الإعلامي عبدالحميد الغرباني يكتب:عودوا إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014
حملات واسعة تركز على تصوير ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014م كخطأ مأساوي وكارثي وانقلاب دون أن تستند هذه التوصيفات إلى معطيات حقيقية تدين الفعل الشعبي الذي شهدته البلاد قبيل أربع سنوات وتوضح أنه لم يكن هناك ثمة حاجة شعبية ملحة وضرورة قصوى ومحطة مهمة نحو إعادة بناء الدولة التي نخرها الفساد والإفقار دلل عليه (اعتراف حكومة باسندوة أن مايقارب 45% من الشعب اليمني يعيشون تحت خط الفقر).
وصرحت حكومة باسندوة على لسان وزير ماليتها عن عجزها عن مواجهة التحديات الأمنية والهجمات الدموية التي تشهدها البلاد والتي ضربت في ذروتها قلب وزارة الدفاع نفسها ومستشفى العرضي ومسلسل الاغتيالات والإحصائيات المرعبة لها والتي فاقت 300 اغتيال وجريمة وقعت في وضح النهار برعاية كل من الفرقة الأولى مدرع وسفارتي الرياض وواشنطن اللتين كانتا تقرران لليمن ماذا يقول وماذا يفعل وأي حالة يجب أن يكون عليها وصولا إلى استهدافهما الدائم لميزات اليمن الاستراتيجية المختلفة المرتبطة بموقعه الجغرافي وإنسانه وإرثه الحضاري والتاريخي وصولا إلى دوره الذي يمكن أن يلعبه في حال توفرت الإرادة المستقلة والطموحة، وقد كان مدخل هذا الاستهداف هو إصرار القوى الأجنبية على فرض تقسيم البلاد إلى كانتونات وكيانات تصطرع فيما بينها.
إن العودة إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014 هو عودة إلى مشهد قاتم ولا يشرف أحد، إذ العالم يتحدث عن دعمه لليمن، الدول العشر ، مجلس التعاون الخليجي ، الدول المانحة ، أصدقاء اليمن ، الاتحاد الأوروبي.. إلخ، فيما وضع اليمن كلما شهد ازدهارا كلما عاد به إلى الخلف لدرجة أن كل الجهات التي كانت تحاول التغطية على الاختلالات الكارثية لسلطة المبادرة الخليجية التي لم تعد تطيق الوضع نفسها، فهذا التقرير الاقتصادي للبنك الدولي عام 2013م يتحدث عن الارتفاع الحاد في العجز المالي وضعف بنية الأعمال وتراجع عائدات الصادرات ويحذر من نمط الإنفاق الحكومي المتزايد، وحتى الاتحاد الأوروبي آنذاك عزا (إحجام المانحين عن الوفاء بالتزاماتهم لليمن إلى انعدام الشفافية والمسائلة لدى حكومة باسندوة وتحدث بلسان مبعوثته بصنعاء عن تفشي الفساد المادي والإداري واغتصاب الوظيفة العامة وإهدار المال العام في شراء السيارات المصفحة وسفريات الوزراء الترفيهية ).
قبيل أربع سنوات كان جيش اليمن يفكك والسفير الأمريكي جيرالد فايرستان يشرف على استكمال تدمير ما تبقى من القوات المسلحة وكان سلاح الجو اليمني يتعرض للإسقاط الممنهج هل تتذكرون كم طائرة سقطت ؟ السؤال لعيال العاصفة الجدد والقدامى أيضا.
قبيل 21سبتمبر كانت اليمن تحكم من سفارة السعودية وقوات المارينز الأمريكية تغزوها وتجول في العند وفي صنعاء وفي سقطرى، وقد عنونت لذلك صحف الإعلام الموزاي لعلي صالح ( حيا بهم .. حيا بهم … و المارينز بيننا ) وقبلها بكثير صحف الإخوان (اليمن في قبضة واشنطن ، السفير الأمريكي يداوم في دار الرئاسة ) فكانت الثورة ضرورة وطنية تحرر القرار الوطني وتدفع عن السيادة والاستقلال ووحدة الشعب، وتصون ما تبقى من القوات المسلحة ومؤسسات الدولة وتنقل جميع القوى السياسية إلى الشراكة الوطنية ومتطلبات النهوض اليمني فكان اتفاق السلم والشراكة صيغة جديدة لحياة كريمة وعادلة وجوهر مضمونه انجاز عملية سياسية تنموية والمجيء بقيادة نزيهة وطموحة ومستقلة لإدارة البلد تتجاوز سياسة البقاء في مربع إدارة التخلف والفقر والتهميش والإقصاء المتحالفة مع الإمبريالية الأميركية.
