اقتصاد على المحك .. هل تسمح الميزانية الأمريكية بمغامرة جديدة في اليمن ؟

في خضم التقارير المتداولة عبر وسائل الإعلام الأمريكية والعربية، تتصاعد الأحاديث حول نوايا واشنطن لشن عملية برية في اليمن، عبر تقديم الدعم لما يُسمى بالمرتزقة، في محاولة جديدة لمواجهة قوة أنصار الله التي أثبتت صمودها في وجه التحالفات الإقليمية والدولية.

هذه الأنباء، التي تتردد في أروقة السياسة والإعلام، تثير تساؤلات عميقة حول جدوى مثل هذه الخطوة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم الذي تعيشه الولايات المتحدة، والتجربة المريرة التي خاضتها السعودية والإمارات في اليمن على مدى سبع سنوات، دون أن تتمكنا من تحقيق أهدافهما.

فهل تستطيع إدارة ترامب، التي عادت إلى البيت الأبيض في يناير 2025، تحمل أعباء هذه المغامرة؟ وهل يمكن أن تكون الرياض وأبوظبي، اللتان نفيتا مشاركتهما في أي عملية برية، مستعدتين لتحمل التكاليف المالية لهذه الحرب بالوكالة ؟

لنبدأ من الواقع الاقتصادي الأمريكي، الذي يشكل محورًا أساسيًا في هذا التحليل… الاقتصاد الأمريكي، وفقًا لتوقعات ديلويت للربع الأول من 2025، يتجه نحو نمو متواضع بنسبة 2.6%، لكنه يواجه تحديات هيكلية خطيرة. العجز المالي الفيدرالي بلغ 1.9 تريليون دولار في السنة المالية الحالية، ومن المتوقع أن يتفاقم ليصل إلى 2.7 تريليون دولار بحلول 2035، بحسب مكتب الموازنة في الكونغرس.

هذا العجز، إلى جانب الضغوط التضخمية الناتجة عن السياسات الجمركية العدوانية لإدارة ترامب، يضع قيودًا صارمة على قدرة واشنطن على تمويل عمليات عسكرية طويلة الأمد.

لنضع في الحسبان أن العمليات الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، منذ ديسمبر 2023، كلفت الخزانة الأمريكية أكثر من 4 مليارات دولار، وفقًا لتقارير إعلامية. وفي مارس 2025، أطلقت واشنطن عملية “رايدر الخشن”، التي استهلكت في ثلاثة أسابيع فقط 200 مليون دولار من المؤن العسكرية، كما أوردت صحيفة نيويورك تايمز. إذا كانت هذه هي تكلفة العمليات الجوية والبحرية، فكم ستكون تكلفة عملية برية تتطلب نشر قوات ودعمًا لوجستيًا مستمرًا ؟

لننتقل إلى التجربة التاريخية، التي لا يمكن تجاهلها. السعودية والإمارات، بدعم أمريكي وغربي لوجستي خاضتا حربًا مدمرة في اليمن من 2015 إلى 2022، ولم تتمكنا من إزاحة أنصار الله أو تحقيق أي استقرار يخدم أهدافهما الاستراتيجية. تلك الحرب، التي أودت بحياة عشرات الآلاف وتسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة، كلفت الرياض وأبوظبي أرقام فلكية ، وأضعفت هيبتهما العسكرية والسياسية .

