الإمارات تجوّع الشعب اليمني.. الآلية والأهداف
الحقيقة/فريد باعباد
إنه فعلاً عملٌ لايمكن وصفه إلاّ بالبلطجة والاستعلاء والتكبّر والاحتقار واستعمار الأرض وأهلها ونهب ثرواتها.
من المؤكد أن الصورة آلمت كل من شاهدها من البشر في كل بقاع العالم، إلاّ من مات ضميره وخرج عن سمات الإنسانية، وذهب يبرّر وفق هواه أو وفق مصلحته الشخصية، مقابل أن يبيع ضميره ببضع الآلاف من الدراهم الإماراتية.
لقد مررنا كيمنيين في العصر الحديث، بحروبٍ داخلية متعددة منذ 1948 حتى 2011 في شمال اليمن وجنوبه. وفي أقسى مراحل الحرب، كنا نختلف ونتقاتل كيمنيين ونتصالح، ولكننا لم نرَ مجاعةً وتجويعاً وحصاراً شديداً مثلما نراه هذه الأيام من طرف الإمارات بالتحديد.
قد يأتي بريء النيّة أو الساذج أو المغالط للحقائق أو المتعاون مع الإماراتيين ويحوّرالحقائق ليصرف النظر عن اتهام المتسببين بتدهور الحال في اليمن، ويُلبسهم ثوب البراءة كحليفٍ أو متعاونٍ مع الحكومة، ولكن ما سأذكره هنا سيدحض كل الأكاذيب.
يعرف اليمنيّون أنّ منشأة بلحاف تُعدّ أكبر استثمارٍ عرفه اليمن، وتُقدّر قيمته بخمسة مليارات دولار أميركي. تسهم “توتال” الفرنسية بنسبة 39.6% وتسيّر المجمع المخصص لتسييل الغاز في منطقة بلحاف جنوبي اليمن، وتديره الشركة المحلية اليمنية للغاز الطبيعي المُسال. وتُعتبر هذه المنشأة البوابة الوحيدة الآن لتصدير نفط مأرب بعد توقّف التصدير من صافر حالياً بسبب حصار التحالف على اليمن. لكن ماذا حصل هنا ؟
لقد حرصت الإمارات منذ اليوم الأول لتدخلها في اليمن، على رصد أبرز المحافظات اليمنية وقراءة أهمية الخارطة الاقتصادية والسياسية، وكانت شبوة ثالث أكبر المحافظات التي شهدت أعمالاً تنقيبيّةً واسعة لاستخراج النفط والغاز، برعاية شركاتٍ عالميةٍ. وكانت إحدى أهداف الإمارات المرسومة.
ركّزت أبوظبي بشكلٍ رئيسيٍّ على منشأة بلحاف الاستراتيجية في محافظة شبوة المخصصة لتصدير الغاز المُسال، وحوّلتها منذ 2015 إلى منطقةٍ عسكريةٍ مغلقة، وسجنٍ كبيرٍ لكلّ من يعارض الإمارات، بإدارة ضباط إماراتيين.
هنا، ارتكبت الإمارات جريمة حربٍ حيث عطّلت أهم موردٍ من موارد اليمن الذي يدرّ حوالى 45% من العملة الصعبة للدولة، كان سيُرفد البلد ويؤمّن احتياجاته بصورةٍ أو بأخرى. مهما كان فساد الدولة مستشرياً إلا أنّ ما كان سيرتدّ على البلد من ثروات، كان سيُسهم في إنعاش العملة اليمنية إلى حدٍّ ما، بدل التدهور الشديد الذي أفضى الى انتشار المرض والفقر والجوع ليصل إلى مستوى المجاعة التي لم تحصل من قبل في اليمن.
لقد وصف محافظ شبوة والبرلماني شوقي القاضي، هذا العمل بأنه بلطجةٌ واستعلاء بروحٍ استعمارية، حيث لا يمكن أن تصل حال اليمن إلى هذه الدرجة من المجاعة لو أنّ منشأة بلحاف مستمرةٌ بالعمل.
لقد طالب محافظ شبوة من الإماراتيين الخروج من ميناء بلحاف حتى يعود للتصدير، وتعود عجلة العمل للدوران، ويعيش المستفيدون من الميناء بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر، بدلاً من إيقاف العمل فيه وقطع أرزاق العاملين في هذا المرفق الحيوي في المحافظة وفي اليمن، ولكن لاحياة لمن تنادي.
إنه فعلاً عملٌ لايمكن وصفه إلاّ بالبلطجة والاستعلاء والتكبّر والاحتقار واستعمار الأرض وأهلها ونهب ثرواتها.
في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2020، عبّر 51 نائباً في البرلمان الفرنسي عن قلقهم من استغلال الإماراتيين منشأة بلحاف بطريقةٍ تتعارض مع القانون الدولي والاتفاقيات التي تنظّم قانون الحرب، حيث تمتلك توتال الفرنسيه نسبة 40% ولكن يبدو أن الفرنسيين قد غضّوا الطّرْف أو أنّ لديهم مصلحةً أكبر مع الإمارات في السكوت على كل ما يرتكبه المستعمر الجديد. لقد حُرم اليمن شعباً ودولةً من موارد 4 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل نسبةً لا بأس بها من احتياجات البلد، تقيهم بعض الشي من مجاعةٍ يعتصر القلب لرؤية بعض صورها.
