الإحتفال بجمعة رجب .. حكاية التعظيم لجمعة الهداية
تطل جمعة رجب والتي يعتبرها اليمنيون “عيداً” ثالثاً ويصفونها بـ”جمعة الهداية” فيها اعتنقوا الإسلام واختاروها توقيت زمني للفرح والاحتفاء، يٌرَحلون فيها همومهم اليومية ويتمنون فيها البركة لبقية العام.
قصة فـــرح..!!
لليمنيين حكايات مع التاريخ ولشهر رجب قصة مختلفة مع التوقيت كموعد للإحتفاء في “جمعة الحمد” حيث مثلت السنة التاسعة للهجرة بداية توافد اليمنيين “الأرق قلوباً” على دين الإسلام أفواجا بـ”سلام” وبدون قتال في الجمعة الأولى من الأسبوع الأول من شهر رجب حين خص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهل اليمن بمبعوث خاص، كان أقرب الناس إلى الإسلام، وأكثر اضطلاعا بمهامه، إنه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث تذكر بعض الروايات أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصل إلى اليمن أربع مرات؛ ثلاثٌ على عهد رسول الله، وواحدة بعد وفاته ويذكر المؤرخون واصحاب السير أنه رضي الله عنه دعا همدان إلى الإسلام وأسلمت في يوم واحد.
وارتبط اليمانيون بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه مكث عليه السلام في اليمن شهورا كثيرة مكّنته لأن يقوم بالدور المفترَض به والمطلوب منه، وهو تعليم الناس بأحكام الله، وإرشادهم إلى دين الله ، وهو الدور الذي قام به أيضاً معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ولقصة الاحتفال والفرح والانتظار لهذه “الجمعة “مساحة في قلوب اليمنيين تبدأ من شغف الجدة “أم خالد ” حين ترتد ي ملابسها الجديدة في صباح جمعة رجب والتي يشتريها لها أبنها من سوق الزهراوي الذي يقع في قلب شارع تعز بالعاصمة صنعاء ويختار لها اللون الأحمر الداكن المفضل لديها ويسارع بهدوء لوضعها في خزانتها كونه يفضل أسلوب”المفاجأة السعيدة ” التي يشتهر بها بين إخوته ..
بعد محاولات متعثرة يفشل خالد في جذب انتباه والدته لتجديد أناقتها فيلجأ لأسلوب المباغتة لتقديم هديته المتواضعة التي اشتراها من سوق “المساكين” كما يطلق عليه كثير من مرتادي “الزهرواي” السوق الأكثر رخصاً وشهرة في منطقة جنوب صنعاء .
تبارك أم خالد مشاعر الود من ابنها الأكبر ومبادراته الحنونة وتدعوه للمغادرة حتى تستعد بدورها في إطلاق بعض روائح العطور والبخور في زوايا المنزل لتعلن عن مناسبة سعيدة تعودت هي وعائلتها الاحتفال بها بأبسط الأشياء نظراً للأوضاع المادية الصعبة التي فرضها الحصار الجائر والعدوان الغاشم على بلادنا.
وتقول الحجة ام خالد التي تجاوزت السبعين عاماً لـ(سبأ)” بسبب الوضع الإقتصادي الصعب الذي فرضه العدوان “السعودي الأمريكي على بلادنا لم يعد يطرق بابي الأطفال “المعودين” بملابسهم الجديدة التي يحاولون أن يلفتوا الأنظار إليها ببعض الحركات العفوية الطفولية وينتظرون دقائق لأخذ بعض العملات النقدية والمغادرة سريعاً بفرحة إقتناص” غنيمة عيد”.
وتقول أحلام ناصر(23)عاماً أن طقوس عيد “جمعة رجب” اختلفت عن السابق بسبب الأوضاع الإقتصادية إلا أنها مناسبة دينية يمنية خالصة محفورة في أذهان اليمنيين الذين يبدؤون من مطلع شهر “جماد ثاني “سؤالهم الاعتيادي “متى جمعة رجب” للاستعداد روحياً وتعظيمها بإرسال التهاني والتبريكات للأصدقاء والمقربين كوسيلة احتفال حديثة تختصر المسافات والوقت.
قصـــــة المثـــابرة…!
فيما تقاوم “أمة السلام” هجمات الشيخوخة وأمراضها وتحث أبنتها على صنع قالب حلوى وبعض المعجنات والتواصل مع أخواتها للإحتفاء بـ”الجمعة الرجبية” ، وتذكر الحجة “أمة السلام” حكايتها مع عيد رجب حين كانت تسارع لشراء ملابس جديدة لبناتها والاقتراض لكسوة بنات عمها السبع حتى لا تفوتهن فرحة العيد وتذهب لسوق باب السلام في” باب اليمن ” الشارع الحيوي الذي يعتبر شريان صنعاء و ينطلق منه العابرون والزائرون إلى كل شوارع العاصمة الرئيسية والفرعية .
وتصر بعد سنوات من الاحتفال “بجمعة رجب ” إلى الالتزام بطقوس العيد مع اختصار الجانب المالي منها والاكتفاء بالدعاء وتأجيل شراء الملابس وحلوى العيد لـ”حين ميسرة”.
في كل عيد تحجز زاوية بعيدة عن إزعاج المشاغبات الطفولية لأحفادها وقريبة من هاتف المنزل تعفيها وجع الخطوات الثقيلة التي تفرضها أمراض الشيخوخة وتستقبل بفرح الاتصالات من أقربائها تهنئهم بعيد رجب ويتمنون لها طول العمر فيما تأمل حسن الخاتمة ودائما تتوقع الحجة أمة السلام ” انه عيدها الأخير”..
