الأمم المتحدة “مُخرج” خلف الكواليس :أمريكا وبريطانيا “تشعلان” معاناة اليمنيين بالوقود
تتواصلُ أزمةُ المشتقات النفطية جراء استمرار الحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي على سفن الوقود، مخلِّفَةً معها أزمةً إنسانية كبيرة، حَيثُ ارتدت الأزمة التي تديرها أمريكا وبريطانيا على القطاعات الحيوية الأَسَاسية والهامة كالصحة والبيئة وغيرها، في حين ضاعفت من معاناة الشعب اليمني بارتفاع الأسعار وأجور النقل والمواصلات، والكثير من المعاناة التي أفرزتها الأزمة الخانقة.
وعلى وقع ما تعيشه اليمن واليمنيون من ظروف عصيبة جراء الحصار والقرصنة، تسلط صحيفة “المسيرة” الضوءَ على تداعيات الأزمة وخلفياتها وأسباب نشوئها، وذلك بناء على الأحداث والمجريات، وما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقدته شركة النفط اليمنية، الخميس الماضي، في العاصمة صنعاء تحت عنوان “واردات الوقود بين مطرقة القرصنة البحرية وسندان التكاليف الإضافية للاستيراد عبر الموانئ الأُخرى”.
ومن خلال ما جاء في المؤتمر يتأكّـد للجميع أن الوقود بات ورقة حرب أَسَاسية في جعبة تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، كمحاولة لإركاع الشعب اليمني بعد فشل كُـلّ الإجرام المرتكب بحق الشعب طيلة سبع سنوات في أن يعطي المعتدين أيَّ مكسب على حساب الحقوق المشروعة للشعب اليمني، ليفتح العدوان وأدواته باباً جديداً من الحرب تستهدف المواطن اليمني، حَيثُ جعل من مسألة الحصول على الوقود أمراً في غاية الصعوبة، فضلاً عن عجز معظم المحتاجين في الحصول عليه؛ بفعل ارتفاع أسعاره الباهظة التي فرضتها الظروف الصادرة عن مطابخ العدوان وأدواته على امتداد الرقعة الجغرافية اليمنية.
العدوان وأدواته يشعلون أسعار الوقود.. مصاعب مضاعفة أمام المواطن
شهدت أسعار المشتقات النفطية خلال الفترات الماضية، خُصُوصاً الفترة الأخيرة اشتعالاً كَبيراً في أسعار المشتقات النفطية، ويعود الأمر لسببين رئيسيين، الأول قرصنة السفن الواصلة عبر ميناء الحديدة، حَيثُ تصل مدة الحجز لكل سفينة عدة أشهر، وتستهلك معها غرامات إضافية جراء الاحتجاز يتحملها المواطن اليمني بواقع 20 ألف دولار عن الليلة الواحدة من الاحتجاز، في حين يتجسد السبب الثاني في الاستيراد عبر ميناء عدن ومختلف الموانئ المحتلّة، والتي بدورها تشهد ارتفاعاً مضاعفاً في أسعار الدولار الجمركي، فضلاً عن الإتاوات الباهظة التي تفرضها سلطات المرتزِقة وعصاباتها المسلحة الممتدة عبر عدة محافظات، على ناقلات النفط براً.
وحسب ما طرحه المدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية، المهندس عمار الأضرعي خلال المؤتمر الصحفي، أن الشعب اليمني تكّبد خلال 2021 م خسائر اقتصادية كبيرة “فارق قيمة الوقود” بما يزيد عن 600 مليون دولار، فيما وصلت الخسائر غير المباشرة إلى أكثر من ستة مليارات دولار، وهي مبالغ تفوق المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة بأضعاف، وكلّ ذلك جراء القرصنة الأمريكية على سفن المشتقات وما يترتب عليها من غرامات تثقل كاهل المواطن، مُشيراً إلى أن أبناء الشعب اليمني حُرموا من انخفاض أسعار المشتقات النفطية أثناء انخفاض السعر العالمي للوقود خلال الفترة الماضية، نتيجة استمرار الحصار والعدوان واحتجاز سفن الوقود ومنعها من الدخول إلى ميناء الحديدة، وهنا أحد الأسباب التي تفسر سر ارتفاع أسعار المشتقات الواردة عبر ميناء الحديدة، والتي تشرف على تسويقها شركة النفط اليمنية.
أما في الجانب الآخر من الأزمة، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية المباعة في المحطات التجارية التي تعتمد على إدخَال الوقود من المحافظات المحتلّة، والواردة عبر ميناء عدن وباقي الموانئ الأُخرى التي يديرها العدوان، فقد بيّن الأضرعي أن الحصول على الوقود عبر الموانئ المحتلّة تزيد كلفته بنحو 50 بالمِئة عن المستورد عبر ميناء الحديدة، مُشيراً إلى أن مرتزِقة العدوان يفرضون رسوماً إضافية وإتاوات وجبايات غير قانونية وغير مشروعة في أسعار بيع المشتقات النفطية للمواطنين، وصلت إلى أكثر من 200 مليار ريال ولم يقوموا بدفع مرتبات موظفي القطاع الحكومي.
