الإعلامي جميل انعم يكتب عن : قاعدة الثبات والصبر وبريد عاجل للبكائون.. لا طاقة لنا اليوم بأمريكا وإسرائيل !
كانوا 70 ألف عَرمْرَم .. جيش مجهز عدداً وعتاداً وامداداً وتمويناً .. شربوا ما شربوا من مياه النهر، نهر الأردن، يكفي لجيوش جرارة .. جيش رضعَ ما رضعَ واكل وماشبع ليوم الفصل الموعود .. ثم فجأة تبخر 69700 مقاتل تَبـرَّم، وقالوا “لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده” .. وتخلفوا عن القتال في يوم الفصل .. ومكثوا في البيوت والمنازل وبعدتهم وعتادهم … فيما تقدمت الفئة القليلة وبـ 300 ثلاثمائة مجاهد وبضعة عشر ومنهم المجاهد “داؤود عليه السلام” والنبي “شمويل عليه السلام” وبقيادة الملك “طالوت” راعي الغنم السابق بل ودباغ الجلود .!
فئة قليلة مؤمنة طائعة صبرت وثبتت .. وقَتلَ داؤود عليه السلام جالوت وهُزم جالوت وجنوده … وتحررت بيت المقدس .. ليس هذا فحسب, فبعد وفاة النبي “شمويل عليه السلام” ووفاة القائد الملك طالوت .. أعطى الله سبحانه وتعالى “المُلك والنبوة” في آن واحد لداؤود عليه السلام .. ولم يجتمعا لأحد من قبله .. بل علَّمهُ منطق الطير وصنع الدروع وانتقل المُلك والنبوة معاً إلى النبي سليمان بن داؤود عليهم السلام، والذي عاش بني إسرائيل في عهده عصرهم الذهبي !!
واليوم يتكرر المشهد، مع اختلاف بسيط .. لا طاقة لنا اليوم بإسرائيل وامريكا، “مالكم ومال أمريكا خلونا بحالنا بس” … وهذا الحال يعني الركوع والاستسلام كالعراق وليبيا وبعض الجغرافيا اليمنية “عدن – حضرموت سقطرى” .. والنتيجة فوضى وتدمير وجوع وتهجير وفقر وإفقار إلى ما شاء الله .
والقاعدة القرآنية تقول بأن تخلي الفئة المؤمنة عن الثبات والصبر بفعل مغريات الدنيا طريق سريع للهزيمة وحلول الكارثة.. تماماً كما لم يصبر ويثبت رماة جبل أُحد في مواقعهم أمام مشهد تقهقر العدو، وانكشاف الغنائم.. فحلّت الكارثة واستشهد حمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه – وشُقّ صدره وانتُزع كبده وتم أكله كالوحوش الضارية، وانكسرت مؤقتاً الفئة المستضعفة المؤمنة، وهناك ويا للمفارقة… حضرت جينات الأوس والخزرج، جينات الأنصار أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية.. هبّت وبكل قواها دفاعاً عن رسول الرحمة للعالمين.
وعلى ضوء القاعدة القرآنية.. كان تحرك شعب الأوس والخزرج وعلى مدى أكثر من عام كالأشواك، وتماماً كوظيفة الأشواك في الأشجار كمخزن إستراتيجي لخزن المياه لتُعطى للأشجار في وقت الجفاف والشدة.. وتماماً كـ سنام الجمل .. كان شعب الأوس والخزرج.. لا أدنى ولا أقل .. فكان الصبر والثبات أشواك شعب الأوس والخزرج … وفي ظل الجفاف والقحط كانت أشواك الصبر اليمني تمد الجبهات بالرجال والمال وقوافل الإمداد والإسناد والتموين … نعم، كأشواك الأشجار وسنام الجمل كانوا .. إنها آيات من آيات الله عز وجل .. فالجمل والأشجار إن ماتوا، ماتوا واقفين، نعم، يموت الجمل وتموت الأشجار واقفة .. ومثلهم شعب الأوس والخزرج شامخين !.
لذلك .. دعونا في حالنا أنتم .. لأن حالنا سيتغير إلى الأسوء إذا تخاذلنا معكم.. لذلك سنستمر لأن البديل في قاموسنا غير مقبول، ولو أضحينا بضعة نفر، فالنصر من أمامنا والشهادة من خلفنا .
اليوم ومع شراهة وإفراط العربدة السعودية بالعدوان النفسي والمادي والإقتصادي والمعنوي الغاشم على شعب الأوس والخزرج، ومع مطالبات شعبية ومؤسساتية تندد وتشجب وتستنكر وتناشد لردع العدوان .. والتخلي عن إستراتيجية “محلك سر” يجب إيصال بريد خاص بل عاجل لكل هؤلاء البكائون :
مدننا الفاتنة من صعدة حتى سقطرى كالنساء الجميلات لا تحب نواح الرجال .. ولا تعجبها الرجولة المنكسرة المنتظرة لتنفيذ خيارات الردع الإستراتيجي من وراء الأحلام والتوقعات ..!
