الإصرار على الخيانة .. تفاصيل جديدة عن لقاء المكاشفة بين قيادات أنصار الله والمؤتمر في فتنة ديسمبر
عدَ إحباط مؤامرة 24 أغسطُس التي كان “صالح” يرتِّبُ لإعلان موقفه المختلف فيها، والتي تم احتواؤها؛ بفضل جهود القيادة السياسيّة والثورية، استأنف “صالح” مخطّطاتِه وانتقل في التصعيد إلى المستوى العسكريّ والأمني أَيْـضاً، وكان أبرز نتائج ذلك التصعيد استهداف قوات الأمن في منطقة “المصباحي”، كما بدأ هدفُ “إسقاط” صنعاء ينكشِفُ أكثرَ من خلال تحشيد المرتزِق “طارق عفاش” لمليشياته وتجميعها في عدةِ مناطقَ داخل صنعاء؛ تمهيداً لتفجير الوضع.
كالعادة، كانت كُـلُّ تلك التحَرّكات مرصودةً ومكشوفةً للقيادة السياسيّة الثورية التي ظلت حريصةً حتى النهاية على إيقاف تفكُّك الصَّــفّ الداخلي، وإعادة توحيد مواقف أنصار الله والمؤتمر ضد التحالف، لكن الحقيقة أن “صالح” كان يستخدمُ المؤتمرَ كغطاء فقط، بينما كانت مخطّطاتُه تُدارُ بشكلٍ خاصٍّ من قبَله ومن قبَل أشخاص محدّدين مقرَّبين منه.
هذا ما كشفته تفاصيلُ آخر لقاء “مكاشفة” بين قيادات “أنصار الله” والمؤتمر، والذي عُقد برئاسة الشهيد الرئيس صالح الصمَّـاد، في القَصر الجمهوري بتأريخ 14 أكتوبر 2017، أي قبل اندلاع الفتنة بشهر ونصف شهر.
عضوُ المكتب السياسيّ لأنصار الله، الأُستاذ فضل أبو طالب، كان حاضراً في ذلك اللقاء، وروَى لصحيفة “المسيرة” تفاصيلَه التي نستعرضُها لأول مرة فيما يلي:
كان فريقُ أنصار الله في اللقاء يشملُ كلاً من: مهدي المشّاط، ومحمد عبدالسلام، واللواء محمد عَبدالكريم الغماري، واللواء أبو علي الحاكم، وفضل أبو طالب، وحسين العزّي، واللواء عَبدالحكيم الخيواني، ومحمود الجنيد، وعبدالملك العجري، ومحمد علي الحوثي.
وشمل فريقُ المؤتمر كلاً من: صادق أمين أبو رأس، قاسم لبوزة، يحيى الراعي، عارف الزوكا، جلال الرويشان، مهدي مقْوَلة، عبدالله الحَجرْي، محمود جليدان، والشيخ حسين حازب.
وبحسب “أبو طالب”، فقد استمرَّ الاجتماعُ من الصباح وحتى المساء، وافتتح بكلام للرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد، تحدث فيه عن خطورةِ المرحلة، وحساسيةِ التوترات التي وصل إليها الوضعُ على كُـلِّ المستويات، وخطورة المعلومات الموجودة والتي تفيدُ بوجود مخطّط لإثارة فتنة بالتنسيق مع تحالُفِ العدوان.
بعد ذلك، قام نائبُ وزير الداخلية عبدالحكيم الخيواني “الكرّار” بتقديم تقرير تفصيلي عن التحَرُّكات الأمنية للمرتزِق “طارق عفَّاش” وتجهيزات الفتنة، وشملت ضمن المعلومات التي قدّمها الخيواني، الأماكنَ والمقراتِ ومعسكرات التدريب التي تتواجدُ فيها مليشياتُ “طارق” والأسلحة وكل التحَرّكات الأمنية والعسكريّة لتلك المليشيات، والعمائر التي يتواجدُ بها عناصرُ المليشيات في صنعاء، ومعلوماتٍ عن اجتماعاتهم.
يؤكّـدُ “أبو طالب” أن الخيواني كشف مخطّطَ الفتنة بالكامل خلال اللقاء، وحينها جاء الدورُ لفريق المؤتمر للرد.
نفى “يحيى الراعي” علمَه بأيٍّ من التفاصيل التي قدّمها “الخيواني”، وقال إنه لم يعرفْ بشيء من هذا إلا في تلك اللحظة، وأكّـد: “نحن رافضون لهذا ولا يمكن أن نقبلَه إطلاقاً”.
