الإعلامي علي ضافر يكتب عن :اليمن: “مفتاح الحلّ” سويدي:المبعوث الرابع: قدراته ومقارباته-ما هي فرص نجاح جراندبرغ؟
يرى جراندبرغ أنَّ اليمنيين بحاجة إلى “إعلان شومان” لإحلال السلام على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المشتركة بين جميع الشعوب
لم يعد اليمنيون على اختلاف توجّهاتهم السياسية يعوّلون على دور حاسم للأمم المتحدة ومبعوثيها في حلّ النزاع القائم في البلاد، وباتت هناك أزمة ثقة وفجوة كبيرة من الصعب ردمها بين أصحاب القضية ومن يمارس دور الوسيط أو “المُيسِّر”، كما يحبّ المسؤولون الأمميون توصيف دورهم، ولم تعد أزمة اليمن في المبعوثين بقدر ما هي في “ازدواجيّة” الأمم المتحدة، علماً أنَّ تجربة المنظمة تاريخياً تظهر أنها فشلت في حلّ الكثير من النزاعات الدولية.
منذ العام 2011 إلى اليوم، تعاقب على الملف اليمني 4 مبعوثين أممييين، ومن جنسيات مختلفة، لمهمة واحدة هي “تقريب الأطراف وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، والخروج بصيغة توافقية للحل أو هكذا يفترض، لكن الملاحظ أن الأزمة تكبر، والأطراف تتكاثر، ووجهات النظر تتبعثر، والهوة تتسع أكثر فأكثر من فترة إلى أخرى، وصولاً إلى انسداد شبه تام للأفق السياسي. وبطبيعة الحال، إنَّ ذلك هو نتيجة حتمية لأسباب عدة تتمثل بالآتي:
– خلل في دور الأمم المتحدة وفي مقارباتها وتوصيفها للنزاع الحاصل في اليمن، فهل هو “حرب أهلية” أم حرب عدوانية خارجية تدخلية في اليمن؟ لأن الخطأ في التوصيف يترتب عليه خطأ في المقاربات في أي نزاع دولي.
– انعكاس التعقيدات الدولية وصراع النفوذ على المشهد اليمني، وسط تزاحم الأدوار الإقليمية والدولية المؤثرة في غالبية الأطراف اليمنية الفاعلة وغير الفاعلة.
– تعرّض المبعوثون الدوليون للضغوط والابتزازات الدولية، كما كشف المبعوث الأول جمال بن عمر أنه تعرّض لضغوط أميركية وسعودية لتبني موقفهما والتبرير للحرب العدوانية على اليمن، رغم أن الأطراف اليمنية كانت على وشك توقيع اتفاق سياسي مرضٍ للجميع. ولأنه رفض، تمت إقالته من منصبه واستبدال الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ به، وتالياً الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث.
– السبب الرابع، وهو مهم جداً، يتمثل بأنَّ غالبية الأطراف اليمنية مستعدة لتمكين الأجنبي، وليست مستعدة للتنازل لشريكها في الوطن والأرض والجغرافيا والتاريخ واللغة والدين والدم…
وكي لا نخوض أكثر في المقدمات، سنلج إلى صلب الموضوع، لمحاولة الإجابة عن التساؤل الأهم: ما هي فرص نجاح الدبلوماسي السويدي هانس جراندبرغ الذي عيَّنته الأمم المتحدة بموافقة 15 دولة في مجلس الأمن مبعوثاً رابعاً إلى اليمن؟ وكيف يمكنه تجاوز كلّ التعقيدات السابقة؟ وما هي قدراته وإمكاناته ومقارباته للحل؟ وهل سيخضع للإكراهات والضغوطات التي تعرض لها أسلافه؟
يبدو من خلال المواقف السياسية الأولية لأطراف الحرب، أن الجميع رحَّب بالمبعوث الرابع، لكن الترحيب لم يخلُ من أجندتها وأولوياتها التي تمثل بطبيعة الحال تحديات أمام المبعوث الجديد، ففيما رحبت وزارة الخارجية في صنعاء بالتعيين والمعين، عبرت عن أملها في أن ينهي المبعوث الجديد العدوان والحصار. وعلى الطرف المقابل، عبّر تحالف العدوان والأحزاب اليمنية المؤيدة له عن ترحيبها، ولكن شرط أن يلتزم المبعوث بـ”المرجعيات الثلاث” (المبادرة الخليجية والقرارات الدولية ومخرجات الحوار الوطني).
