الاستراتيجية اليمنية في البحر الأحمر .. دروس للدول المطلة في مواجهة القوى الأجنبية
البحر الأحمر والاستراتيجية اليمنية: دروس للدول المطلة في مواجهة القوى الأجنبية
طالما شكل البحر الأحمر بؤرة استراتيجية للتنافس الدولي، حيث يمثل أحد أهم الممرات المائية الحيوية في العالم، يربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.
هذا الموقع الجيوسياسي المهم جعل من البحر الأحمر هدفاً للقوى الأجنبية التي تسعى للسيطرة عليه ولتحقيق مصالحها الاستراتيجية. وفي قلب هذه المصالح، يأتي دعم وحماية إسرائيل كأحد الأهداف الأساسية لتواجد هذه القوى في المنطقة
البحر الأحمر الممر الاستراتيجي البحر ليس مجرد ممر مائي، بل هو شريان حيوي للتجارة العالمية، حيث يمر عبره نسبة كبيرة من النفط والبضائع بين آسيا وأوروبا. هذا الممر الحيوي يجعله هدفاً للقوى الكبرى التي تسعى لضمان تدفق الطاقة والتجارة بأمان، وفي الوقت نفسه، لتحقيق نفوذ استراتيجي في المنطقة.
التواجد الأجنبي: أهداف معلنة وخفية
التواجد الأجنبي في البحر الأحمر يتمثل في قواعد عسكرية وأساطيل بحرية تتبع دولاً مثل الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا.
بينما تعلن هذه الدول أن تواجدها يهدف إلى حماية الملاحة الدولية ومكافحة القرصنة ، فإن هناك أهدافاً أخرى غير معلنة تشمل التحكم في هذا الممر المائي الاستراتيجي ودعم إسرائيل
نعم دعم إسرائيل وحمايتها فإسرائيل تعتبر البحر الأحمر ممرًا استراتيجيًا لأمنها القومي فالدعم الذي تتلقاه من القوى الأجنبية في البحر الأحمر يتمثل في عدة جوانب:
الحماية العسكرية: القواعد العسكرية الأجنبية تقدم دعماً لوجستياً ومعلوماتياً لإسرائيل، مما يعزز من قدرتها على الدفاع عن مصالحها في البحر الأحمر وضمان أمان شحناتها البحرية
التعاون الاستخباراتي: التواجد الأجنبي يتيح تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الكبرى وإسرائيل، مما يساعدها في الكشف عن التهديدات المحتملة والتعامل معها
الردع الاستراتيجي: وجود الأساطيل الأجنبية في البحر الأحمر يشكل رادعاً استراتيجياً لأي محاولات من قبل دول أو جماعات معادية لإسرائيل لتهديد أمنها
لقد تمكنت اليمن لوحدها من شن عمليات عسكرية بحرية ضد السفن الإسرائيلية او التي تتعامل مع الكيان وكذلك القطع البحرية الحربية التابعة للتحالف الدولي الأمريكي والبريطاني والاوروبي ليس فقط في البحر الأحمر بل وفي العربي والمحيط الهندي وصولا الى المتوسط وذلك في سبيل مسانده المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة جماعيه من قبل الكيان
التواجد الأجنبي في البحر الأحمر لا يخدم فقط مصالح إسرائيل، بل يعكس أيضاً التنافس بين القوى الكبرى للسيطرة على هذا الممر المائي الحيوي.
هذا التنافس يضيف تعقيدات إضافية للوضع الأمني في المنطقة، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للدول الكبرى مع مصالح الدول المطلة على البحر الأحمر.
الأثر على الدول المطلة على البحر الأحمر مثل مصر، السودان، جيبوتي، السعودية، والأردن وجيبوتي وغيرها تجد نفسها في وضع صعب.
فبينما تحتاج هذه الدول إلى حماية ممراتها المائية وتأمين مصالحها الاقتصادية، فإنها تواجه تحديات كبيرة نتيجة التواجد العسكري الأجنبي.
هذا التواجد يحد من سيادتها الوطنية ويجعلها رهينة للصراعات الجيوسياسية بين القوى الكبرى ويجعل مواقفها ضمن الاطار العربي ضعيف كما هو اليوم تجاه العدوان على غزة
اليمن تقدم الدروس
ونحو سيادة إقليمية تسعى بعض الدول المطلة على البحر الأحمر لتعزيز قدراتها البحرية لمواجهة التحديات الأمنية بدون الاعتماد على القوى الأجنبية.
اليمن، على سبيل المثال، تسعى للعب دور حيوي في إعادة صياغة الأمن البحري في البحر الأحمر من خلال حماية الامن القومي العربي ومواجهة الهيمنة الامريكية والغربية التي تدعم الكيان بكل شيء للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني
التواجد الأجنبي في البحر الأحمر يهدف بشكل رئيسي إلى التحكم بهذا الممر المائي الاستراتيجي وضمان حماية إسرائيل هذا التواجد يعكس مصالح استراتيجية واقتصادية معقدة، ويضع الدول المطلة على البحر الأحمر في مواجهة تحديات كبيرة. ولذلك لابد من تعزيز التعاون الإقليمي وتطوير القدرات البحرية المحلية يمكن أن يكون الطريق الأمثل لهذه الدول لتحقيق سيادتها وسياده الدول العربية ودعم القضية الفلسطينية وحماية مصالحها بعيداً عن النفوذ الأجنبي.
