاروخ واحد من قطاع غزة نحو “سديروت” وتم اعتراضه”، ومن جانبه قال الناطق باسم جيش الاحتلال: “إنه تم إطلاق صاروخ واحد قبل قليل من قطاع غزة وتصدت له القبة الحديدية فوق شاعر هنيغيف”.
وَذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية أن “التوتر الأخير في مدينة القدس هو الذي أشعل شرارة “أسوأ جولة تصعيد” بين إسرائيل وقطاع غزة منذ شهور”.
وقالت الصحيفة: إن “صافرات الإنذار انطلقت في عشرات المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، بما في ذلك المجالس الإقليمية في عسقلان وأشكول وسدوت نيغيف وشعار هنيغف وحوف أشكلون، عقب إطلاق 36 صاروخًا “في أسوأ هجوم من القطاع منذ شهور”.
وقال موقع والا العبري: إن “رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو دعا الجيش إلى الاستعداد لأية تطورات على جبهة قطاع غزة”، وزير جيش الاحتلال “بيني غانتس” من جهته قال: “إذا لم يسد الهدوء في الجنوب فستتضرر غزة اقتصاديًّا ومدنيًا وأمنيًّا وحماس هي من تتحمل المسؤولية والجيش مستعد لخيار التصعيد”.
مراقبون يرون أن الرسالة التي أوصلتها المقاومة لـ”إسرائيل” هي رسالة تحذيرية ففي حال زادت وتيرة الاعتداءات ضد المقدسيين والمقدسات فَـإنَّ الرد سيكون مختلفاً تمامًا، حَيثُ قواعد الاشتباك ستتغير والثمن سيكون كَبيراً، فالاحتلال يعيش اليوم بتخبطٍ كبير، فهناك تصعيد على جميع الجبهات، فقبل أَيَّـام شهدنا سقوط صاروخ قرب مفاعل ديومنا النووية للاحتلال وهناك اشتباكات مباشرة في القدس واليوم الجبهة الجنوبية بتصعيد عسكري مع المقاومة في غزة.
ومهما تحاول حكومة الكيان منذ أمس وحتى فجر اليوم الأحد، لبث حالة الطمأنينة في صفوف الصهاينة خَاصَّة لدى المستوطنين في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة من خلال إلغاء القيود التي فرضتها ليلة أمس بعد تقييم الأوضاع الميدانية مع غزة.
الجدير بالذكر أن دورَ المقاومة اليوم هو دورٌ إسنادي واستكمالي للدور الذي يبذله أهلُ القدس في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، والمطلوب من المقاومة هو الدفع لإنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التي تعد أقوى الأسلحة في مواجهة الاحتلال