«الإصلاح» يصطدم بالحقائق اليمنية: استنساخ تجربة سوريا مستعصٍ

بعد سقوط سوريا بيد الفصائل المسلحة، تحمس حزب «الإصلاح»، فرع «الإخوان المسلمين» في اليمن، وتعامل مع المتغيرات السياسية العربية والإقليمية على أنها مقدّمة للانقلاب على سلطة صنعاء. إذ دعا كبار قادته إلى استنساخ التجربة السورية في اليمن، في حين نشرت وسائل إعلام الحزب عدداً من الدراسات والأبحاث التي ركّزت على «التماثل بين الحالتين السورية واليمنية»، معتبرة أن سقوط دمشق كنقطة ارتكاز في محور المقاومة، سيؤدي تلقائياً إلى لحاق بقية أطراف المحور بالمصير نفسه، خصوصاً في البلدان التي تشهد انقسامات داخلية كاليمن.
ويبدو أنه لا ضير أو حرج بالنسبة إلى قادة «الإصلاح»، في أن تتزامن مواقفهم تلك، مع التهديدات الإسرائيلية اليومية لليمن، والشروع في تدمير منشآته الاقتصادية وبنيته التحتية، والذي يبرّره مسؤولو الحزب بأن جبهة الإسناد اليمنية «مسرحية»، وأن التقاذف الصاروخي بين إسرائيل واليمن لا يخدم مصلحة البلاد ويجلب لها الخراب والدمار لمصلحة قوى خارجية. ورغم مرور أكثر من سنة وثلاثة أشهر على انخراط اليمن في جبهة الإسناد، واعتراف حركة «حماس» بفاعلية الدور اليمني في إسناد غزة، لا يزال «الإصلاح» ينكر هذه الفاعلية، ولم يقلع عن سرديته المتحورة حول أن المقاومة اليمنية للهيمنة الأميركية وللكيان الصهيوني هي صراع إيراني – إسرائيلي على الساحة اليمنية.
وينطلق «الإصلاح» في قراءته للأحداث من أن المنطقة تشهد ديناميات جديدة أملتها المتغيرات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها تراجع روسيا جراء انخراطها في الحرب مع أواكرانيا، وتسبُّب قوط نظام بشار الأسد في دمشق في خسارة إستراتيجية لإيران، و«انكفاء حزب الله» إلى الداخل بعد تعرّضه لضربات منهكة أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتوقّع تفكك حركة «أنصار الله» والدولة اليمنية عموماً جراء العدوان الأميركي – البريطاني – الإسرائيلي. وعززت كل تلك العوامل، الحقيقية أو المفترضة، الرغبة لدى قادة «الإصلاح» في التخطيط لالتقاط الفرصة لإحياء شعار «عائدون يا صنعاء»، وتحويله إلى واقع حقيقي شبيه بالمتغير السوري.
وقد كان النائب في كتلة «الإصلاح» البرلمانية المقيم في إسطنبول، حميد الأحمر، عقب زيارته الرياض، واضحاً في التعبير عن تلك الرغبة عبر حسابه على منصة «إكس»، إذ قال إن «التحرّكات الأخيرة التي جرت في الرياض، تهدف إلى تجنّب الكلفة البشرية لاستعادة صنعاء من قبضة المليشيات الحوثية». وأضاف الأحمر أن «الرياض هي عاصمة القرار العربي. وأغادرها الآن بعد أن التقيت بعدد من القيادات اليمنية المتواجدة التي تداعت إليها استجابة للمطالب والضغوط الشعبية المتنامية للاستفادة من المستجدات الدولية والإقليمية، لإنهاء الانقلاب الحوثي البغيض واستعادة الدولة».

