«الإمطار الكمّي والتمرير النوعي»: اليمن يأخذ موقعه
يمنح الرد المتوقّع لمحور المقاومة على الاعتداءات الإسرائيلية في بيروت وطهران وبغداد، مجالاً واسعاً لقوات صنعاء للرد على القصف الإسرائيلي لميناء الحديدة، سواءً في المناورة أو التكتيك أو استخدام الأسلحة النوعية. ومن المتوقع أن يوفر ذلك لأطراف المحور القدرة على الإطباق الجوي على إسرائيل بالصورايخ والمسيّرات، أي ما يسمى «الإمطار الكمي» بهدف الإشغال، و«التمرير النوعي» بهدف الإصابة بواسطة الجهد المشترك المتزامن من جهات مختلفة. كما يسمح، أيضاً، للمرة الأولى، بتحويل التهديد الإسرائيلي بالتصعيد إلى فرصة تاريخية، من حيث التطبيق الفعلي لمبدأ وحدة الساحات، والخروج من حالة المراوحة، والترقّي في التصعيد بما يسمح برسم معادلات تعزّز من رصيد محور المقاومة مجتمعاً. إذ إن الحماقة الإسرائيلية المتمثلة في تجاوز الخطوط الحمر، فرضت تقليصاً كبيراً للخصوصيات المحلية لكل طرف من المحور، والتقدّم خطوات في اتجاه الدعم المتقابل والإحاطة من جهات مختلفة، ما يوفّر فرصة لتغطية الثُغر في كل جبهة، وهو عمل كانت بدأته صنعاء مع «المقاومة الإسلامية في العراق».
ولئن استطاع اليمن تحييد حاملات الطائرات من مسرح عملياته، فإن البحرية الأميركية، بعد أن قرّرت سحب حاملة الطائرات «آيزنهاور» من البحر الأحمر، قلّلت من الاشتباك المباشر مع قوات صنعاء، وألغت مهمّتها في التصدي للهجمات اليمنية المتعلّقة بحماية السفن التجارية، بعد أن نجحت تلك القوات في تعطيل عبور هذه الأخيرة إلى موانئ العدو. وعليه، تقتصر مهمة التصدي الأميركي للمسيّرات والصواريخ اليمنية المستهدفة للكيان الإسرائيلي، حالياً، على مدمّرتين في البحر الأحمر، فيما تنقل وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤول في البنتاغون قوله السبت الماضي، إن «مدمرتين تابعتين للبحرية الأميركية تتواجدان حالياً في الشرق الأوسط، ستتّجهان شمالاً عبر البحر الأحمر في اتجاه البحر المتوسط، حيث يمكن أن تبقى واحدة على الأقل منهما هناك، إذا لزم الأمر». ويأتي ذلك فيما لا تزال واشنطن ترسل تعزيزات إضافية إلى كامل منطقة غرب آسيا، تتضمّن منظومات «باتريوت» و«ثاد» مقطورة، وأسراباً من الطائرات ومنها سرب من مقاتلات الجيل الخامس من طراز «رابتور أف 22 إي» ومعدّات وسفناً حربية. ورغم أن القوات الأميركية تقول إن لديها مجموعة واسعة من الخيارات، وتتحفّظ على ذكر أسماء الدول التي تستضيف على أراضيها الأنظمة الصاورخية أو ستسمح باستخدام مطاراتها للطائرات الأميركية لحساسية الأمر، إلا أن القواعد الأميركية معروفة في معظم دول الخليج ومصر والأردن، واستُخدمت جميعها سابقاً في مهام وأدوار مختلفة دفاعاً عن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.