مواقف الدول المطلة ماذا لو اتبعت نهج اليمن؟
البحر الأحمر، هذا الممر المائي الاستراتيجي، كان ولا يزال محوراً للتنافس الدولي والتوترات الإقليمية
الدول المطلة عليه، مثل مصر والسعودية والسودان واليمن، تجد نفسها في قلب هذه التوترات وفي ظل الأوضاع الراهنة، وما تقوم به إسرائيل من قتل وتدمير بحق شعبنا في غزة منذ تسعة شهور ليرتفع عدد الشهداء قرابة 38 الف وقرابة مئة الف جريح وتسوية منازل غزة بالأرض بدعم من الولايات المتحدة والقوى الغربية، !
يظهر تساؤل مهم ماذا لو اتبعت هذه الدول اقصد المطلة على البحر الأحمر باتباع نهج اليمن في التعاطي مع الأحداث في المنطقة؟
اليمن، في خضم النزاعات الداخلية والتحديات الكبيرة، اتخذت موقفاً واضحاً وصريحاً في مواجهة التهديدات خصوصا الكيان الإسرائيلي وداعميه أمريكا وبريطانيا وفرضت بذلك حصارا بحريا على الكيان من البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي وصولا للمتوسط وكذلك من خلال تطوير قدراتها العسكرية، وخاصة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، أظهرت صنعاء أنها قادرة على التأثير في المعادلات الإقليمية وحماية الأمن القومي العربي ومساندة القضية الفلسطينية وفرض نفسها كقوة لا يمكن تجاهلها.
تجربتها في التصعيد البحري والتحدي المباشر للقوى الأجنبية في البحر الأحمر تعكس إرادة قوية في مسانده القضية الفلسطينية والدفاع عن السيادة الوطنية
من جهة أخرى فإن إعلان اليمن عن امتلاكها صواريخ فرط صوتية بمديات مختلفة واستعدادها لاستهداف مناطق حساسة داخل إسرائيل يرسل رسالة قوية مفادها أن هناك من يقف إلى جانب الفلسطينيين ويستعد للتضحية من أجلهم.
الدول المطلة على البحر الأحمر وتبعيتها للأجنبي
الدول المطلة على البحر الأحمر، ورغم موقعها الاستراتيجي الهام، لازالت مواقفها بعيده كل البعد عن مواثيق جامعة الدول العربية ولم تتخذ أي موقف من شأنه دعم القضية الفلسطينية واسناد المقاومة رغم توفر أدوات ضغط استراتيجية البحر الأحمر لوحده كفيلا بذلك
ماذا لو اتبعت هذه الدول نهج اليمن في التصعيد والمواجهة؟
فمصر: بقدراتها العسكرية الكبيرة وموقعها الجيوسياسي، تستطيع مصر لعب دور محوري في البحر الأحمر.
تحرك مصري مشابه لنهج اليمن يمكن أن يغير قواعد اللعبة، من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية المشتركة، بما في ذلك دعم الفلسطينيين.
السعودية: بموقعها الاستراتيجي ومواردها الضخمة، يمكن للسعودية أن تكون قوة موازنة في البحر الأحمر. اتباع نهج أكثر حزمًا في مواجهة التهديدات الإقليمية ودعم القضية الفلسطينية قد يؤدي إلى تحولات كبيرة في المواقف الدولية والإقليمية.
كذلك السودان وجيبوتي: رغم التحديات الاقتصادية والسياسية، يمكن لهذين البلدين أن يساهما في تعزيز الأمن البحري والتعاون الإقليمي.
لو كان هناك تحركات مشابهة لنهج اليمن لما تجرأ الكيان الصهيوني على ما يقوم به الان في غزة
وستكون النتائج المحتملة كبح جماح إسرائيل في حال تبنت الدول المطلة على البحر الأحمر نهج اليمن، يمكن أن نشهد تغيرات كبيرة في ديناميكيات الصراع الإقليمي
تحركات عسكرية مشتركة وضغوط سياسية واقتصادية يمكن أن تحشر إسرائيل في الزاوية وتجبرها على إعادة النظر في سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين بل وابعد من ذلك وصولا لتحرير فلسطين
باعتقادي ان وحدة الموقف العربي للدول المطلة في البحر الأحمر سيشجع بقية الدول العربية في توحيد الصف الامر الذي يؤدي إلى إعادة التفكير في الدعم الغربي لإسرائيل، خاصة إذا ما واجهت الأخيرة تحركات عسكرية واقتصادية منسقة.
