الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية .. كريات الدم البيضاء المقاومة لفيروسات التكفير والفوضى
صحيفة الحقيقة/ خاص /جميل أنعم العبسي
الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية، الأخطبوط المرعب في المعادلة الأمنية الداخلية، وسلاح فتاك لأي تحركات مشبوهة تهدف لزعزعة الأمن والإستقرار، وبخلاف ما هو طبيعي أو معتاد في ظل ظروف “حرب مفتوحة” وترصُّد من الأعداء لضرب الداخل أمنياً واستهدافه، فكيف تم ذلك؟.
التغلب على عوامل الإختراق والإنتقال من “فأر” مُطارد إلى “أسد” مرعب
الجميع يتذكر كيف كانت المجاميع التكفيرية الإرهابية تعيث فساداً في المدن والأرياف، قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، وكيف كانت منشأة سيادية بحجم “وزارة دفاع” –بجلالها قدرها ورمزها- كما يقال، معرضة لهجوم وإشتباك يطول لساعات مع عناصر التكفير والمرتدية في الغالب لزي الأمن في الدولة، ما جعل العناصر التخريبية صاحبة اليد الطولى في التخطيط والتنظيم والضرب في قلب ودماغ الدولة وتعريضه لمخاطر تهدد وجوده، وتنفيذ عمليات إغتيال في وضح النهار وفي ساحات مليئة برجال الأمن والحركة والمواطنين.
فعندما نقيس مستوى الأمن في الدولة، نقيس الهدف المرصود من ثعابين الغدر والمكر، وفي ذهن أي شخص يتبادر له أن الهدف الأسهل عادةً ما يكون مسجد أو سوق، لإنعدام قوى الأمن فيه، ولأن الضحايا فيه “عزّل من السلاح”، هذ الأهداف لم تكن قبل 21 سبتمبر موجودة لأنها أهداف لها مستوى أقل من أهداف حساسة، أما المستوى الأعلى كان في قلب الدولة “وسط العاصمة ومناطق حيوية ومنشئات حيوية بل واستراتيجية وأمنية في المقام الأول “بحجم وزارة دفاع لدولة”، وما تحمله هذه الأهداف الحساسة المختارة من دلالات عميقة في العلوم الأمنية، وتشير بجلاء إلى كارثية الوضع الأمني، إذ أصبح الوضع الأمني منهار ومدمر بالكامل، بل أن تقييم الأمن في الدولة سيدخل في تصنيف “المدمر والمنتهي، فإذا كانت وزارة دفاع معرضة لهجمات وخطر، فما بالنا بمساجد ومواطنين، هكذا كان الوضع والتقييم الأمني لما قبل ذلك التاريخ.
وما بعد هذه التاريخ بفترة إلى تاريخ الـ 21 من مارس إرتفع مستوى الأمن درجة مع دخول اللجان الشعبية، وفرار إرهابيين من الدولة، واكتشاف أوراق ووثائق ومعلومات خطيرة تثبت تورط أعلى هرم في السلطة حينها من شخصيات سياسية وعسكرية بإختراق الأمن وتدميره، لذلك رأينا إنتقاء الأهداف الأقل حساسية، في تلك الفترة كالمساجد، وشخصيات سياسية بعمليات إغتيال.
وفي تلك الفترة تحديداً بإمكاننا إستحضار خريطة لرؤية الأهداف المنتقاه، سنراها تقل حساسية عن الأهداف المنتقاه في المناطق التي لم يصلها اللجان الشعبية بعد، كمعسكرات وسجون المحافظات الجنوبية.
عهد الأمن والأمان بسواعد الشرفاء والمخلصين
بقيادة المخلصين والشرفاء في الأجهزة الأمنية ودخول هامات وطنية سيخلدها التاريخ للسلك الأمني اليمني، كالشهيد البطل “أبو حسن المداني” رحمه الله، والمجاهد اللواء “عبدالله الحاكم” إنتقل مستوى الأمن إلى مستويات عالية، فقدت فيها التنظيمات التكفيرية والإجرامية القدرة العملياتية على تنفيذ مخططاتها، وأصبحت خجولة للغاية ولا تكاد تظهر، حتى أعتى رؤوس التكفير أصبحوا مدركين لمدى رعب هذه الأجهزة الأمنية التي إتحدت مع اللجان الشعبية وأضافت إضافة نوعية للسلك الأمني، وانتقل بذلك المستوى الأمني من وضعية “الفأر” المطارد من ثعابين الغدر والمكر، إلى “الأسد” المرعب والفتاك، مكَّنها من نسج خيوط فجر اليمن الآمن بعون الله سبحانه وتعالى.
