الانتصار السوري.. قاب قوسين أو أدنى
لم يمضِ أسبوع على اللقاء الرباعي الذي عُقِد في موسكو بمشاركة سورية وإيران وتركيا وروسيا على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات، حتى أعلن عن لقاء خماسي عربي في العاصمة الأردنية عمان على مستوى وزراء الخارجية بمشاركة كل من سورية والعراق والسعودية ومصر والأردن.
العامل المشترك بين اللقائين هو الملف السوري بما يتضمنه من محاور مختلفة، سواء لجهة العلاقة مع تركيا أو لجهة العلاقات السورية – العربية، وما ينتج عنهما من تسوية قد تكون شاملة لملف الأزمة السورية في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية، بدءًا من المصالحة الإيرانية – السعودية، مرورًا بالمصالحة السعودية – السورية، والرغبة الأمريكية في التهدئة الإقليمية كخيار الضرورة، وليس انتهاء بالانتخابات الرئاسية التركية القريبة.
وبالنظر إلى لقاء موسكو الرباعي، ووفقًا لبيان وزارة الدفاع السورية فإن الاجتماع ناقش انسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية وتسليم ما يعرف بطريق M4، في حين قالت المصادر التركية إن اللقاء ناقش تطبيع العلاقات مع دمشق. وقالت موسكو إن اللقاء ناقش أيضًا التحضير للقاء لاحق على مستوى وزراء الخارجية، ولا شك أن البيان السوري كان دقيقًا، ذلك أنه بمجرد حصول اللقاء على هذا المستوى العسكري والاستخباراتي فقد ناقش بالتأكيد قضية الانسحاب التركي سواء بشكل جزئي ومتدرج أو بشكل كلي، خاصة أن دمشق أكدت سابقًا أن استمرار اللقاءات مرهونة بالنتائج التي ستحققها على مستوى إنهاء الاحتلال التركي للشمال والشمال الغربي السوري ووقف دعم الإرهاب. وبغض النظر عما قالته أنقرة التي تحاول حكومتها صياغة بياناتها لخدمة المعركة الانتخابية القادمة، وأما إشارة الروسي لموضوع التحضير للقاء على مستوى وزراء الخارجية فهو يعني ضمنًا أن ذلك سيسبقه انجاز على الأرض ترتضيه دمشق لترفع اللقاءات إلى هذا المستوى السياسي.
في المقلب الآخر فإن المنطق يقول إنّ الأميركي سيعارض وبقوّة أي حل كلّي لأزمة الشمال والشمال الغربي السوري والذي من المحتمل أن تنتجه اللقاءات الرباعية التي ترعاها موسكو وطهران مع سورية وتركيا، ولن يتوانى الأمريكي عن التلويح بالعصا الغليظة بوجه أردوغان قبل وخلال المرحلة الانتخابية في حال اتخذ هكذا قرار. هذه العصا الغليظة تشمل مروحةً من خيارات الضغط الأمريكية على أردوغان وحكومته، ليس أولها تفعيل الملف الكردي وليس آخرها الضغط الاقتصادي، ويدرك أردوغان ذلك جيدًا كما يدركه الروس والإيرانيون، وأما معارضة الأمريكي للحل فمردها إلى أن هكذا حلّ للاحتلال التركي للشمال والشمال الغربي السوري يعني تحول الضغط “سياسيًا وميدانيًا” إلى شرق الفرات لاحقًا حيث يتواجد الاحتلال الأمريكي والميليشيات التابعة له، وهو ما لا يرغب به الأمريكي الآن قبل الحصول على ضمانات ومكاسب إقليمية تحديدًا يبحث عنها ويسعى لأجلها بكل الوسائل، خاصة أنه يرى في الاحتلال التركي مبررًا شبه شرعي لوجوده في الشرق.
وعليه فإن اللقاءات الرباعية ربما تتخذ صيغة البحث عن حلول جزئية في هذه المرحلة إلى حين انجاز الاستحقاق الانتخابي التركي الذي قد يمتد لأكثر من شهرين في حال اللجوء إلى جولة ثانية وهو ما بات مرجحًا على الأغلب، وربما البحث في اتفاق شامل لاحق التنفيذ حتى لو كان غير معلن.