فوجود موقف موحد في البحر الأحمر يمكن أن يعزز من التضامن العربي والإسلامي ويدعم القضايا المشتركة، مما يعيد توازن القوى في المنطقة لصالح الدول المطلة على البحر الأحمر والشعوب التي تمثلها
ان دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن السيادة الوطنية يتطلبان تحركات جريئة ومواقف حازمة، وهذا ما يمكن أن يغير من معادلات الصراع ويعيد الأمل للشعوب المظلومة في المنطقة.
مستقبل اليمن ودورها الإقليمي
اليمن، بتاريخه وموقعه الجغرافي الاستراتيجي، يجد نفسه في موقع المسؤولية في الدفاع عن الامن القومي العربي واسناد ودعم المقاومة الفلسطينية والوقوف الى جانب أي دولة عربية قد تتعرض لعدوان اجنبي
اليوم وبعد تسعة اشهر من المواجهة مع أمريكا وحلفائها في البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي يتساءل الكثيرون عن الخطوات المستقبلية التي ستتخذها صنعاء، وكيف ستؤثر تلك الخطوات على الدول المطلة على البحر الأحمر.
أثبتت اليمن أنها ليست مجرد دولة تبحث عن الدفاع عن مصالحها الوطنية فحسب، بل أيضًا عن مصالح المنطقة بأسرها ولعل القضية الفلسطينية واسناد المقاومة في المقام الأول
التزام استراتيجي: من المرجح أن تستمر اليمن في الدفاع عن الدول المطلة على البحر الأحمر، ليس فقط بدافع من مصالحها الوطنية ولكن أيضًا انطلاقًا من التزامها الاستراتيجي بدعم القضايا العربية والإسلامية المشتركة
ان اليمن ترى أن حماية الملاحة في البحر الأحمر وتأمين الممرات الحيوية تعتبر من الأولويات التي لا يمكن التنازل عنها وترى انه لا داعي لأي تواجد اجنبي في هذه المنطقة
وهنا لابد ان تنضم الدول المطلة على البحر الأحمر لليمن بهدف تعزيز التعاون يمكن أن تكون خطوة محورية في المستقبل.
كذلك فإن اليمن مستعده لإقامة تحالفات دفاعية وأمنية مع هذه الدول لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، مما يعزز من قدرة الدول المطلة على البحر الأحمر في دعم الموقف العربي وعلى راس ذلك القضية الفلسطينية
وفي ظل الدور البطولي الذي تقوم به اليمن في مسرح العمليات البحرية وانتصارها الكبير على أمريكا وحلفائها تبرز صنعاء كقوة إقليمية لها وزن كبير وبالتالي فإنها في المستقبل القريب قد تدعو لمؤتمر للدول المطلة على البحر الأحمر
قد تكون الخطوة التالية لصنعاء هي الدعوة لمؤتمر إقليمي يضم الدول المطلة على البحر الأحمر.
وذلك من منطلق تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه الدول كون الموقف البطولي الذي قامت به اليمن سيكون مشجعا لهذه الدول للخروج برؤية مشتركة واهداف من ضمنها منع أي تواجد اجنبي في البحر الأحمر واسناد مهمة تأمين الملاحة للدول المطلة فهي قادرة على ان تقوم بهذا الدور
المؤتمر يمكن أن يكون فرصة لتوحيد الجهود بين الدول المطلة على البحر الأحمر لمواجهة التحديات المشتركة ودعم القضية الفلسطينية
تقليل الاعتماد على القوى الأجنبية: من خلال التعاون الإقليمي، يمكن للدول المطلة على البحر الأحمر تقليل اعتمادها على القوى الأجنبية في حماية ممراتها المائية. هذا يعزز من سيادتها واستقلالها ويضمن أن تكون القرارات المتعلقة بأمن البحر الأحمر بيد الدول المطلة عليه.
تعزيز الاقتصاد والتنمية: التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول المطلة على البحر الأحمر يمكن أن يعزز من التنمية المستدامة في المنطقة.
إقامة مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة، التجارة، والصناعة يمكن أن تساهم في تعزيز الاقتصادات الوطنية وتوفير فرص العمل.
ان اليمن وبعد سنوات من الحرب ، تجد نفسها في موقع يمكنها من لعب دور محوري في دعم القضايا العربية وعلى راس هذه القضايا القضية الفلسطينية وكذلك
الدفاع عن الدول المطلة على هذا الممر الحيوي يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجيتها الأوسع لتعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق الأهداف المشتركة.
وبالتالي فإن الدعوة لمؤتمر للدول المطلة على البحر الأحمر يمكن أن تكون خطوة محورية نحو تحقيق هذا الهدف، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة كون التعاون والتنسيق بين هذه الدول يمكن أن يساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا لشعوب المنطقة، ويضمن أن تكون القرارات المتعلقة بأمن البحر الأحمر بيد الدول المطلة عليه، بعيدًا عن التواجد الأجنبي
كامل المعمري – عرب جورنال