استفزني الصمَّاد !
عين الحقيقة/كتب/ د/مصباح الهمداني
كان اليوم تاريخيًّا واستثنائيًا، وباليستيًا في وجه الغُزاة، فانعقادُ مجلس النواب بالغالبية هو رسالة قوية للدول والقوى الإقليمية، من قلبِ صنعاء النابض، بالصمود، والمواجهة، والصبر، والشموخ، والتحدي..
هُنا كانَ رئيسنا، تحتَ قُبَّةِ البرلمان، وعلى يمينه رئيس مجلس النواب..
هُنا؛
حيثُ الوطن، حيثُ الشعب، حيثُ العظماء، حيثُ الشرفاء، حيثُ الرجال، حيثُ الجبال، حيثُ الحضارةِ والإباء، حيثُ وجوه الشهداء، حيثُ حديثِ الجهاد والاستشهاد، حيثُ يُقِدِّمُ الخيرَةُ من الآباء الخِيرةُ من الأبناء، حيثُ يتحدثَ الكبارُ، ويُرددُ الصغار، وتُزغردُ الأمهات، وتصرُخُ الأخواتُ، بترانيمِ المجدِ والفخرِ، وبآياتِ العزةِ والنصر.
وهُناكَ كان رئيسهُم المُرتزق، حيثُ تنطلق الطائرات للقصفِ والدمار، قابعٌ في فراشِهِ كفأرٍ كبير، متدثرًا ببطانيةٍ كبيرة، يقفُ خلفه هِنديٌ يدهنُ ظهرة، ويفركُ أكتافه، وحوله لفيفٌ ممن ضُربتْ عليهم الذلة، وغشيت وجوههم العِلَّة، وباؤوا بخسرانِ الدنيا والآخرة، يتزاحمون حولَ الفأرِ الكبير، في شُقتهِ وإن شئتَ فسمِّهِا جناحًا، في أحدِ فنادق الرياض؛ وقد تسمَّرَت أعينهم على شاشةِ التِّلفاز، ويُشاهِدون تلكَ الصور الحية من اليمن…
وتسقُطُ كلمات الرئيس الصماد عليهِم كمقامعٍ من حديدٍ وهو يقول:
” نحن اليوم نلتقي تحت قبة البرلمان بأعضاء السلطة التشريعية التي تعرّضت للكثير من المؤامرات إلاّ أنّ قوتها المستمدة من الشعب الذي تمثله جعلتها الرقم الأصعب على الساحة السياسية والإقليمية والدولية”
ثم يتلقون الضربة الثانية في قوله:
“صحيح أن الدعم الدولي والتواطؤ الكبير للمجتمع الدولي مع دول العدوان ومرتزقتها مكّنها من الإقدام على خطوات في غاية الخطورة لا تستند إلى أي أساس أو مسوغ قانوني ، بدءاً من العدوان وما تزامن معه من خطوات ما كان ينبغي أن تحصل لولا الإصرار الدولي على تمرير مخططاتهم
إلاّ أن المؤسسة البرلمانية ظلت تشكّل عقبة لهذه القوى الأمر الذي جعلها في دائرة الاستهداف سواءً من خلال ما أقدم عليه العدوان من استهداف مباشر لرئيس وأعضاء المجلس من خلال القصف والحصار، وفرض القيود على تحركاتهم وسفرهم، وممارسة مهامهم، أو من خلال محاولة إظهار مجموعة من الخونة الذين خانوا العهد والثقة التي منحهم الشعب فارتموا في أحضان العدوان من أجل المال المدنّس، وكانوا شركاء أساسيين في ما يرتكبه العدوان بحق أبناء شعبهم”
وهنا كادَ الفأر الدنبوعي الكبير، أن يختنق حين سمع الرئيس يقول:
“وها نحن نجتمع من جديد وبالأغلبية الساحقة رغم ظروف العدوان والحصار، ورغم حجم الإغراء والتهديد والضغوط التي مورست بحق الأعضاء؛ لمنع التئام المجلس وهذا موقف يجب أن يسجل بأحرف من ذهب لكل من حضر”
وانفتحتِ الأفواه وهي تسمعُ الخطاب عند القول:
(ورغم كل هذه التضحيات لا زلنا نمد أيدينا للسلام لا للاستسلام، ومن خلالكم باعتباركم تمثلون الشعب كل الشعب نوجه رسائلنا للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بضرورة الوقوف بحزم في وجه صلف العدوان وغطرسته وإيقاف جرائمه وحصاره على الشعب اليمني وينبغي أن يكون للبرلمان كما كان في الدورات السابقة دور بارز في مخاطبة العالم بمواقفنا المبدئية وحرصنا على السلام، وكذلك إيصال مظلومية شعبنا لكل العالم)
وهُنا ابتسمتِ أفواه الجُثث الفندقية، واستفزني الصماد، وربما غيري حينَ قال مخاطبًا أعضاء مجلس النواب:
(كما نشُدُّ على أيديكم بالعمل مع بقية القوى السياسية الوطنية في دعوة القوى التي ارتمت في أحضان العدوان وشجعتهم على عدوانهم لدعوتهم للحوار بيننا كيمنيين تحت مظلة هذه المؤسسة الوطنية وتفويت الفرصة على دول العدوان في استغلال الدماء اليمنية لتحقيق أهدافها الاستعمارية)
وفارَ دمي أكثَر، حينَ سمعتُه يُخاطِبُ المُرتزقة الحُثالة ويقول :
(عودوا إلى رشدكم وارجعوا إلى وطنكم واعتذروا لشعبكم، ونحن وشعبنا كرماء ، و كما كنا كرماء فيمن شاركوا في الفتنة الأخيرة سنكون كرماء إذا رجعتم عن غيكم رغم الجراح والألم ومستعدون لتـأمين سبل العيش لكم بكرامة مع شعبكم ولا تبقوا أذلاء تحت رحمة عدوكم)
وبالغَ الصمادُ في الكرمِ أكثر وهو يخاطبهم قائلاً :
(من يستطيع منكم العودة فصنعاء أم للجميع سترحب بكم ومن لم يستطع فعليه أن يغادر صف العدوان إلى أي بلد آخر ويتبرأ من العدوان وجرائمه وينأى بنفسه عن تأييد العدوان ودعمه ونحن مستعدون تأمين عيشكم حتى يتسنى لكم العودة إلى أرض الوطن)
وبعدَ الخطاب التاريخي … بالله عليكِمْ!
مِنْ أيِّ مدرسةٍ تخرَّجَ هذا الرجُل، وأيُّ تربيةٍ تربى، وأيِّ حنكةٍ وحكمةٍ وكرمٍ نهِل..
فحينَ حدثتِ الفتنة وبعدَ انطفائها، قامَ بلملمةِ الجروح، وتطييب الخواطر، ووضعَ المنصِبَ تحتَ قدميه، وقامَ بزياراتٍ كرهناها، واشمأزَّت لها أنفسنا، لكنه تصرَّف كرجلِ دولة، وسائس مرحلة، وفي كلِّ مرةٍ يُثبِتَ للجميع بأنَّهُ من خيرةِ رجال ابن طه، حكمةً وشجاعةً..
وليتَ شِعري!
هل تلتقِطَ الإشارة تلكَ الجُثث المحنَّطة، في فنادق الرياض واسطنبول والقاهرة، وتعودُ إلى حيثُ يعودُ كل مُهاجرٍ ومُغترِب.
ألا يخجلونَ وهم يرونَ أنفسهم أذلاء خاسرين، لا يستطيعُ فأرهم الكبير أن يهبِطَ في عدن، أو يتجرأ على زيارة سوقطرة، ولو من الجوِّ فقط.
وللرئيس الصماد!
إمضِ يا ابن صعدة الغراء، ويا رئيس اليمنيين الشرفاء، وأكمِل مشوار صواريخِكَ الباليستية بثلاثِ نقاطٍ هامة ستُعجِّلُ بالنصر بإذن الله:
-صرفِ رواتبَ المتواجدين فقط من عسكريين ومدرسين وموظفين، وحذفِ الغائبين والخونة، واستبدالهُم.
-إجراء انتخابات نيابية في الدوائر الشاغرة بأسرعِ وقت.