من هنا تتأتي أهمية الدور السعودي في لعب دورٍ سياسي على جبهة سياسية أخرى يكون الأمريكي طرفًا فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما أشارت إليه التصريحات السعودية في أكثر من مناسبة عند طرحها للتسوية وعناصرها حيث أظهرت المقترحات السعودية الحفاظ على مسافة غير بعيدة عن واشنطن.
ضمن هذا السياق يمكن إدراج لقاء عمان الخماسي كمسار موازٍ للقاء موسكو الرباعي، حيث يشير حضور “الأردن والعراق وحتى مصر” لاجتماع عمان إلى جانب السعودي، إلى حضور أميركي غير مباشر، أو على الأقل فإنّ حضورهم جرت مناقشته مسبقًا مع الأمريكي، فالأردن هو أول دولة عربية طرحت مبادرة من أجل سورية وكان الملك عبد الله قد طرحها على الرئيس الأمريكي في واشنطن، والعراق معني قبل غيره بالملف السوري لتداخل الأسباب والنتائج والعوامل بين البلدين خاصة لجهة تواجد الأميركي وتحركه عبر الحدود وتنظيم “داعش” الإرهابي ومكافحته من قبل البلدين بالإضافة لموضوع الاكراد، وأما المصري فهو تحديدًا لم يظهر خروجًا عن الأمريكي حتى الآن.
كل ذلك يشير إلى أن الأميركي يريد تحركًا سياسيًا في هذه المرحلة بالتوازي مع تحرك موسكو وطهران إلى جانب أنقرة ودمشق، وهو -أي الأميركي- اختار التوقيت الملائم له بعد أن زج بالملف السوداني على ساحة الإقليم عبر تفجير الأوضاع في هذا البلد العربي وإدخاله في لعبة المقايضات والانزياحات الجيوسياسية والصراعات التي يشهدها العالم بين الشرق والغرب، وذلك بعد أن فشل في سحب الروسي إلى ملاقاته في الشرق الأوسط عبر مقايضة بين الملفين السوري والأوكراني بعد تفعيل محور المقاومة لورقة الاستهداف لقواعده في شرق الفرات.
عليه فإنه يمكن القول؛ إما أن تكون التسوية بالتوازي في ظل الانفراج الإقليمي، أو أن تكون بالضغط التكتيكي للحصول على حلول جزئية مرحلية غير شاملة كمرحلة أولى يتطلب استكمال توابعها ظروفا أكثر ملاءمة ونضجًا.
ما هو مؤكد أن سورية هي مفتاح التهدئة وبذات الوقت هي مفتاح التصعيد، وأن دمشق تدرك أهمية وعبقرية اللحظة التاريخية التي ستعلن فيها انتصارها. سورية بموقعها الجيوسياسي الإستراتيجي الذي لا يمكن القفز فوقه تسعى للربط بين حلفائها في محور المقاومة وعمقها العربي، وبين الحاجة لها كبوابة للشرق على المتوسط وحاجة الغرب لها لضمان سلاسل التوريد في ذات الوقت.
مهمة دمشق صعبة لكنها في ذات الوقت ليست لاعباً سهلا وليست وحدها، وقيادتها الحكيمة تدرك جيدا ما يجري، كما أنها تجيد اللعب على حافة الهاوية وتدرك استراتيجية دورها وموقعها في التشبيك الجيوسياسي للعالم الجديد، وقبل كل ذلك تدرك أنها انتصرت، وأن انتصارها قاب قوسين أو ادنى من إعلانه مدويًا، وهو ما عبر عنه مساعد مكتب الرئيس الإيراني للشؤون السياسية “محمد جمشيد” تعليقًا على خبر زيارة الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي لسورية حيث سيعقد لقاء قمة مع السيد الرئيس بشار الأسد: “سيقام احتفال انتصار المقاومة خلال زيارة آية الله رئيسي إلى سورية”.