بالعودة إلى خطاب إعلام العدوان وطابوره في الداخل يتضح أن التركيز على ما بعد ثورة 21سبتمبر 2014 أي الظروف التي خلقها عدوان وحصار تحالف عالمي على اليمن باعتبارها نتائج للثورة وتحميل ثوار سبتمبر المسؤولية هو مغالطة لا تخفى على أحد ، وهو دعاية مكشوفة ولا يمكن أن تزيح الشارع اليمني عن نهج التحرر أو تجره إلى فعل ما يدعوه إليه من يقصفه ويحاصره ويدمر بلاده.
لقد شب الشعب عن الطوق وهو اليوم يمثل الرافعة الأهم للجان الشعبية التي حسمت ثورة سبتمبر وما لبثت أن تحولت مع أحرار القوات المسلحة والأمن إلى جيش تحرير شعبي يكرس جهوده لمواجهة الغزاة الجدد وأدواتهم ممن استمرأوا خيانة الوطن.
الشعب اليمني يعرف اليوم أن الثورة تواجه العدوان الكوني ويزداد يقينا وثباتا ويتصلب في الموقف ويتجلد صبرا ، إذ المعاناة مع الكرامة مستعذبة وهي مع الإهانة خزي في الدنيا والآخرة ولا يمكن أن تستساغ.
بالمناسبة نقول لطابور علي صالح الذي ينشط من القاهرة وغيرها أن ما يعيشه اليمن اليوم هو نتائج وتداعيات حقبة العجل الذي كنتم تأوون إليه هذه هي التركة الثقيلة لمرحلة علي صالح وعلي محسن ، ففي ظلهما تجذرت البطالة والفقر ورهن القرار السياسي والسيادي للخارج وتوقفت عجلة البناء والتنمية والإنتاج ! فيما تنافس كلاهما صالح ومحسن في بيع الغاز والنفط بيعة سارق تعكس خيانتهم للبلد و للمصالح الاقتصادية ونذكر المنتفعين على سبيل المثال لا الحصر أنه حين كانت اليمن تستورد في حقبة الحمدي 18% من احتياجاتها من الحبوب شكل القمح المستورد في عهد علي صالح 93% من حاجات اليمن من القمح ولم يكن هذا الوضع مزعجاً لعلي صالح ولا لطبقة الحكم الفاسدة التي أجادت سرقة المال العام وتنفيذ رغبات الخارج في شن الحروب العبثية التي لم تخدم إلا الخارج الذي بدوره حرص على احتواء ثورة 11 فبراير 2011 وإعادة فك وتركيب السلطة المثار عليها عبر المبادرة الخليجية وتوليد سلطة هجينة تمثل صالح ومحسن وليس غيرهما البتة وقد كانت حلقة في مسار الفشل والإخفاق والفساد والارتهان والخذلان للشعب والبؤس والإفقار والهيمنة الخارجية على ميزات الموقع الاستراتيجي لليمن الذي يكفي بحد ذاته أن يدر على اليمنيين الذهب ، هذا المسار المفزع دون على جدول الأعمال اليمني ضرورة الذهاب إلى ثورة شعبية تكنّس الماضي وقد ذهب اليمن إلى ذلك وحين نجح قرر المتضررون العودة به قسرا وعبر عدوان تحالف عالمي وترسانة أسلحة متنوعة منها التشويه وقلب الحقائق وكي الوعي .. إلخ ، وفي المقابل قرر الشعب الحر والأعزل إلا من الله والكرامة والإرادة الوطنية الصلبة، استكمال المواجهة وقد تجاوز صعاب وتحديات عدة وسيسقط بفضل الله سبحانه كل المؤامرات.