قُرانا بلداتنا لا يميل قلبهن إلى ذُكور يبكون مثل النساء ..
من أراد أن تأتي خيارات الردع وكسر العدوان وهو نائم، فليذهب إلى أسواق الانتصارات المُعلّبة الجاهزة وليشتري بضعاً منها..!
من أراد ردعاً للعدوان متكلاً على الأبطال المجهولين فليبحث حيث حفلات الردع ولينتقي منها ما شاء !
من أراد حسماً من المنزل وينتظر بانزعاج لماذا تأخرنا فهنالك مهرجانات للحسم والانتصارات تُقام في الأماني والأحلام..!
ومن أراد النحيب والبكاء على مجازر عدوان ظالم آثم بكل مقاييس الأديان السماوية والوضعية فأننا لا نملك شيئاً لروحه لنعطيه إياه فيرتاح ويتقلب في العيش الرغيد واللذيذ ..!
فكل ما نملكه هو قلبٌ شجاع وعشقٌ لا ينتهي للأرض .. وعيون واثقة بالغد لكنها جافة ليس فيها دمعة واحدة في الحرب.. لأننا نحتفظ بكل دموعنا لساعات الفرح بالنصر ..!
سهولنا جبالنا بحارنا أجوائنا المُحاصرة وكل شبر من ربوع اليمن الجريح حُر طالما بقي لها رجال يجدّون في أثرها ويسعون إلى لقائها وعناقها وتقبيلها … فالحُرّة لا تسقط عندما تقع في الحصار والعدوان مهما كانت شدَّة فتك العدو وهمجيته وجنونه … لكنها تغدو جارية مُستعبدة عندما يبكيها رجالها وينوحون ويندبون حظهم العاثر منتظرين للانتصارات المُعلبة الجاهزة من أسواق ومهرجانات الردع والحسم .
تماماً كما فعل العرب في مدن فلسطين التي بكوها خلف الأبواب وهم ((يستمعون إلى فض غشاء بكارتها)) !.. فسقطت في العار منذ ذلك الوقت ..وقبل أن أسترسل أريد أن أذكر حكاية فلسطينية مؤلمة بعنوان ((متى تنام هذه القرنفلة الحمراء؟؟)) وفيها يتحدث مهاجر فلسطيني عن ألمه عندما تجول في قريته التي هجرها واحتلتها عصابات داعش الصهيونية أيام النكبة .. وعندما مر أمام البيت الذي ولد فيه وشهد طفولته وصباه توقف وتردد مرتعشا .. وبعد تردد وتألم ودموع قرع الباب ليطل منه وجه امرأة اسرائيلية حيث يقدِّم لها الفلسطيني نفسه بأنه ولد في ذلك البيت وعاش فيه طفولته وصباه مع جده وابيه وأمه واخوته .. وأنه في الحقيقة هو صاحب البيت ..
فأبدت المرأة لا مبالاتها من رجل أعزل يريد بيتها الذي أخذته منه بالقوة .. وفيما هو يجادلها لمح من الباب فناء الدار الذي ظهرت في باحته ورود حمراء من القرنفل والتي زرعها مع جده أيام كان طفلا .. فطلب منها ان تعطيه وردة واحدة فقط من تلك الورود.. فتقبل المرأة الاسرائيلية على مضض .. وتدخل وتعود وتحمل معها وردة واحدة تدفع بها إليه باحتقار شديد ولكنها قبل أن تغلق الباب وتصفقه في وجهه تقول له اقسى كلمة في حياته ولكنها تلخص كل الحياة .. فقد قالت له: تذكر ((أن ليس صاحب البيت من يرثه .. بل صاحب البيت هو من يحميه)) ومن يومها يطوف هذا الفلسطيني العالم ومعه وردته التي لا تنام .. وهي تسأله .. لِم لَم تحم بيتك؟؟ .. إنك لا تستحقه ..
هذه قصة يجب على شعب الأوس والخزرج أن يرددوا معناها كالنشيد والزامل وأن تصبح أيقونة دائمة .. لأن البكاء والتراجيديات لا تعيد المدن الأسيرة والجريحة .. بل تعيدها الثقة بالنفس والقناعة المطلقة أننا لا نملك الحق في بيوتنا اذا لم نحمها ونقاتل من أجلها ..