وطالب “الراعي” بتشكيل لجنة للتحقيق في ما طرحه نائبُ وزير الداخلية، وبحسب “أبو طالب”، فقد تم فعلاً تشكيلُ لجنة، ضمَّت اللواء جلال الرويشان واللواء الخيواني، وكان يُفترَضُ بها أن تضُمَّ “طارق عفاش”؛ كونه أحدَ المتورطين، وتم الاتّفاقُ على أنه إذَا ثبتت صحةُ المعلومات التي قدّمها الخيواني فسيتم الوقوفُ ضد تصرُّفات طارق عفاش.. (لم يتجاوب طارق عفاش مع اللجنة واعتذر فريقُ المؤتمر في اليوم التالي).
ومن فريق أنصار الله، تحدث أَيْـضاً اللواء أبو علي الحاكم، مؤكّـداً للحضور أن هذا لقاءَ “مكاشفة”؛ لكي تتضحَ كُـلُّ الأمور، ويعرفَ الجميعُ ما الذي يتم التحضيرُ له، سواء بعلمِ قيادات المؤتمر أَو لا.
رَدَّ الشيخ “صادق أبو رأس” مؤكّـداً أنه هو الآخر لا يعلمُ أيَّ شيء عن مخطّط الفتنة، وكشف أن هناك تعتيماً على أعضاء المؤتمر في المجلس السياسيّ الأعلى حول ما يدورُ بين المؤتمر و”أنصار الله”، وأن الأمورَ تدارُ من خارج المجلس، في إشارةٍ إلى عارف الزوكا وعلي عَبدالله صالح اللذين كانا يعرقلان القراراتِ ويعرقلان عملَ “أبو رأس نفسه”.
تواصل النقاشُ والمكاشفة حول ضرورة توجيه كافةِ الجُهُود العسكريّة ضد العدوان، وضمن هذا السياق تحدث اللواء محمد عَبدالكريم الغُماري (رئيسُ هيئة الأركان) عن الجبهات، كاشفاً أن هناك “عرقلةً لوجستيةً” تُدارُ من قبل “صالح”، وذكر على سبيل المثال، البترول المخصَّص للجبهات والذي كان يتم الخصمُ منه إلى أقصى حَدٍّ لإعاقة عمل المجاهدين.
بحسب “أبو طالب”، فقد كان مواقفُ “عارف الزوكا” وَ”مهدي مقْوَلة” خلال الاجتماع مختلفةً بشكل كبير عن بقية أعضاء فريق المؤتمر؛ لأَنَّهما كانا مطلعَين على تفاصيل المؤامرة، وكانا يلتزمان الصمتَ أكثرَ من البقية (شاركا لاحقاً في أحداث الفتنة).
وحين تحدث “الزوكا”، حاول انتقاد “إعطاء دورات ثقافية للجيش”، لكن الردَّ جاءه من نفس فريقه، عبر الشيخ حسين حازب، الذي قال له: إن “الدورات الثقافية تعطي المقاتلين دفعةً إيمانيةً تجعلهم يصمدون في مواجهة العدوان، وأنا مع إعطاء كُـلّ الجيش دوراتٍ ثقافية”.
وأوضح عضو المكتب السياسيّ لأنصار الله “فضل أبو طالب” للصحيفة أنه باستثناء عارف الزوكا ومهدي مقولة، فقد كان الملحوظ من حديث فريق المؤتمر أن أغلبَهم لم يكن يعلم شيئاً بالفعل عن مخطّط الفتنة، بل وأكّـدوا رفضَها وتبرأوا منها، ولم يكن ذلك تمويهاً منهم، إذ أثبتوا موقفَهم الوطني خلال أحداث الفتنة وبعدها، ورفضوا الانحرافَ عن صَــفِّ مواجهة العدوان.
هذه التفاصيلُ تكشِفُ أن “صالح” كان يستخدمُ حزبَ المؤتمر كغطاءٍ؛ لتمرير مخطّط الخيانة بدون عِلم الكثير من قياداته؛ لأَنَّه كان يعرفُ أن ما يخطط له أمرٌ غيرُ مقبول وخيانةٌ واضحةٌ، ولو كشف لقيادات وجماهير المؤتمر آنذاك لرفضته، وقد حدث ذلك خلال الفتنة وبعدَها.
صحيفة المسيرة