قصـــة شفــــاء …!
وتحتفظ الذاكرة الشعبية اليمنية باعتقاداتها الخاصة ببركة جمعة رجب التي يخصها اليمنيين وخاصة في المحافظات الشمالية والوسطى والشرقية بالاحتفال ولبس الجديد من الثياب وذبح الذبائح ويطلقون على هذه المناسبة (كرامة رجب) أو (مَدْخل رجب) ويسود اعتقاد ان الاغتسال في جمعة رجب او قبلها يطرد الأمراض الجلدية الخطيرة مثل الحصبة والجدري المائي “المُجَعِّرة ” والجَرَب ولذلك كان الناس يحرصون على غسل أجسادهم في المواجل أو الغيول والسدود أو السقايا حتى لا يصاب أحدهم بأي من تلك الأمراض الوبائية .
واختار اليمنيون اعتقادهم بالشفاء موعد زمني لشهر من شهور التقويم الهجري ومحاكاة لقصة نبي الله أيوب عليه السلام من مرضه الذي ابتلاه الله به وسلَّطه على جسده كاملاً لسبع سنوات ونيف ظل خلالها مقبلاً على ربِّه يستغيثه ويتضرّع إليه، فرحمه ربّه ورفع عنه البلاء، في أول خميس من رجب، فاغتسل بالماء البارد فعاد كهيئته قبل البلاء بحسب الباحث فضل الجثام.
وتوثق الذاكرة التاريخية اليمنية أن اليمنيين في بعض المدن والقرى كانوا يرددون ابيات شعرية خاصة للأحتفال بجمعة رجب منها (وا كرامة أول رجب خرجني من الحصبة والمجعرة والجرب). ومن الأهازيج التي كانت المرأة ترددها وهي تغسل طفلها استعدادا للاحتفال قولها(وا صلاة النور.. واحمد المذكور.. والملائكة حضور.. تحت كل اظفور)..
قصــــة الشكر…!
اكتسب اليمنيون بقبولهم الدعوة المحمدية مميزات روحية ودينية أهلتهم للاعتزاز بجمعة رجب حيث يوضح الكتابات النقدية للدكتور يوسف محمد عبدالله المنشورة بمجلة الإكليل في عدديها الثاني والثالث لسنة1983م إن اليمنيين كانوا يميلون إلى تأليه وتعظيم وعبادة كل ماهو سماوي مثل إلة الخير والقمر والشمس وتجاهلوا العبادات الوثنية وكانوا يختارون عبادة التوحيد وبعد اعتناقهم الإسلام اندثرت تلك العبادات واختاروا تعظيم الجمعة الأولى من رجب والاحتفاء بها حمدا لنعمة الإسلام فكانوا مقاتلين أشداء وساندوا الدعوة الإسلامية في مختلف مراحلها .
كما تشير صفحات كتاب “الإكليل “أن اليمنيين خصوا المساجد للإحتفاء بمناسبتهم الدينية وتفننوا في العمارة الإسلامية وانعكس ذلك في بناء المساجد حيث ضمت مدينة صنعاء 100 جامع ليشكل الجامع ديمومة دينية والاحتفال بجمعة رجب تقليد وموروث ثقافي وديني توارثه اليمنيين الذين مثلوا نموذج ديني محافظ وفريد للتعاليم الدينية فانتج التحول الديني نحو الإسلام “العالم والفقيه والحاكم والزاهد والخطيب “في إطار مجتمع إسلامي حضري بكل أدواته من الجامع والمدرسة والسوق والمعمار.
وأنتج دخول اليمنيين الإسلام بناء العديد من المساجد حيث تزخرالجمهورية اليمنية بحسب إحصائيات سابقة لوزارة الأوقاف والإرشاد بــ 35 ألف جامع تتوزع على كل محافظات الجمهورية كمؤشر واضح على شغف اليمنيين بالدين الذي كان يشكل الجامع فيه أولى مراكز التعليم والتنويرالإسلامي .
ويعرف رَجَب بأنه الشهر السابع من السنة القمرية أو التقويم الهجري ويقال (رجب الرجل الأسد) أي شهر المهابة والرهبة كونه من الأشهر الحرم و كلمة رجب جاءت من” الرجوب” بمعنى التعظيم، كما يطلق عليه “مضر” لأن قبيلة مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب والسلم لديهم وهو ماعرف بـ” النسيء “المذكور في القرآن و قيل أن سبب نسبة شهر رجب إلى “مضر” لأنها كانت تزيد في تعظيمه.
ويحتل شهر رجب أهميته الدينية في قلوب المسلمين بسبب حدوث معجزة ” الإسراء والمعراج ” فيه وفي منتصف شهر رجب من السنة الثانية للهجرة في 623 ميلادي تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة .
القصـــــة الأخيــــرة..!!
رصدت سبأ حكاية الفرح والإنتظار وطقوس الاحتفاء بجمعة رجب ومكانتها في قلوب اليمنيين الذين يعظمون شهر رجب شهر “صيد الفوائد” ويوثق حبهم له شعراً منه:
بَيِّضْ صَحيِفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبِ بِصَالِحِ الْعَمَلِ الُمنْجِي مِنَ اللَّهَبِ
شهْـرٌ حَرَامٌ أَتَى مِنْ أَشْهُرٍ حُرُمِ إِذَا دَعَا اللهَ دَاعٍ فِيـهِ لَمْ يَـخِبِ
(سبأ)