فرضت الحماقة الإسرائيلية بتجاوز «الخطوط الحمر»، تقليصاً لخصوصية كل جبهة من جبهات المحور
ومنذ ما قبل قرع طبول الحرب في المنطقة، كانت لوثة العدوان الأميركي – البريطاني على اليمن تلاحق الإدارة الأميركية، التي وضعت نفسها في وضع لا تعرف فيه ما ينبغي عليها فعله في البحر الأحمر، بعد الفشل في المسار الذي رسمته لنفسها منذ اليوم الأول للعدوان. ويبدو أن الإدارة لم تستجب حتى هذه اللحظة للتوصيات المختلفة، سواء حول توسعة الحرب على اليمن وتدمير البنى التحتية المدنية هناك، أو استهداف الشخصيات الناشطة في المجال العسكري داخل حركة «أنصار الله»، وذلك رغم أنها تنظر إلى الحركة على أنها لاعب رئيسي وإستراتيجي في عملية تشديد الخناق على إسرائيل، وأنها أثبتت كونها مشكلة مستعصية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، وفقاً لتقارير صحافية أميركية. أيضاً، تعتبر واشنطن أن الهجمات اليمنية في البحر الأحمر تخدم جهات عدة، من ضمنها روسيا في حربها ضد أوكرانيا، فيما تنظر بقلق إلى التقارير التي تشير إلى أن موسكو تسعى إلى تسليح «أنصار الله» في البحر الأحمر، رداً على الدعم الهائل الذي تقدّمه واشنطن لكييف، وتعتبر تصاعد الأعمال العسكرية في اليمن في إطار جبهة الإسناد لغزة، تلميعاً لصورة الحركة باعتبارها نصيرة للقضية الفلسطينية ومعارضة شجاعة للغرب.
مع ذلك، اتضح، في الأيام الأخيرة، أن واشنطن قلّلت الاحتكاك إلى الحد الأدنى مع قوات صنعاء، وابتعدت عن مسرح العمليات المباشر، فيما جرى تأكيد المعلومات التي نشرت منذ أسبوعين عن أن حاملة الطائرات «روزفلت» ومجموعتها المكونة من ست سفن حربية، لم تدخل منطقة عمليات البحرين الأحمر والعربي، بل دخلت مضيق هرمز في طريقها إلى مياه الخليج. وهذا يشير إلى أن الضغط العسكري الكبير الذي واجهته القوات الأميركية من قبل القوات المسلحة اليمنية أجبرها على «إعادة النظر في إستراتيجيتها، أي التخلي عن ضرب القدرات اليمنية والاكتفاء فقط بصد الهجمات، والاستعاضة عن ذلك بإمكانية استخدام المقاتلات الأميركية المتمركزة في القواعد البرية في المنطقة، وبالتحديد في دول الخليج»، فضلاً عن تقليل الطائرات الأميركية، في الأسبوعين الأخيرين، من استهدافاتها للأراضي اليمنية.
وفي حين أن الهدف اليمني تحقّق كلياً بتوقّف كل السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا عن العبور من باب المندب والبحر الأحمر، واستبدال معبر رأس الرجاء الصالح به، فإن ابتعاد السفن العسكرية عن مسرح العمليات يؤدي إلى توسيع مجال المناورة لدى تلك الأطراف في صدّ الهجمات اليمنية على الكيان الصهيوني. وفي المقابل، تعمل صنعاء على معالجة بُعد الأهداف الإسرائيلية، باللجوء إلى تكتيكات عسكرية أثبتت نجاحها في التملّص من منظومات الدرع المنتشرة في البحر الأحمر، كما حدث لدى وصول طائرة «يافا» إلى تل أبيب، وفقاً لتأكيد موقع «بيزنس إنسايدر». وأشار الموقع إلى أن الاحتلال سيضطر إلى إعادة بناء دفاعاته الجوية، ناقلاً عن خبير عسكري أميركي، قوله إن هجوم «أنصار الله» القاتل على تل أبيب يجبر إسرائيل على إعادة التفكير في دفاعاتها من الطائرات المسيّرة، في إشارة واضحة إلى أن الضربة اليمنية مثّلت نجاحاً في التكتيك المستخدم في مباغتة أجهزة الإنذار والدرع الصاروخية الإسرائيلية.