الإتجار بالمخدرات إرهاب ناعم
تحتفي الجمهورية اليمنية وسائر دول العالم في الـ26 من يونيو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة المخدرات بهدف زيادة الوعي بالمشكلة الرئيسية التي تمثلها المخدرات، كونها أصبحت تمثل تهديدا خطيرا على المجتمع والأفراد خاصةً بعد تفاقمها وتعقد الظروف النفسية والأعباء الاقتصادية على الصعيدين العربي والعالمي.
وفي هذا الصدد تبذل حكومة الإنقاذ الوطني وكل قطاعات الدولة مجهودا كبيرا للحد من انتشار المخدرات، وما تسببه من أضرار اجتماعية وزيادة في معدلات الجريمة.. حيث أعلنت وزارة الداخلية في الرابع من يناير الماضي، أن مكافحة المخدرات بالتعاون مع مختلف الوحدات الأمنية ضبطت خلال العام الماضي ألف و246 جريمة تهريب وترويج مخدرات، وبلغ عدد المضبوطين على ذمتها ألف و365 متهما يمنيا وألف و470 أجنبياً.. وبلغت كمية المخدرات المضبوطة 75 طناً و837 كجم حشيش مخدر و28 ألف و291 قرصاً مخدراً، و264 أمبولات مخدرة إلى جانب ضبط 588 سيارة وشاحنة و101 دراجة نارية استخدمت لتهريب وترويج المخدرات.
وكشفت وزارة الداخلية خلال مؤتمر صحفي، في 24 مارس الماضي، تزامناً مع مرور ست سنوات من العدوان والحصار، عن إحصائية أمنية لأهم إنجازات خلال سنوات العدوان، من بينها أنه تم إلقاء القبض على أحد أكبر تجار المخدرات في الشرق الأوسط و80 % من أكبر قيادات عصابات تهريب المخدرات في اليمن.
وأوضحت الداخلية أن تاجر المخدرات المضبوط يدير عصابة دولية تقوم بجلب المخدرات من شرق آسيا وتهريبها عبر الأراضي اليمنية وعبر البحر إلى دول الجوار، وعن تلقيه تسهيلات من ضباط كبار في دول العدوان وتنسيقه المستمر مع قيادات عسكرية في السعودية.
كما ذكرت أن السعودية أخرجت من سجونها ثلاثة آلاف من كبار المجرمين وجندتهم ضمن عصابات منظمة لتهريب وترويج المخدرات في اليمن ومن خلالها إلى الدول المجاورة.
وفي نفس السياق ذكر مدير عام مكافحة إدارة مكافحة المخدرات العميد ماجد القايفي، في وقت سابق أن الأجهزة الأمنية ومكافحة المخدرات ضبطت منذ بداية العام 2015م وحتى مايو 2020م نحو 123 طناً و730 كيلو جرام حشيش مخدر وأكثر من 222 ألف حبة مخدرة و292 كيلو جرام هروين، وتم ضبط 3.241 جراماً من مادة الامفيتمامينات، وبلغت كمية العقاقير المخدرة الامبولات 16.694 أمبولة.. وبالنسبة لمادة الكافيين فقد بلغت الكمية المضبوطة واحد كيلو جرام، و942 جراماً.
وبلغ عدد قضايا المخدرات خلال الخمسة الأعوام الماضية 6.698 قضية ، وعدد المضبوطين 15.004 بينهم 13.337 يمنياً و1.667 اجانب.
مؤكدا أن للعدوان دور كبير في إغراق اليمن بالمخدرات خلال الأعوام الماضية، من خلال استغلال تجار المخدرات ومن يقف خلفهم من دول العدوان ومرتزقتهم الطبيعة الجغرافية للجمهورية اليمنية وتضاريسها المختلفة في عبور المخدرات.. وكذلك الشريط الساحلي الطويل لليمن، حيث يسيطر العدوان ومرتزقته على المياه الدولية والإقليمية في البحر العربي والبحر الأحمر من خلال تواجد قطعهم البحرية والسماح بدخول أطنان من المخدرات إلى المحافظات اليمنية، واستخدامها كأسلوب من أساليب الحرب القذرة على اليمن.
هذا وتحتل تجارة المخدرات المراتب الأولى بين أكثر أنواع الجريمة المنظمة انتشاراً على مستوى العالم، ولها آثار عديدة على مستوى الفرد والمجتمعات واقتصاد الدول في بعض الأحيان، وترتبط بها الكثير من أنواع الجرائم الأخرى مثل القتل والاغتيالات والخطف والاغتصاب وتشكيل العصابات والفساد.