في هذه الحرب المعقدة، وفق المؤشرات والأوضاع الداخلية، وتربص الأعداء، شكلت الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية، سياج حديدي منيع، عزل المجاميع الإرهابية التخريبية عن بعضها، وأفقدها القدرة العملياتية في لعب الدور التخريبي، واتحاد أجهزة الأمن مع اللجان الشعبية جمعت عناصر الكفاءة والقدرة والخبرة والتجربة والإرادة وفق تحرك وشعور بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، من المخلصين والأوفياء في هذا البلد، وتمكنوا من صيانة الجسد اليمني في المدن والأرياف، مشكلين مناعة طبيعية، تحمي الشعب والوطن من مخاطر لا سمح الله “كارثية ومدمرة”، تماماً مثل كريات الدم البيضاء في جسم الإنسان التي تهاجم الجراثيم والفيروسات الغازية بجسم الإنسان دون أن يدرك أو يشعر أو يعرف الإنسان بهذه الجراثيم والفيروسات، فـ كريات الدم البيضاء تقوم بوظيفتها المناعية الطبيعية، وكذلك الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية، عمل بصمت ومسؤولية وتحرك جاد، ومثابرة بتكامل مثالي، وكان عند مستوى المرحلة.
تشير إحصاءات وزارة الداخلية لعامين من العدوان، من 26 مارس 2015م، إلى 13 مارس 2017م، إلى أرقام مخيفة بلغت 7663 ألف إنجاز أمني، توزع بين عمليات ضبط لخلايا وعناصر مرتبطة بالعدوان، وعبوات ناسفة ومتفجرات تم العثور عليها وتفكيكها قبل أن تنفجر، وحالات ضبط مطلوبين في قضايا جنائية “قتل، نهب، قطع طريق، تزوير، سرقة ..الخ”، وضبط مواد وأدوية منتهية الصلاحية، وضبط مسروقات تم إعادتها إلى أهلها، وحالات ضبط حشيش ومخدرات وخمور.
فيما كان الجناح الإستخباري هو دماغ الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية، إلى جانب الحس الأمني والخبرة في التعامل مع المشبوهين والتحركات والمعلومات وتحليلها وجمعها ورصدها، أما الجناح الإعلامي، فقد إنفرد “الإعلام الأمني” بتكوين مدرسة حربية وعسكرية منعزلة عن الإعلام الحربي، وواكب عمليات حرجة وتحقيقات، بعضها عُرِضت وبعضها متروك للوقت والزمان المناسبين، أو لتصبح تأريخ مؤرشف ورصيد نضالي يُدرَّس ويشهد على رجال سهروا وكابدوا المتاعب متقفين أثر الثعابين وطاردوها إلى أوكارها مستأصلين شأفة العمالة والإرتزاق والغدر والخيانة من أرض الوطن.
إذن عمل جبار وجهد مشهود، مكَّن المواطنين في العاصمة والمدن والأرياف من ممارسة حياتهم الطبيعية، في ظل عدوان وأعمال تخريبية ممنهجة يُرصد لها موازنات مالية ضخمة من دول العدوان السعودي الأمريكي لضرب الداخل بالفوضى الشاملة.
تحديات صعبة وإرادة لا تعرف المستحيل
لاشك أن منعطفات التحدي لأي فريق تمر بمراحل حرجة، وهناك كان الإختبار الحقيقي لقدرات فريق الأجهزة الأمنية واللجان الشعبية، التي أثبتت جدارتها بإستحقاق في الفترة الماضية، خصوصاً نهاية الاسبوع المنصرم وإلى اليوم، أدارت الأجهزة الأمنية الأوضاع بكفاءة واقتدار، وتمكنت من تأمين مهرجانات للمواطنين واعتصامات للقبائل في رقعة جغرافية واسعة، وأعداد كبيرة جداً من المشاركين، ما يزيد من المهام تعقيد وصعوبة، وفي أجواء عاصفة من التوترات والتحركات المشبوهة.
وأحبطت تسلل إنتحاري قادم من محافظة حجة لإستهداف ميدان السبعين، وأحبطت مؤامرة في العاصمة صنعاء عن طريق طابور خامس أو أطراف مندسة ومشبوهة لضرب الصف الداخلي، وسط أجواء من المشاحنات والضغط الإعلامي الهائل من مطابخ العدوان، تحديات جبارة وعقبات كبيرة تغلبت عليها الإرادة الوطنية لدى رجال وأبطال الأجهزة الأمنية المسنودة باللجان الشعبية المجاهدة.
ويبقى عامل التوظيف الدقيق للمعلومات وفهم مجريات الأحداث، وقراءتها العميقة والصحيحة، وتكامل العمل الموحد، هو سر النجاح، بعد التوفيق الإلهي.