الامم المتحدة منظمة مسيّسة يقودها التمويل السعودي الأميركي
قرر الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الاثنين 6 يونيو 2016م سحبا مؤقتا للتحالف العربي بقيادة السعودية من قائمة سوداء بشأن انتهاك حقوق الأطفال، بعد أن كانت السعودية في رآس القائمة.
وفي وقت سابق كانت قد وضعت الأمم المتحدة يوم الخميس الماضي دول عاصفة الحزم في اللائحة السوداء لمرتكبي الجرائم بحق اطفال اليمن متهمة إياها بالتسبب في قتل الأطفال.
حيث قالت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة ليلى زروقي إنه “في كثير من حالات النزاع، أسهمت عمليات جوية في خلق بيئة معقدة حيث قتل وجرح العديد من الأطفال”.
ويكشف هذا الامر واقع الامم المتحدة أنها منظمة مسيّسة، وأن ما يحدد أداءها مصادر التمويل السعودي الاميركي التي تمتلك القرار ونفوذها. ففي خطوةٍ تقارب حدود الفضيحة، تراجعت عن اتهام التحالف السعودي بقتل الأطفال اليمنيين بعد إدراجه على «القائمة السوداء»، عقب تعرّضها لضغوط عدة، من قبل السعودية واميركا والكيان الاسرائيلي بقطع التمويل عن برامجها
وتعتبر الأمم المتحدة أنها دخلت في «جيب» السعودية. لعلّ هذه العبارة هي الأنسب لوصف علاقة الأمم المتحدة بالمملكة.
تراجع الامم المتحدة، وامينها العام بان كي مون وسحب التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية من القائمة السوداء المتعلقة بقتل الاطفال وتشويههم، هو استسلام للضغوط المكثفة التي مارستها حكومة المملكة على الامم المتحدة من خلال حلفائها، وممثلها عبد الله المعلمي، وهو ماالحق ضررا اضافيا بمصداقية المنظمة الدولية، وسمعتها، وتواطؤها في الحروب التي تستهدف الابرياء، وانها لاتلتزم بمعايير حقوق الانسان، مثلما الحق ضررا بالنظام السعودي نفسه في اوساط منظمات حقوق الانسان العالمية، ولذلك فإن الاحتفالات “الرسمية” بهذا الانجاز التي شاهدنا بعضها على وسائل اعلام ربما تكون سابقة لاوانها.
المملكة التي تتكئ على نفطها وأموالها لتحصين تحالفاتها ونقاط نفوذها في العالم، بات واضحاً، أن بإمكانها تغيير ما لا يحلو لها وتطويعه لمصلحتها، إن كان قراراً أممياً ذات فعالية، أو مجرّد حركة رمزية لا تؤثر إلا في زيادة الانتقادات على سياساتها.
ففي خطوةٍ تزيد التساؤلات عن الدور الحقيقي للأمم المتحدة واستقلاليتها ونزاهتها، رضخت المنظمة لضغوطٍ سعودية، متراجعةً عن إدراج التحالف السعودي في اليمن على «القائمة السوداء» المعنيّة بإدراج الحكومات والكيانات والمجموعات التي تقتل الأطفال من المدنيين. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قد أصدر تقريراً يوم الخميس الماضي، أكد فيه أن التحالف مسؤول عن 60% من الوفيات والإصابات بين الأطفال اليمنيين العام الماضي، حيث سبّب مقتل 510 وإصابة 667.
التقرير الذي حمّل في صفحاته الـ41 «الحوثيين» (حركة أنصار الله) أيضاً مسؤولية مقتل وإصابة 20% من أطفال اليمن، كان كافياً لإشعال الدبلوماسية السعودية التي شنّت هجمات لاذعة للمرة الأولى على الأمم المتحدة، اتهمتها فيها بفقدان الدقة والصدقية، وبتحرّي معلوماتها من «مصادر تابعة للحوثيين».