وقد نال العديد من الدول العربية قسط كبير من الآثار السلبية لظاهرة تجارة المخدرات، فالبعض منها يعتبر مصدر لأنواع معينة من المخدرات والبعض الآخر يعتبر ممر لتجارة المخدرات الدولية، بالإضافة لانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في بعضها الآخر.
ويعتبر انتشار المخدرات والاتجار بها وترويجها وتعاطيها من أكثر الآفات خطراً على المجتمع الانساني لما تحدثه من آثار تدميرية لكل أجزاء التركيبة المجتمعية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا.
وقد تصدى المجتمع الدولي لهذه الآفة بوسائل كثيرة، من خلال عقد المؤتمرات وسن التشريعات وإبرام الاتفاقيات المؤكدة على تجريم النشاطات المرتبطة بالمخدرات (زراعة, تجارة و ترويج) والمعززة لمواجهتها والوقاية منها، كما أنشأت كل دولة الأجهزة الخاصة بمكافحة المخدرات وحرصت باستمرار على تمكينها من عملها لاختزال هذه الآفة إلى أبعد حد ممكن، كما أنشأت المراكز المتخصصة بتأهيل ضحايا التعاطي وإعادة إدماجهم بالمجتمع.
وفي رسالة بهذه المناسبة ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن الدعم المتبادل والمعلومات الموثوقة ركيزتي الجهود الرامية إلى مواجهة جائحة كوفيد-19 بفعالية وإنقاذ الأرواح.. ولا يقل عنهما شأناً التعاون وتوافر البيانات التي يمكن الاعتماد عليها واتخاذ الإجراءات المبنية على الأدلة، فجميعها يتسم بأهمية حيوية في التصدي للتحديات العديدة التي تطرحها مشكلة المخدرات العالمية ومساعي تأمين الناس وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
موضحاً أن الأمم المتحدة، وتمشياً مع الموقف الموحد الذي تتبعه إزاء السياسات المتعلقة بالمخدرات، تقوم بإثراء قاعدة الأدلة المتوافرة، من خلال تقرير المخدرات العالمي الذي يصدره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة سنوياً.
وأشار إلى أنه يمكننا معاً أن نتوصل إلى بدائل مستدامة عن زراعة محاصيل المخدرات غير المشروعة، وأن نتصدى للاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة المرتبطة به، وأن ننهض باستجابة العدالة لهذه المشكلة وبخدمات الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل لمن يتعاطون المخدرات وما يتصل بها من تدخلات وبطرق تراعي احتياجات النساء والشباب والفئات المهمشة وتحترم حقوق الإنسان.
وفي تقرير صدر عن مركز المراقبة الأوروبي للمخدرات والإدمان في سبتمبر الماضي، أن لإجراءات الإغلاق التي اعتمدتها الدول الأوروبية في مواجهة كورونا، تأثير مباشر على صحة الأشخاص وعلى انتشار تجارة المخدرات في الوقت نفسه.
وبحسب التقرير، فإن المنظمات الإجرامية ابتكرت أساليب تتواءم وإجراءات الإغلاق التي فرضته كثير من الدول، من اجل تسويق تجارة المخدرات ما بين الأفراد الأكثر عرضة عبر الإنترنت حيث ازدادت عمليات البيع بشكل مطّرد.
وبين التقرير أن الكوكايين لا يزال يمثل مشكلة كبيرة في أوروبا، حيث سجلت الكميات التي تم ضبطها من قبل المصالح المختصة في أوروبا، رقما قياسيا في 2018 حيث تم حجز أكثر من 180 طنا من الكوكايين، وتمثل بلجيكا وهولندا وإسبانيا نسبة 78٪ من مجموع عمليات المصادرة في أوروبا.
وفي تقرير المخدرات العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ذكر أن حوالي 35 مليون شخص حول العالم يعانون من اضطرابات متصلة بتعاطي المخدرات ويحتاجون إلى خدمات العلاج.
وأوضح التقرير أن ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الفرص التي يسببها وباء كورونا من المحتمل أن يؤثران بشكل متفاوت على من هم أكثر فقراً مما يجعلهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات، وكذلك العمل في زراعتها وتهريبها من أجل كسب المال.. وأن الفئات الضعيفة والمهمشة والشباب والنساء والفقراء هم من يدفعون ثمن مشكلة المخدرات العالمية.
وقالت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، السيدة غادة والي، إن الفئات الضعيفة والمهمشة والشباب والنساء والفقراء يدفعون ثمن مشكلة المخدرات العالمية.