وأوضح الأضرعي أن سعر الدبة الواحدة من البنزين سعة “20 لتراً” عند وصولها إلى ميناء عدن يصل إلى 8400 ريال ويضيف عليها مرتزِقة العدوان 6300 ريال إتاوات غير مشروعة، بينما تكلفة سعر الدبة الواحدة التي تصل إلى ميناء الحديدة لا تتجاوز 10500 ريال شاملة لتكاليف النقل وبسعر موحد في كافة محافظات الجمهورية، عند سعر البورصة للبرميل 102 دولار.
وكشف الأضرعي أن ملياراً و800 مليون ريال جبايات يومية غير مشروعة يتحّصل عليها مرتزِقة العدوان ويتكبّدها الشعب اليمني، لافتاً إلى أن ناقلة الوقود تقطع مسافة 1300 كيلومتر في طريق طويل محفوف بالمخاطر ونقاط مسلحة وجبايات لصالح المرتزِقة حتى تصل للمناطق الحرة، ما يضيف أعباء على أسعار الوقود ويتحملها المواطن اليمني، وهو الأمر الذي يؤكّـد أن العدوان وأدواته يلعبون على عامل ارتفاع أسعار المشتقات، سواء عبر ميناء الحديدة أَو عبر الموانئ المحتلّة، وذلك لمضاعفة معاناة اليمنيين.
ولم يكتفِ المرتزِقة ومحركوهم عند هذا الحد من النهب والعمل على إثقال كاهل الشعب، بل امتد النهب في هذا المسار إلى سرقة كُـلّ الإتاوات وحرمان المواطن من الاستفادة منها على أقل تقدير، كما كان يستفيد موظفو الدولة من جمارك النفط الوارد عبر الحديدة بصرف مرتبات وفق الإمْكَانيات المتاحة، حَيثُ يؤكّـد الأضرعي أن ما قيمته 165 مليون دولار شهرياً من عائدات النفط الخامّ يتم نهبُها من قبل المرتزِقة لصالحهم الخاص.
وأمام كُـلّ هذه المعطيات يعاني الشعب اليمني كَثيراً جراء ارتفاع أسعار المشتقات بفعل الأسباب المذكورة سلفاً، حَيثُ انعكست الأزمة على ارتفاع كُـلّ الأسعار جراء تضاعف أجور النقل والمواصلات، في حين وجهت هذه الأزمة التي تديرها أمريكا وبريطانيا وعملاؤهما، ضربة موجعة للمرضى اليمنيين المحاصرين، حَيثُ تدهورت الخدمات الصحية بنسبة 50 %، فضلاً عن توقف أقسام طبية هامة خَاصَّة بالسرطان والغسيل الكلوي ومختلف الأمراض المزمنة والمستعصية، فيما تعاني مختلف القطاعات الحيوية الأُخرى من تهديد بالتوقف، وهو ما قد يجعل من استمرار الأزمة إنذاراً بكارثة إنسانية واسعة، تبحث عن تحقيقها دول العدوان وأدواتها ورعاتها.
العدوان مُصِرٌّ على “إحراق” الشعب بالوقود.. الأمم المتحدة راعٍ “رسمي”
وما يؤكّـد أن العدوان يسعى لتوسيع معاناة اليمنيين في كُـلّ المحافظات سواء المحتلّة أَو الحرة، يبين المدير التنفيذي لشركة النفط أن العدوان مصر على استمرار الحصار والأزمة، وذلك من خلال تشديد القيود على سفن الواردات النفطية رغم حصولها على تصاريح أممية مسبقة، مبينًا أن الأمم المتحدة ربطت تصاريح دخول السفن بموافقة تحالف العدوان والقطع البحرية التابعة له والمتواجدة في البحر، وهو الأمر الذي يؤكّـد انسجام الأمم المتحدة مع كُـلّ أعمال الحصار والقرصنة التي تفرضها دول العدوان بقيادة أمريكا وبريطانيا، ما يجعل من المنظمة الأممية شريكاً أَسَاسياً في كُـلّ المعاناة التي يكابدها الشعب اليمني.
وأشَارَ عمار الأضرعي إلى أن هناك الكثير من العراقيل التي يضعها تحالف العدوان أمام واردات المشتقات النفطية إلى اليمن رغم أن الوقود سلعة حيوية مهمة وضرورية لكافة القطاعات الخدمية، متطرقاً إلى أن أعمال القرصنة البحرية على سفن الوقود تضاعفت منذ منتصف العام 2021م في البحر الأحمر لمنع دخولها إلى ميناء الحديدة، على مرأى ومسمع من العالم أجمع من قبل القطع البحرية التابعة لقوى دول العدوان الأمريكي –السعوديّ-الإماراتي.
