الإستراتيجية اليمنية الجديدة: الإنتقال من ردّة الفعل إلى الفعل
إنتهت مرحلة إمتصاص العدوان السعودي على اليمن لتدخل البلاد في مرحلة جديدة مع توقيع عدد من القوى الوطنية على اتفاق سياسي يشكل قفزة نوعية في المشهد اليمني.
المرحلة الجديدة تأتي بعد فشل مفاوضات الكويت في التوصّل إلى تصّور أو رؤية لحل الأزمة اليمنية حلا شاملا كاملا كحزمة واحدة ودون تجزئة، وتفتح الباب، سياسيّاً وميدانياً، على مرحلة جديدة تضفي طابع الفعل على المشهد اليمني، بخلاف الفترة السابقة التي كانت بمثابة ردّ فعل عنوانه “الصبر الإستراتيجي”.
سياسياً، بات المجلس الذي تم التوقيع على اتفاق بشأنه بين حزب المؤتمر الشعبي وانصار الله وحلفاؤهم ممثلاً لليمن في الداخل والخارج، وأما ميدانياً أثبتت الطفرة البالستية في الأيام الأخيرة على مأرب ونجران واقعاً عسكرياً جديداً، عزّزته مقبرة الـ”أبرامز” وقتلى الجانب السعودي في جبهة ما وراء الحدود حيث ناهز العدد الـ20 قتيلاً بين ضابط وعسكري خلال أسبوع واحد فقط. كل هذه الوقائع التي لم تمنع وفد القوى الوطنية اليمنية من مواصلة المفاوضات في الكويت، ترسم عنواناً جديداً للعدوان بالإنتقال من ردّة الفعل بعد إمتصاص الضربة بالكامل خلال سنة ونيّف، إلى الفعل وتوجيه ضربة مماثلة في القوّة معاكسة في الإتجاه.
لا ريب في أن قرار القوى الوطنية بتشكيل مجلس سياسي يؤسس لواقع جديد، قطع الطريق على كافّة المحاولات السابقة بالتفرقة بين “أنصار الله” و “المؤتمر الشعبي العام” بعد اليأس من هزيمتهم في الميدان، فالمعادلة والخارطة ستتغير بعد التحالف التاريخي بين المؤتمر وأنصار الله، وحلفائهما، ويمكن قراءة معالمها من خلال التالي:
أولاً: إن إصرار السعودية على تنفيذ الغارات التي لا تسمن ولاتغني من جوع، بل تأتي في إطار “أنا أضرب إذا أنا موجود”، يسقط كافّة إتفاقات الحدود، ولعل المواجهات الأخيرة في جبهة ما وراء الحدود في عسير ونجراء تؤكد نيّة الجيش واللجان الشعبية رفع السقف العسكري لوقف العدوان بقوةّ السلاح بعد الفشل في وقفه عبر طاولة الكويت بسبب تعنّت وفد الرياض.
ثانياً: لم تقتصر التطورات النوعيّة على الميدان، فقد دقّت القوى السياسية مسماراً آخر في نعش العداون محقّقة “أكبر إنتصار سياسي” عبر الإتفاق على تشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة شؤون البلاد، الأمر الذي أثار ردود فعل خليجية هستيرية، فقد اعتبر امين عام مجلس التعاون عبداللطيف الزياني في تصريحات له “التوقيع على اتفاق تشكيل المجلس السياسي خرقاً واضحاً لقرارات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي ، وقرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل”.
ثالثاً: إن الإتفاق السياسي يأتي بعد إنحياز المبعوث الأممي للجانب السعودي، محاولاً سلب القوى الوطنية في السياسة ما فشلت السعودية في تحقيقه ميدانيّاً، وقد علّق الوفد الوطني على الوضع الحالي بالقول: إن إرادة شعبنا تتجه للخروج بحل شامل وعاجل وكامل ولا نقبل بأي حل ناقص، مضيفا “نقبل بسلام الشرفاء الذي لا يمس الكرامة والسيادة الوطنية”، كما أن زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي دعا “كل من لم يعجبه الاتفاق إلى البحث عن أقرب صرخة لينطحوا بها رؤوسهم”، مؤكدا أن تحول اليمنيين إلى ذرات تتبعثر في الهواء “خير من أن نسلم رقابنا لانذال مجرمين”.
رابعاً: يبدو أن الجانب اليمني سيصرّ في المرحلة المقبلة على إجراء مفاوضات مباشرة مع السعودية، وفق ما دعا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، مستفيداً من ورقة الضغط الميدان التي باتت اليوم ” النفس بالنفس والعين بالعين”.
خامساً: إن بسط الأمن من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية في المحافظات التي تقع سيطرتها، ووأد معركة صنعاء في مهدها، يعزّز من فرص الرد الحازم على الغارات السعودية، ويفرض على الأخيرة الرضوخ للحل السياسي، لأن الواقع العسكري الجديد لم يعد في صالحها بتاتاً. في السابق، كانت الخسائر يمنية من كلا الطرفين سواءً في تعز أو مأرب أو الجوف، أما اليوم مع إشتعال جبهة ما وراء الحدود باتت السعودية تتكبد الخسائر بوتيرة أكبر من السابق.
لا نستبعد أن تفرض الرياض على وفدها في الكويت تقديم بعض التنازلات، خلال الأسبوع المقبل في المفاوضات الممدة في الكويت، بإعتبار أن تنازل “وفد الرياض” يحمّل الجانب السعودي خسائر أقل بكثير من تنازل الرياض نفسها، فهل سنكون أمام أفاق لحل الأزمة في اليمن قريباً؟
الوقت