اليمن، بتضاريسه الوعرة وشعبه الصلب، أثبت أنه ليس ساحة سهلة للمناورات العسكرية. الحوثيون، كما يسميهم الغرب، لم يكتفوا بالصمود، بل طوروا قدراتهم العسكرية، وأصبحوا قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها، كما أظهرت هجماتهم البحرية التي أربكت حركة الاساطيل الغربية

هذه التجربة تطرح سؤالا ملحا: إذا فشل تحالف مدعوم بقوى إقليمية ودولية في تحقيق النصر، فكيف يمكن لعملية برية جديدة، مهما كانت مدعومة، أن تنجح؟

في هذا السياق، تبرز الأنباء عن نية واشنطن دعم عملية برية عبر قوات مرتزقة، كما أشارت تقارير من موقع ريسبونسيبل ستيتكرافت. لكن هذه الخطوة تبدو غامضة ومحفوفة بالمخاطر. حتى الآن، لم تتخذ واشنطن قرارًا نهائيًا، ولا تقود المحادثات حول هذه العملية، مما يشير إلى تردد داخلي.

ولكن هناك تقارير أخرى، من شبكة سي إن إن، تفيد بأن استعدادات تجري لعملية برية تهدف إلى السيطرة على ميناء الحديدة، بدعم بحري من السعودية والولايات المتحدة. كما أن مقاولين عسكريين أمريكيين يقدمون استشارات لفصائل يمنية، في إشارة إلى دعم غير مباشر قد يمهد لتصعيد أكبر. لكن هذا الدعم، مهما كان حجمه، يتطلب تمويلًا ضخمًا، وهنا يبرز السؤال: من سيدفع الفاتورة؟

السعودية والإمارات، اللتان نفيتا بشكل قاطع مشاركتهما في أي عملية برية، قد تكونان الجهة الوحيدة القادرة على تحمل هذه التكاليف. لكن موقفهما الحالي يعكس حذرًا استراتيجيا.

الرياض، التي تسعى لتسوية سياسية في اليمن منذ توقيع اتفاق الهدنة في 2022، لا ترغب في العودة إلى مستنقع الحرب. أبوظبي، من جانبها، تركز على تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في جنوب اليمن، بعيدًا عن المواجهات المباشرة. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال أن تتحمل الدولتان جزءًا من التكاليف المالية، خاصة إذا رأتا في ذلك مصلحة استراتيجية، مثل إضعاف أنصار الله أو استعادة النفوذ في المناطق الساحلية.

في حال أقدمت الولايات المتحدة على شن عملية برية من خلال القوات المدعومة إماراتيًا أو سعوديًا، فإن ذلك لا يعني بأي حال أن السعودية والإمارات ستنجوان من نيران هذه الحرب.

هذه الفصائل، التي تُعرف بالمرتزقة، ليست سوى أدوات تابعة بالولاء الكامل للرياض وأبوظبي، وهما من يتحملان تكاليف رواتبهم، تسليحهم، وكل ما يتعلق بدعمهم اللوجستي والمالي. بمعنى آخر، أي عملية برية تقودها هذه القوات سيضعهما مجددًا في مواجهة شعب يمني صلب أثبت قدرته على إفشال أعتى التحالفات…الثمن، إذن، لن يكون مجرد أموال تنفق، بل قد يكون خسائر اقتصادية باهضة جراء الضربات الصاروخية التي ستستهدف الرياض وابوظبي

تبدو الخطوة الأمريكية المحتملة محاطة بالشكوك والمخاطر. الوضع الاقتصادي الأمريكي لا يسمح بتحمل تكاليف حرب طويلة الأمد، والتجربة السعودية-الإماراتية تؤكد صعوبة تحقيق النصر في اليمن. إذا قررت واشنطن المضي قدمًا، فإنها ستحتاج إلى دعم مالي وعسكري كبير من الرياض وأبوظبي، لكن حتى هذا الدعم قد لا يكون كافيًا. الحوثيون، بصمودهم وتطور قدراتهم، أثبتوا أنهم ليسوا خصمًا سهلاً. واليمن، بتاريخه وشعبه، لن يكون ساحة لتحقيق الأطماع الإمبريالية أو الإقليمية. إنها مغامرة محفوفة بالفشل، قد تضيف إلى سجل الهزائم الأمريكية في المنطقة فصلًا جديدًا.

تقرير/ كامل المعمري

قد يعجبك ايضا