اصطدم «الإصلاح» بالواقع اليمني المعقّد والذي لا يتطابق مع الواقع السوري

على أن سكرة «الإخوان المسلمين» في اليمن بالمتغير السوري لم تطُل، حتى جاءت الفكرة التي بيّنت أن حسابات الحقل السوري لا تتوافق مع البيدر اليمني. إذ إن التأييد الشعبي لحركة «أنصار الله» بعد الانخراط في جبهة إسناد غزة، اتسع ليشمل فئات وازنة من القاعدة الشعبية لحزب «الإصلاح»، بما يشمل عدداً كبيراً من النشطاء والقادة الميدانيين والضباط المحسوبين على الحزب وعلى بقية المكونات التابعة لـ«المجلس الرئاسي». ثم إن الصراع بين أعضاء هذا المجلس لا يزال محتدماً منذ تأسيسه عام 2022، حيث يعمل كل طرف فيه بعيداً عن الآخر وباسم «الرئاسي». كما أن المتغيرات في المنطقة تشير إلى إمكانية توسيع الفجوة بين أعضاء «الرئاسي»، كونها أجّجت الخلاف بين «الإصلاح» وخصومه المحسوبين على السعودية والإمارات، والذين يخشون استفادته من المتغير السوري على حساب بقية المكونات المشكلة لما يسمى «الشرعية».
ومع ذلك، حاول الحزب إغراء السعودية بالخروج من الهدنة المعمول بها مع اليمن، طالباً الشراكة في استئناف الحرب. إلا أن حسابات المملكة تختلف كلياً عن أجندة «الإخوان المسلمين»، وهي تنظر إلى انتقال الحكم في سوريا إلى جماعات مشابهة لهم بكثير من الريبة والحذر.
ورغم أن الشراكة السعودية معهم في اليمن هي حالة استثنائية أملتها الضرورة والواقعية السياسية، على خلاف تعاطي الرياض مع بقية أفرع «الإخوان» في العالم، والمدرجة على لوائحها للإرهاب، إلا أن المملكة لا تزال حاضرة لديها وبقوة حالة تنكّر «الإصلاح» للعلاقات التاريخية التي ربطت الطرفين زهاء 3 عقود، عند بداية «الربيع العربي» وانشقاق الحزب عن حليفه الموثوق الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الأمر الذي أدى إلى انهيار الحكومه وصعود حركة «أنصار الله» لملء الفراغ. وفي رأي المملكة، فإن المتسبب الرئيسي في سقوط العاصمة اليمنية بيد «أنصار الله»، هو انتهازية «الإصلاح».
وعلى أي حال، لا يستطيع «الإصلاح» القيام بأي نشاط معادٍ لصنعاء من دون موافقة الرياض، في حين يبدو أن الأخيرة أدركت، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة، عدم جدوى الدخول مجدداً في أي صراع مع اليمن، وآثرت سياسة الانكفاء إلى الداخل، بعدما تبين لها أن الدول الكبرى تركتها وحيدة في مواجهة اليمن. ورغم تعرضها لضغوط شديدة من قبل الغرب للمشاركة في تحالفات عسكرية ضد «أنصار الله»، إلا أنها أحجمت عن ذلك.
ولعل أكثر من عبّر بدقة عن هذا الموقف السعودي المتحفظ، هو السفير الأميركي الأسبق لدى اليمن، جيرالد فايرستاين، الذي قال في تصريحات إلى «معهد الشرق الأوسط» الأميركي، إنه «في غياب حل لمشكلة غزة، كان السعوديون وشركاؤهم في الخليج حذرين في تحدي الحوثيين. وينبع حذرهم من مخاوف من أن الموقف القوي بشأن الهجمات البحرية التي تشنّها الجماعة قد يكون غير شعبي في الداخل، ويُنظر إليه على أنه يدعم إسرائيل، كما أنه قد يؤدي إلى تجدّد الهجمات الحوثية ضد السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي على نطاق أوسع».
وتابع فايرستاين: «أدى الغضب والإحباط في العالم العربي إلى تجميد المزيد من التوسع في اتفاقيات أبراهام، وتقليص نفوذ الولايات المتحدة، وإعادة إشعال الدعم الشعبي العربي للقضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، وبدعم من إيران، استخدم (أنصار الله) موقعهم العسكري على ساحل البحر الأحمر في شمال اليمن لإظهار دعمهم لحركة (حماس) والفلسطينيين، وتهديد الشحن الدولي في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وتهديد إسرائيل نفسها بالأسلحة الهجومية، ما جعل المجموعة مصدراً رئيسياً للتوتر وعدم الاستقرار الإقليمي واليمني».

لقمان عبد الله

قد يعجبك ايضا