وأفَاد بأن نسبة السفن التي تم الإفراج عنها خلال العام 2020، لا تتجاوز 45 بالمِئة من إجمالي الاحتياج الفعلي، في حين منع تحالف العدوان خلال 2021م عندما اشتدت القرصنة على سفن الوقود، ما نسبته 95 بالمِئة السفن من الدخول إلى ميناء الحديدة ولم يُفرج سوى عن خمسة بالمِئة من احتياج اليمن من الوقود، ما يؤكّـد أن العدوان يستخدم سلعة الوقود وتسييسها ضمن أدواته لتجويع أكثر من 25 مليون يمني، على مرأى ومسمع من العالم، وبشهادة الأمم المتحدة التي تعترف بتصاعد الأزمة ولا تقر بأنها ضالعة فيها.
وبيّن المدير التنفيذي لشركة النفط، أنه في الوقت الذي تتواجد فيه سفن المشتقات النفطية في الغاطس بموانئ المحافظات الواقعة تحت سيطرة العدوان، إلا أن تلك المناطق تشهد أزمة وقود خانقة، وهو ما يؤكّـد أن العدوان يسعى لتوسيع الرقعة الجغرافية التي يعاني فيها اليمنيون أشد المعاناة، سواء في المحافظات الحرة أَو المحافظات المحتلّة، دون أي مبرّر سوى مساعيه الواضحة لخنق الشعب.
وفي ذات السياق، أوضح مدير شركة النفط للمسيرة في رده على سؤال خلفيات الدور الأممي في الأزمة، حَيثُ قال “نفذنا أكثر من 700 وقفة أمام الأمم المتحدة لتقوم بواجبها للضغط على العدوان للسماح لدخول المشتقات النفطية إلَّا أنها إلى اليوم لم تتجاوب وسنستمر في مخاطبتها ومن ثم مكاشفة الإعلام بالرسائل”، وهي إجَابَة تؤكّـد أن الأمم المتحدة تحمل نفس الإصرار الذي يحمله تحالف العدوان لمحاربة الشعب اليمني عبر سلعة الوقود.
وَأَضَـافَ الأضرعي “ما يصرخ العالم منه الآن نتيجة ارتفاع أسعار النفط، نحن نصرخ منه منذ عامين ولا تدخل سفينة الوقود إلَّا بعد تكبدها 60 % إلى 80 % غرامات”.
كارثةٌ وشيكةٌ بإدارة أمريكية بريطانية مباشرة
ومع وجود كُـلّ الشواهد التي تثبت تورط لندن وواشنطن في الحصار المفروض على سفن المشتقات، يؤكّـد المدير التنفيذي لشركة النفط أن أمريكا وبريطانيا تتولى إدارة السياسة الممنهجة لقرصنة سفن المشتقات النفطية لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، محملاً قوى العدوان والأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عمًا ستؤول إليه الأوضاع والكارثة الإنسانية، نتيجة استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية ومنع دخولها إلى ميناء الحديدة.
وحذّر من تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد جراء استمرار تحالف العدوان في فرض الحصار وعدم السماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى البلاد، داعياً الأمم المتحدة إلى الاضطلاع بمسؤولياتها في الإفراج عن السفن المحتجزة.
وتطرق إلى الأوضاع المأساوية والمتردية التي يعيشها أبناء الشعب اليمني في ظل الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع معدلات الفقر ونقص في الأمن الغذائي، مُضيفاً “نحن أمام صدمة ارتفاع أسعار البورصة عالميًّا، ناهيك عن العدوان والحصار والقرصنة البحرية”.
من جانبه، أشار متحدث شركة النفط اليمنية عصام المتوكل، إلى أنه في حال تم فتح ميناء الحديدة، فَـإنَّ الشركة في صنعاء على استعداد لتوحيد سعر الوقود لجميع المواطنين في كافة محافظات الجمهورية.
وطالب المتوكل بالسماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، مؤكّـداً استعداد الشركة بيع تلك المشتقات بسعر موحد من الحديدة إلى المهرة.
وحمًل تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة إزاء تفاقم الوضع الإنساني في اليمن جراء استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية وتوقف معظم القطاعات الحيوية والخدمية عن تقديم خدماتها للمواطنين، فيما استعرض الخارطة التي تقطع من خلالها ناقلات النفط من المحافظات المحتلّة، والتي تمتلئ بـ”الأشباح” والعصابات التي تنفذ أجندة العدوان من خلال فرض كُـلّ الرسوم التي من شأنها إثقال كاهل المواطن.
ومن خلال كُـلّ المعطيات يتبين للجميع أنه لا يوجد أي طرف يمكنه فك الأزمة، سوى التعويل على خيارات الرد والردع للقوات المسلحة اليمنية، لا سيَّما أن الوسطاء الدوليين بمن فيهم الأمم المتحدة ومنظماتها باتت أحد السياجات الواضحة في الحصار، وهو الأمر الذي يؤكّـد تصاعد عمليات الرد والردع في عمق دول العدوان، كرد مشروع على المعاناة التي يكابدها اليمنيون بنيران الحصار.
صحيفة المسيرة