وذكرت أنه من بين 11 مليون شخصاً يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن، نصفهم يعاني من إلتهاب الكبد الوبائي “سي” و 1.4 مليون شخصاً مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية.
إضافة إلى ذلك فإن شخصاً من كل ثمانية أشخاص يحتاجون إلى علاج مرتبط بالمخدرات، وأن وشخصاً من بين كل ثلاثة متعاطين للمخدرات إمرأة، إلا أن النساء يمثلن شخصاً واحداً فقط من بين كل خمسة أشخاص يتلقون العلاج.
وبالنظر إلى الآثار السلبية لظاهرة تجارة المخدرات وإدمانها وما قد يترتب عليها من نتائج مدمرة على مستوى الفرد والمجتمع، فمكافحتها تحتاج لجهود على كافة الاصعدة بهدف تجفيف مصادرها وفرض القيود على حركتها وخاصة بين الدول، بالإضافة لتحصين المجتمع منها، وتطبيق العقوبات على كل من يعمل بها سواء بالزراعة أو التجارة أو التهريب أو الترويج.
ويمكن تلخيص آليات مكافحة الاتجار بها من خلال إنشاء الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحتها وتجارتها، وتلقي العاملين في هذه الأجهزة تدريبات تؤهلهم لمعرفة أنواع المخدرات وطرق تهريبها ووسائل ترويجها، ووضع الخطط المناسبة للقبض على العاملين بها.
وكذا إصدار القوانين التي من شأنها منع مرور وتجارة المخدرات وترويجها على المستوى المحلي والدولي، وفرض قيود على زراعة المواد التي تستخرج منها المخدرات، وإنزال العقوبات على المخالفين.. وكذا تفعيل دور المؤسسات الصحية في مكافحة تجارة المخدرات كالمشافي والمراكز التأهيلية والمصحات المختصة بعلاج الإدمان وآثاره وأعراضه، ودعم هذه المؤسسات وتشجيع المدمنين على تلقي العلاج فيها، ورفدها بالكوادر المختصة في علاج حالات الإدمان.
بالإضافة إلى الوقاية والتوعية بأضرار تجارتها من خلال نشر الدعايات حول آثار تعاطي المخدرات الصحية والتعريف بمضارها الصحية والنفسية والاجتماعية، والإرشاد إلى المراكز التي تعالج من الإدمان، وإقامة مؤتمرات وندوات ومحاضرات جامعية ومدرسية وإعلامية للتوعية في هذا المجال.
هذا وقد عرفت المخدرات منذ القدم وتناقلت بين الحضارات المختلفة، إذ ظهرت في الأساطير المختلفة وعلى جدران المعابد والمقابر، وظهرت المخدرات منذ آلاف السنين في الحضارات القديمة، إذ روي عنها في الحضارة الصينية والإغريقية وحتى في الحضارة المصرية القديمة، ومن أهم أنواعها في العالم، المخدرات الطبيعة وهى أنواع من النباتات التي تؤثر بأشكال مختلفة على الإنسان ومنها نبات القنب الهندي والذي عرفه الصينيون في سنوات ما قبل الميلاد، وانتقل إلى قدماء الإغريق والرومانيين، ثم نُشر بعد ذلك في بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كذلك نبات الخشخاش الذي ظهر منذ سبعة ألف سنة قبل الميلاد في آسيا الوسطى، وانتقل منها إلى دول العالم المختلفة، كما عرفه القدماء المصريون في العام 4000 قبل الميلاد إذ استخدموه في تخفيف الآلم، أيضاً عرفه السومريون في عام 3300 قبل الميلاد.
بالإضافة إلى نبات الكوكا والذي عرف في البداية في أمريكا الجنوبية منذ ألفي عام تقريبًا، وانتشر استخدامه بين هنود الأنكا، وتمكن العالم ألفريد نيمان من عزل المادة الفعالة في عام 1860 ميلاديًا، ثم بدأ ينتشر بعدها كدواء منشط للجهاز العصبي المركزي بين دول العالم.
يذكر أن سبب إحياء اليوم العالمي لمكافحة المخدرات يعود إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 112/42 الصادر في 7 ديسمبر 1987، وتخصيص يوم 26 يونيو من كل عام لمكافحة المخدرات، لما تسببه من أخطار صحية وأحيانا تصل إلى الجريمة بكل أنحاء العالم، والعمل على تعزيز التعاون الدولي لتحقيق هدف إيجاد مجتمع دولي خال من المخدرات.
المصدر: مركز البحوث والمعلومات