هذه بيوتنا .. وهذه مدننا .. وكل شجرة هي لنا .. وكل حجر هو لنا .. واذا كان الأمريكي يأتي ببارجاته من أقصى الأرض الى أرضنا فانها حق له اذا تخلى عنها أهلها فيما هو بذل الغالي والنفيس من أجلها .. تماما كما أن فلسطين لاتحق للفلسطينيين ولاللعرب ولاللمسلمين اذا كانوا يريدون الهجرة منها فيما اليهودي يهاجر اليها من أقاصي الدنيا ليعمرها بعقيدته ..
ولذلك لن نكترث بفِرق البكاء والردح وما أكثرها .. بل مايفاجئ هو ان الباكين والمولولين واللطامين هم ألد أعدائنا الذين يندبون كالأرامل ويريدون تحويل أجسادنا إلى أجساد منتجة للدموع فقط .. ولكننا نحن من يدرك أننا في زمن ليس للبكاء في الحرب .. ونحن من لانقدّر كثيرا النشيج والتفجع ولايهمنا أن نتعلم مسح الدموع ولا انتاجها .. ولايعنينا أن نبكي على المدن الأسيرة بل أن نسير اليها بحرابنا .. ونغازلها برعودنا .. ونعلق ايقونات الرصاص كالعقود في صدورها وجدرانها وأعمدتها .. ونبخرها برائحة البارود والدم .. واذا كان ذلك الفلسطيني قد تألم من عبارة المستوطنة الداعشية الاسرائيلية بأن صاحب البيت هو من يحميه فاننا نعترف بأن أجمل مايجب أن يتعلمه أبناؤنا قبل تعلم الفاتحة هي هذه العبارة .. ((ليس صاحب البيت من يرثه .. بل صاحب البيت من يحميه .. وليس صاحب الدين من يرثه .. بل صاحب الدين هو من يحميه)) .
إن كل المدن التي طالتها أيادي ذئاب الإرهاب السعوأمريكي الفاشي لم تتألم بقدر تألمها من أصحاب الأرض .. إن كل موطن من ربوع اليمن استوطنت فيه غارة للعدوان لهي قُبلة وتحرُّش ومحاولة للسبي وهتك العرض لن تتألم منه الأرض بقدر تألمها من خذلان المنتظرين للإنتصار المُعلَّب والحفاظ على الكرامة من مهرجان الإنتصارات الجاهزة ؟؟.
إن كل مياه وأجواء اليمن والشوارع التي صافحت أيدي الغزاة ودُنست بغاراته لاشك أنها تحتقر كل متخاذل ولاشك انها تحس بالذل من إنهمار دموع الحزن على الضحايا والجرحى وإنتظار “الخيارات الإستراتيجية” المُعلبة من الأسواق بدل ان تصخب شوارعها اناشيد وزوامل التحدي وتهز أعمدتها وجبالها أصوات زئير الرجال .
“لو” أداة تمني.. وبالحديث الشريف تفتح عمل الشيطان.. ولا بأس من إستعارتها لنُبشر الصابرين وفئة المستضعفين القليلة .. لو صبرت اليابان في الحرب العالمية الثانية لهُزمت أمريكا التي كانت تمتلك قنبلتين نوويتين فقط، اُستخدمت على هيروشيما وناكازاكي، وتُهدد بإلقاء القنبلة الثالثة على اليابان إن لم تستسلم، وأمريكا بالفعل، كانت لاتمتلك قنبلة ثالثة، فأستسلمت اليابان وكان ما كان.. وقبل ذلك كان الفدائي الياباني “الكاميكاز” يطير بطائرته فدائياً كابوساً مرعباًعلى البارجات الامريكية، فانهار المقاتل الأمريكي الجبان .. فاستخدمت أمريكا السلاح النووي الغادر .. واستسلمت اليابان التي كانت قاب قوسين أو أدنى من النصر إن لم تستسلم، واصبحت أمريكا عملاق إقتصادي وبشروط الإستسلام أصبحت ولازالت اليابان قزم سياسي وعسكري مثلها مثل ألمانيا..
وعموماً عادت الفئة المؤمنة إلى الثبات والصبر أكسير الإنتصار والتمكين .. وبعد معركة أُحد إنتصرت فئة المؤمنين المستضعفين على اليهود ثم على الأعراب.. وما بينهما صلحٌ ونقض .. حتى بلغت الفئة المستضعفة الإنتصار الحاسم والفاصل عرين مكة بفتحٍ عظيم .. وعفا الرسول (ص) عن أكلة الأكباد، وحطَّم أصنام جبابرة قريش وكِبرها واستكبارها .. إنه الصبر والثبات والإيمان.. ومالنصر إلا صبر ساعة وان غد لناظره لقريب .