(( الأم الشهيدة مع ولدها ))
عين الحقيقة / كتب /أحمد عقبات
” علي” إبن هذه الأم الشهيده ..
جاءت إليه أمهُ ليعطيها قليل من القات ،
سألها : أين ستذهبين ؟
اجابته : سوف أذهب إلى بيت العزاء يا ولدي .
قال لها : حفظك الله يا أمي الحبيبة .
خرجت الأم من منزلها وهي تسبح الله على لسانها وفي داخل قلبها شغف للوصول إلى مجلس العزاء لكي تأدي واجبها في تقديم العزاء والمواساة لأهل الميت .
وصلت الأم إلى بيت العزاء وقامت بالسلام وقراءة الفاتحة على روح الميت ومن ثمّ جلست وأخذت بالحديث مع بقية النساء .
لم تكن تعلم بأنها في آخر لحظات حياتها ولم تفكر قط في أن أي مكروه سيمسها كونها في مكانٍ آمن ومحال أن يصل إليه أي تفجيرات أو مشاكل .
كانت طائرات العدوان تحلق فوق رؤوسهن ومع ضجة الحديث لم يسمعن شيء .
فجأةً
ألقت الطائرات الحاقده صواريخها على مجلس العزاء
ماهي إلا ثواني بعد وصول الصاروخ حتى انقطع الصوت وعمّ الصمت وانتهى الضجيج وحلّت الكارثة وبدأت المأساة وخيّم الحُزن واكتملت الفاجعة .
انطوى الفرح وانتهت السعادة وقُطعت الأحلام وخابت الآمال وأُغلقت الأمنيات وازداد العزاء عزاءً والكربة كربةً والحزن حُزناً .
خرجوا أهل القرية جميعاً ومن بينهم ” علي ” وهم كالصرعى من هول الفاجعة وأخذوا بالجري إلى مكان الجريمة .
كانت الأصوات الباكية الشحبه والحزينه ترتفع وكان الجميع يصيح وكل واحد منهم يبحث عن نسائه فذاك يبحث عن ابنته وهذا يبحث عن أمه وذاك يبحث عن زوجته وهذا يبحث عن أخته والبعض كان يبحث عن جميع أفراد عائلته ، بينما كان ” علي” يبحث عن والدته .
هبّ ” علي ” وبقية المسعفون ليقوموا بواجبهم وربطوا على قلوبهم بالسلاسل ليتحملوا مايرونه من مناظر مخيفة وبشعه .
كانت الأنقاض تعلوا الجثث وكانت الدماء تغطي الحجاره وكانت الأرواح تتصاعد إلى بارئها ورائحة الحريق تطفوا .
كان ” علي ” والمسعفون يبحثون بين وتحت الأنقاض فوجدوا الاشلاء مترامية والرؤوس بعضها مفصولة عن الجسد والجثث محروقه والبعض منهن مازال حياً .
” علي” كان يبحث عن والدته مثله مثل البقية ويتفحص الجثث لكي يتعرف على والدته .
بينما هو يبحث عن والدته كانت دموعة تتساقط بغزارة وكان يدعوا الله بأن تكون أمه على قيد الحياة .
واصل البحث حتى وجدها واخرجها من تحت الأنقاض وقلبه يقطر دماً وصَدمهُ هول الموقف فوضعها على حضنهِ وقد تغيرت ملامح وجهها وأخذ يحركها ويناديها علّها تجيبه أو ترد عليه أو حتى تفتح عيناها ولكن دون جدوى .
فجأة صاح ” علي ” بصوتٍ عاليً حتى سمعهُ أهل السماء قائلاً ” ماتت أمي ” حينها صمت كل الذي كانوا بجانبه واستجابت لهُ السماء قائلةً ” إن الله ليس بغافلاً عما يعمل المجرمون ” فنزل على قلبه الصبر والهمهُ الله السلوان .
بعد أن ظلت في حضنه لحينٍ من الوقت ولم يصدق بأن والدته قد توفت ،
قام ” علي ” وأخذ يحمل أمه على يديه ويمضي إلى منزله ليكفنها ويجهز لقبرها ،
بينما هو يسير في الطريق كان يتذكر أمه التي أرضعته وربته وتعبت عليه ويتذكر الماضي كله واللحظات الجميلة ودموعه تتساقط على جسدها ويديه ترتجفان واعصابهُ قد انهارت .
وصل ” علي” إلى منزله وهو يحمل أمه على يديه بينما كان أطفاله ينتظرون بشوق لعودة جدتهم الذي وعدت بأن تشتري لهم ” الشكلاه ” عند عودتها ،
لم يكن يعلم الأطفال بأن المجرمون حالوا دون تنفيذ وعد جدتهم لهم .
أسرع الأطفال إلى أبيهم لينظروا إلى جدتهم ، فرأوها ممتلئة بالدماء والغبار على رأسها ووجهها وملابسها قد مزقت فقاموا بالبكاء وارتموا في حضن جدتهم الطيبه والحنونه ، فنسوا ” الشكلاه” الذي كانوا ينتظرون لها .
سأل الأطفال أبيهم : من قتل جده يا بابا ؟؟
فأجابهم بحرقة : قتلها سلمان المجرم يا أطفالي .
(( بالنسبة لي عندما سمعت الخبر كان صاعقاً وعندما رأيت الصورة تأثرتُ بشده وحين جئت لأكتب تأثرتُ أكثر ))