فخلال ثلاثة أيام منذ صدور التقرير، شهدت أروقة الأمم المتحدة حركة ماراثونية من قبل دبلوماسيين سعوديين يفنّدون الاتهامات، إضافةً إلى تولي الصحافة السعودية مسؤولية «تقريع» الأمم المتحدة على خلفية التقرير («الأخبار» العدد ٢٩٠٤).
الواقعة نفسها تكررت مع إسرائيل العام الماضي
وكان للمتحدث باسم التحالف السعودي أحمد عسيري، الأسبقية في إطلاق الهجوم على المنظمة، قائلاً إن منهجية الأمم المتحدة في العمل «خاطئة»، متهماً إياها في حديثٍ إلى قناة «بي بي سي» بـ«العمل على الأرض مع الميليشيات الانقلابية».
التوتر لم يقف عند هذا الحدّ، إذ هيمن الغضب على أداء الدبلوماسيين السعوديين، مثلما لاحظت مجلة «ذي فورين بوليسي» الأميركية. وتجلّى ذلك بحديث سفير الرياض في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي الذي قال إن التقرير «يفتقر إلى الدقة بشكل كبير»، شاكياً من أنه «ليس عادلاً وضع الرياض وحلفائها العسكريين الذي يشملون الولايات المتحدة وبريطانيا في الخانة الدموية نفسها مع النظام السوري والقاعدة وداعش». حاول المعلمي، في لعبة ابتزاز واضحة، ليّ ذراع المنظمة الدولية، ملوّحاً بضغوط غربية محتملة لدولتين مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في حال تمسُّك الأمم المتحدة بموقفها. وبالفعل، أدّت ضغوط غربية دورها في هذه القضية، إذ ذكرت صحيفة «ذي تلغراف» البريطانية، أن «لوبيات وضغوطاً دبلوماسية مورست على الأمم المتحدة لرفع التحالف السعودي من القائمة السوداء لقتل الأطفال»، في وقت تحدثت معلومات صحفية عن محتوى تلك الضغوط، مثل تهديد الرياض وعواصم غربية بوقف تمويل برامج الأمم المتحدة.
في هذا الوقت، رجحت مصادر مطلعة في الأمم المتحدة أن «صفقة» أُبرمت بين الرياض والأمم المتحدة للتخلّص من التهمة، بحيث تعهدت المملكة بإنهاء الحرب في اليمن قريباً ومنح الأمم المتحدة نصراً سياسياً مقابل تبرئة السعودية من جرائم الحرب في اليمن. وعلمت «الأخبار» أيضاً بأن بان كي مون تعرّض لإحراج شديد بعد صدور التقرير، إذ إن التحالف السعودي يشملاً دول عدة بينها بريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب السعودية والإمارات والكويت ومصر والسودان، وبعض هذه الدول يعدّ من أهم المتبرعين المهمين لوكالات الأمم المتحدة، بما فيها اليونيسف، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
المتحدث باسم بان كي مون، ستيفان دوجاريك، قال إن سحب السعودية يأتي بانتظار نتائج المراجعة المشتركة للرياض والأمم المتحدة (في الاتهامات). إلا أن السفير المعلمي أكد أن حذف التحالف من «القائمة السوداء» أمرٌ «لارجعة عنه وغير مشروط». ووصفت منظمات حقوقية خطوة الأمم المتحدة التراجعية بالاستسلام للسعودية، مثل «هيومن رايتس ووتش» التي قالت إن ذلك يلطّخ تراث الأمانة العامة للمنظمة في مجال حقوق الإنسان. بدورها، انتقدت منظمة العفو الدولية خطوة الأمم المتحدة، واصفةً إياها بـ«المعيبة».
في حديث السفير المعلمي مع الصحافيين عقب صدور التقرير، أكد أيضاً أن «إدراج السعودية بعد عام فقط من نزع إسرائيل من مسودة القائمة السوداء نفسها بعد ضغوط من واشنطن وإسرائيل، غير عادل». وتكمن المفارقة هنا، في أن اتهام الأمم المتحدة لجهة بقتل أطفال ثم سحب الاتهام، حصل مرتين فقط، واحدة مع الكيان الإسرائيلي… وأخرى مع السعودية.