من المؤسف جِـدًّا أن يجهل الكثير من الأمتين العربية والإسلامية أهميّة إحيَــاء مناسباتنا الدينية وتعظيم رموزها العظماء سواءً في بلدنا أَو في البلدان العربية والإسلامية، ومن المؤسف أكثر أن نجدهم لا ينأون عن التعاطي الإيجابي معها فحسب، بل يتحَرّكون ضد إحيَــائها بكل جهدهم وطاقاتهم وبمختلف الوسائل المتاحة لديهم، لدرجة أن يصلوا في محاربتها إلى وصفها بالبدعة وتسميتها بالطائفية والمستوردة والدخيلة على مجتمعاتنا، وفي ذات الوقت نراهم يندفعون لإحيَــاء معظم مناسبات أعداء الأُمَّــة الدينية والاجتماعية والثقافية بشكل عجيب وهي المناسبات المنحرفة والمستوردة والدخيلية والغريبة عنا وعن موروثنا السوي وثقافتنا الحصينة!! فهل يعون حقاً خطورة مواقفهم هذه والنتائج المترتبة عليها؟ أم لا؟ وهل تساءلوا في أنفسهم عواقب إحيائهم لمناسبات أعدائهم، وعواقب حربهم لمناسباتهم الدينية؟ ألا يدركون أنهم بمواقفهم هذه تحولوا إلى جنود لأعدائهم لمحاربة دينهم وتغييب رموزهم عن واقعهم واستبدال هُــوِيَّتهم وثقافتهم بهُــوِيَّة وثقافة أعدائهم، وتدمير مكامن قوة مجتمعاتهم، وتدجين أجيالهم وَتسهيل نجاح مؤامرات أعدائهم! مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أزكى صلوات الله وعلى آله، على سبيل المثال ستحل علينا خلال الأيّام القادمة، ومثل كُـلّ عام لن يتم إحيَــاؤها رسميًّا وشعبيًّا وبالشكل اللائق سوى من شعبنا اليمني وفي المحافظات الواقعة تحت سلطة صنعاء فقط، أما في بقية الدول العربية والإسلامية فستمر مرور الكرام باستثناء جموع شعبيّة محدودة في دولتين أَو ثلاث دول، وهذا أمر محزن جِـدًّا ومأساة تدمي القلوب، ذلك؛ لأَنَّ الواقع الذي تعيشه شعوب الأمتين العربية والإسلامية وأحداثه المتلاحقة تؤكّـد بأنه لم يعد أمامها من مخرج لها من هذا الوضع المخزي والمزري إلا بالعودة الصادقة إلى التمسك برسولها والاقتدَاء به وإلى التمسك بكتابها والعمل بمقتضى توجيهاته، فرسول الله وكتاب الله هما الركنان الجوهريان القادران على توحيد الأُمَّــة ولم شملها وتسديد مسارها وهذا هو الخيار الوحيد والمتاح أمامها، وبدون هذين الركنين يستحيل أن تقوم لها قائمة أبدا، والعودة إلى رسولها يبدأ من حبه وتعظيمه وإجلاله وتكريمه والاعتزاز به والتفاخر بشخصيته من خلال مواقف عملية تعكس للعالم أن الروح المحمدية مقيمة في نفس كُـلّ مسلم وهي من تحَرّكه وتحدّد مساره واتّجاهه وتثير دوافع انطلاقه نحو غاياته، ولا شك أن إحيَــاء ذكرى مولده الشريف إحيَــاء مشرفاً وعظيماً يليق بمقام رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- أنسب مناسبة وأفضل مناسبة للانطلاق العملي والتجسيد الفعلي للتعبير الصادق عن حبه ومودته، وحبه ومودته هي الوسيلة لتوحيدهم واتّحادهم حوله، ومتى ما التفوا حوله، تحَرّكوا بحركته القرآنية واجتمعوا تحت ظلال التوجيه القرآني، وهذا هو ما يخاف منه أعداء الأُمَّــة ويرعبهم وهو ما دفعهم إلى منع تحقّقه بأي ثمن سابقًا ولاحقاً، ولذلك سخّروا لأجله كُـلّ طاقاتهم وإمْكَانياتهم؛ بهَدفِ طمس معالم إحيَــاء هذه المناسبة وأساليب إحيائها في كُـلّ الدول العربية والإسلامية ولا زالوا. ويكفي المستبصر دليلاً على ذلك أن يتأمل في موقف الكيان الصهيوني وصدمته المروعة من إحيَــاء الشعب اليمني لذكرى المولد النبوي وتدبر ما قاله عن المناسبات السابقة وما سيقوله في مناسبة هذا العام، ليتأكّـد ويتيقن أن هذا الموقف يغيظ اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين في مشارق الأرض ومغاربها وكلّ فعل يغيظ أعداء الله فهو جهاد في سبيله، ومعلوم أن الجهاد سنام الإسلام وهو واجب شرعي وأمانة يجب أن تؤدى من كُـلّ مسلم.