وعلى المنوال نفسه، أغلقت الإمارات مطار الريان في المكلا قبل سنوات ولغاية اليوم، من بدون سببٍ وجيه وحجةٍ مقبولة وحوّلته أيضاً إلى سجنٍ للتعذيب لكلّ من يعترض على وجودها في اليمن.
لقد أصبحنا في بلدنا غرباء لا يحقّ لنا أن نعترض أو نعبّر عن الرفض، فالمصير سيكون حتماً سجن سيئون، الطينيه أو مطار المكلا أو ميناء بلحاف، وربما يُصدَّر بعض السجناء إلى القاعدة العسكرية التي أُنشئت في عصب. حين كانت بريطانيا العظمى تستعمر جنوب اليمن، لم تفعل فعل الإمارات اليوم، فمن هي الإمارات وما هو حجمها حتى تقوم بكل ذلك ! لكن طالما أنّ السكوت مستمرٌ، سيتعاظم غرور الإمارات ولن يُكبح جبروتها سوى بالتضحيات، والشعب اليمني ليس بعاجزٍ عن ذلك.
لقد تربّصت الإمارات بالأجواء اليمنية وحرمت صنعاء من إيراداتٍ كانت سترفد أيضاً الميزانية وتسدّ بعض العجز من خلال الطيران الدولي، فحسب أخبار الدول المجاورة لليمن، تبيّن أنّ قطر مثلاً تدفع لإيران 100 مليون دولار للعبور فوق أجوائها، ما يعني أنّ المجال الجوي هو أيضاً يدرّ المال على البلد، لكن الإماراتيين حرموا اليمن من ذلك أيضاً.
علاوةً على كل ذلك، فرضت الإمارات عراقيل على المواطنين الراغبين في المغادرة إلى الخارج، من خلال إغلاقهم المطار وتحويل كل المسافرين إلى مطار سيئون، ولك أن تتخيل مدى الصعوبة والمعاناة وزيادة التكاليف التي يتكبّدها المسافرون، فيما يقوم الإماراتيون باستخدام المطار نفسه في تنقّلات وفودهم وضباطهم، وربما خلايا أجنبية يستقدمونها لأغراض خفيّة.
لقد أصبحت الإمارات أشبه بمستعمرةٍ جديدة، يتحكم المستعمر بأراضينا وأجوائنا وبالبلاد والعباد. ولا أعلم أين تكمن مصلحة الدولة والشعب في السكوت على أعمالٍ كتلك التي أوصلت الشعب اليمني إلى حدّ المجاعة، وكأنهم يستقصدون ذلك، حتى تصبح مطالب الناس تندرج فقط في إطار توفير لقمة العيش في بلدهم. إنها محاولةٌ قتل آمال اليمنيين الذين يتوقون إلى الحرية والعزة والكرامة، في ظلّ خطط الاستيلاء على أراضٍ في سقطرى، توزّعها الإمارات على رعاياها، وكأنّها ملكيتها.
إن الصورة المنشورة هنا، والتي بالتأكيد ستحرّك ضمير أي انسانٍ في هذا الكون، هي بالفعل نتيجة الحرب. ولكن منع كل مصادر الدخل للدولة اليمنية وعرقلة مصالح الناس وتعقيد حركتهم داخل بلدهم، ساهم بشكلٍ كبيرٍ وأساسيٍّ في تحويل صورة اليمن إلى صورة بلدانٍ مرّت بحروبٍ أهلية سابقة.
يجدر بالمواطن اليمني ألاّ يتغاضى عن ذلك، أو يتساهل ويبرّر للإمارات ما تفعله في بلدنا مهما كانت خلافاتنا السياسية، فالجوع لا يعرف ديناً أو مذهباً أو منطقةً، لا شمالاً ولا جنوباً. إنّ الصورة الراهنة تؤلم أيّ انسانٍ يعيش على هذا الكوكب، فما بالك بنا كيمنيين؟
إذا كانت الإمارات بكامل مساحتها التي تقلّ عن مساحة محافظة المهرة اليمنية، دولةً غنية ولاتحتاج لنا ولا لبلدنا ولا لموانئنا ولمطاراتنا، فلمَ تفعل كل ذلك بنا! هل هو من أجل بسط النفوذ؟ أو من أجل الاستيلاء على مصادر الدخل؟ أم من أجل خدمة “إسرائيل” في المنطقة؟ قد يجهل بسطاء الناس من الشعب اليمني هذه المآرب! كل ذلك واردٌ في سياسة الخداع المتنكّرة بثياب البراءة. لا أستطيع أن أبرّر كل ذلك أو أجد له تفسيراً سوى التجويع لحمل اليمن على الاستسلام لكل المطالب الإماراتية.
إنني أجزم أنّ الإمارات لن تحقّق ما تتمنى لأننا نمتلك شعباً حياً لم ينتفض بعد، فبالرغم من الثورة الخامدة اليوم، وتآمر المرتزقة والعملاء، ووجود وكلاء في حكومة هادي، ستأتي اللحظة التي سيثور الشعب حتماً، فالغد ليس ببعيد وهو لناظره لقريب.