استهداف الحقيقة جريمة حرب.. بقلم المحامي/ نجيب الرماح
تشكل حماية المدنيين اثناء الحروب حجر الأساس في القانون الدولي الإنساني ويتسع نطاق هذه الحماية ليشمل الممتلكات المدنية العامة والخاصة، وخلال الحرب العالمية الثانية وفي الكثير من النزاعات التي تلتها تحمّل المدنيون العبء الأكبر من ويلات النزاع المسلح وإن كان المدنيون قد عانوا دائما من شدائد الحروب إلا أن الآثار الوحشية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية أودت بحياة أعداد كبيرة من المدنيين الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والهجمات العشوائية فكان اعتماد اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 رد المجتمع الدولي على هذه الحرب وحيث كانت اتفاقيات جنيف قبل تاريخ 1949 تخص حماية الجرحى والمرضى والغرقى والمقاتلين الأسرى وبعد ذلك أدركت “الاتفاقية المعنية بالمدنيين” تغير طبيعة الحرب وحددت حماية قانونية يتمتع بها كل شخص لا ينتمي إلى قوات مسلحة كما شملت الحماية أيضا الممتلكات المدنية وجاء اعتماد البروتوكولين الإضافيين إلى اتفاقية جنيف في 1977 ليؤكد لاحقاً هذه الحماية ونص القانون الدولي الإنساني على أن المدنيين يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية في جميع الظروف ودون أي تمييز ضار، ويشمل القانون الدولي الإنساني ايضاَ جميع المدنيين بالحماية دون أي تمييز، وخص بالذكر جماعات معينة منها النساء والأطفال والمسنين والمرضى وكذا الصحفيين وحيث أن الحماية التي تمنحها اتفاقية جنيف وبروتوكولاها الإضافيان للمدنيين حماية شاملة فقد نص على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهامهم يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، وفي دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنسان جاءت المادة 34 من الفصل العاشر انه “يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية…..
كما نص القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي على إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهمٍ، وربط بين سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام وبين حماية المدنيين كما أعتبر الصحفيين والمراسلين مدنيين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة اضافة الى اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعيانا مدنية لا يجوز أن تكون هدفا لأي هجمات أو أعمال انتقامية, ومن خلال ذلك فإن استهداف تحالف العدوان للمنشآت الإعلامية والعاملين في المجال الإعلامي يعد انتهاكا صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي أسبغ عليهم الحماية نفسها المكفولة للمدنيين، فهؤلاء الصحفيين يتعرضون لخطر الإصابة أو الموت فالحقيقة دائماً أولى ضحايا الحرب.
لا قصور يشوب حماية الصحافيين عند النظر إلى المواثيق الدولية أو نقص يعيبها، فهي شاملة حماية العاملين الإعلاميين، بكافة تصنيفهم ولكن ما يحدث من تزايد لاستهداف الصحفيين ولإعلاميين والمنشئات الإعلامية من قبل تحالف العدوان يؤكد محاولة قيادة العدوان العمل على إسكات صوت الحقيقة وذلك لغرض الإفلات من العقوبات التي سوف تنتج عن كشف الصحافة للانتهاكات الإنسانية التي ترتكبها قوات تحالف العدوان في اليمن منذ بدء العدوان، ومحاولة السيطرة على ما يتم تقديمه من جانب الصحفيين من أخبار وصور وفيديوهات تظهر للعالم حدوث انتهاكات العدوان للقانون الدولي , وبالتالي فإن الامر يتطلب توفير إرادة جماعية من جميع الناشطين والمنظمات الصحفية الوطنية والدولية للعمل سوياً من أجل ضمان الوصول بسقف التهديد والمخاطر التي يتعرض لها الصحفيين إلى الحد الأدنى لآن الصحافة هي السلطة الرابعة والصوت المسموع وهي المعنية قبل غيرها بكشف جرائم العدوان في اليمن.