وهنا، نلحظ أن هموم صنعاء ومطالبها إنسانية في الدرجة الأولى، وتراعي مصلحة الشعب أولاً وسيادة البلد، فيما مطالب الطرف الآخر سياسية بحتة وإلغائية وغير متوازنة، وخصوصاً ما يرتبط بالمبادرة الخليجية والقرارات الدولية التي وصفها المبعوث جمال بن عمر بأنها “غير متوازنة” وغير “عادلة”.
وفي اعتقادنا، إنَّ ما تسميه الرياض بالمرجعيات هو صنميات سياسية تحطّمت على صخور سنوات الحرب الماضية التي أفرزت تحولات جديدة وتجاوزتها بمراحل، وبات اليمنيون بحاجة إلى صيغ جديدة تستوعب المتغيرات والتحولات التي صنعتها السنوات الماضية.
المبعوث الرابع: قدراته ومقارباته
رغم أنّ بعض الدبلوماسيين يصفونه بالشخصية “الضعيفة والقاصرة” في فهم الملف اليمني وتعقيداته، فإنَّ هانس جراندبرغ تقلَّد عدداً من المناصب، وله مسيرة مهنية حافلة على مدى 20 عاماً، من بينها 15 عاماً في مجال حل النزاعات والتفاوض والوساطة، وكان خلال العامين الماضيين سفيراً للاتحاد الأوروبي إلى اليمن، وقبلها رئيساً لقسم الشؤون الخليجية في وزارة الشؤون الخارجية السويدية في ستوكهولم خلال مفاوضات السويد، والتقى خلال العام المنصرم 2020 كثيراً من القيادات السياسية من أطراف الحرب في صنعاء والرياض وغيرها من العواصم، ولا يبدو أنه يجهل تعقيدات المشهد والنزاع الموجود وأطرافه. ومن خلال كتاباته ولقاءاته، نستطيع أن نتلمَّس مقاربته لحل النزاع في اليمن.
خلال العام الماضي، التقى تقريباً جميع القيادات السياسية، وكان معه سفيرا فرنسا وهولندا. ومن خلال مراجعة سريعة لتصريحاته خلال تلك اللقاءات، كان تركيزه ينصبّ على الجانب الإنساني والحفاظ على وحدة اليمن، وعبّر بصريح العبارة عن أنّ “الاتحاد الأوروبي يبذل جهوداً كبيرة من أجل السماح بدخول السفن الإغاثية والغذائية والدواء والوقود، ورفع الحصار عن الموانئ، وتقديم المساعدات الفنية لفتح مطار صنعاء الدولي”.
وقال بصريح العبارة في مقال له خلال مفاوضات السويد إنّ “علينا أن ننسى حيثيات 2015م وما جرى فيها من قرارات وأن نبدأ من الصفر”. ويرى جراندبرغ أنَّ اليمنيين بحاجة إلى “إعلان شومان” لإحلال السلام على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المشتركة بين جميع الشعوب، تماماً كما حصل في أوروبا في 9 أيار/مايو 1950. ومن وجهة نظره، إن “إعلان شومان” لا يرمز إلى أي نصر عسكري أو استسلام لعدو في حرب، بل يرمز إلى شيء أسمى”، ويرى أن السلام ممكن في اليمن، وأن اليمنيين انتظروا بما فيه الكفاية.
من خلال ما سبق، يتضح أن الرجل لديه رؤية وتصور ومقاربة مختلفة ربما عن أسلافه لحل النزاع في اليمن، ويعطي أولوية للملفات الإنسانية الملحة، بما فيها فتح المطارات والموانئ والأسرى والمرتبات والملف الاقتصادي… ولديه ملاحظاته على القرارات الدولية التي جعلت منها دول العدوان مبرراً لقتل اليمنيين وحصارهم، بما فيها القراران 2215 و2216، اللذان اعتبرهما جمال بن عمر “غير متوازنين وعقَّدا العملية السياسية، لأنهما طالبا بشكل واضح بأن يستسلم طرف لصالح طرف”.
ما هي فرص نجاح جراندبرغ؟