استراتيجية السعودية لإضعاف اليمن وتقسيم وحدته
باحثون : الأطماعُ الاستعمارية متجذَّرة في اليمن
أدوات العدوان في عدن ينفذون أجندات السعودية والإمارات ويسعون لفك الارتباط عن الهوية اليمنية الجامعة
التدخل السعودي المباشر من خلال شن العدوان على بلادنا عمل على تغذية الانقسام المجتمعي وخلق النعرات المناطقية من أجل توفير المناخات المناسبة للانفصال، وما حدث من تهجير للمواطنين من أبناء المحافظات الشمالية من عدن وأبين ولحج والضالع في فترات سابقة إلا تنفيذ لأحد سيناريوهات العدوان الهادف إلى تمزيق النسيج الجغرافي والبشري لليمن، وبعد 31 عاما من الوحدة اليمنية المباركة مازالت التغطية الإعلامية التي يروج لها إعلام المملكة السعودية وحلفائها وأبرزها قنوات الجزيرة والعربية وسكاي نيوز والحدث وغيرها من القنوات التي عملت وتعمل على تغذية وتكريس هذا الانقسام ..
في السطور التالية تستعرض “الثورة” أوجه وأساليب مناهضة النظام السعودي للوحدة اليمنية منذ عقود مع عدد من الباحثين :
يقولُ الكاتبُ عبد السلام قائد في قراءاة تحليلية له عن مناهضة السعودية وعدائها للوحدة اليمنية :أبدت السعودية مخاوفها من إمكانية تحقيق الوحدة اليمنية منذ زمن مبكر، وعملت على اغتيال ذلك الحلم في مهده، ولعل أول إجراء عملي بهذا الخصوص يتمثل في تخطيطها لاغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي، إذ كان اغتياله في 11 أكتوبر 1977م، قبل يوم واحد من زيارته المرتقبة لمدينة عدن لإعلان الوحدة، وكان مخططا أن يتم الإعلان يوم 14 أكتوبر 1977م، أي بالتزامن مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، وقد كشف فيلم “الغداء الأخير” -الذي أنتجته قناة الجزيرة عن حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي- ودور السعودية في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وفقا للوثائق والشهادات التي استند إليها معدو الفيلم، وكان دور السعودية في اغتيال الحمدي يتمثل في أن عملية الاغتيال تمت بحضور الملحق العسكري السعودي في صنعاء صالح الهديان الذي يعد المشرف الرئيسي على الجريمة.
وعن الدافع الرئيسي لاغتيال الرئيس الحمدي يقول قائد : كان الدافع الرئيسي للسعودية من اغتيال الحمدي يتمثل في إجهاض مشروع الوحدة اليمنية في مهده، بالإضافة إلى أسباب ودوافع أخرى تتمثل في سعي الحمدي للنهوض باليمن، والاستقلال بالبلاد عن الهيمنة والوصاية السعودية، ورفض ترسيم الحدود معها، واستمراره في الكثير من الإصلاحات، وبناء علاقات قوية مع الدول الكبرى، واهتمامه بأمن البحر الأحمر وبسط اليمن سيطرته على مياهه الإقليمية، وسعيه لبناء جيش وطني بعيدا عن هيمنة مشائخ القبائل، وقد كانت الرياض قلقة من كل ذلك، خاصة سعيه لتحقيق الوحدة اليمنية، وفقا لشهادة نائب رئيس البعثة الأمريكية في اليمن عام 1978م التي أدلى بها في فيلم “الغداء الأخير”.
وأضاف: ظلت السعودية تكرِّس جهودها لإبقاء اليمن مجزءا، وتعمل ضد إعادة تحقيق وحدته خوفا منها، وذلك كي لا يزدهر ويشكل خطرا عليها، بالإضافة إلى مخاوفها من أن يتمكن اليمنيون من المطالبة بالأراضي التي سيطرت عليها منذ عام 1934م واستعادتها بالقوة، وكانت تحتضن قوى المعارضة من الشطرين وتستغلها لإعاقة تحقيق الوحدة اليمنية، وقبل الإعلان عن تحقيق الوحدة عام 1990م، أرسلت السعودية وزيري المالية والخارجية إلى عدن، إلا أن الزيارة لم تسفر عن نتيجة ملموسة، وأحيطت بالسرية والغموض، وسط تكهنات بأن الهدف منها هو إقناع حكام عدن بالتراجع عن الوحدة مقابل وعود بتقديم دعم مالي لدولتهم التي كانت منهكة اقتصاديا بسبب انقطاع دعم الاتحاد السوفياتي لها، وكان السبب الرئيسي لهرولتهم نحو الوحدة بعد سنوات من العرقلة بسبب الخلافات بين قيادات الشطرين على شكل الدولة الجديدة.
وتابع في قراءته : بعد الإعلان عن الوحدة، والغضب السعودي حيال ذلك، جرت اتصالات لطمأنة المملكة بأن الوحدة اليمنية لا تشكل أي خطر عليها، وأنها تمثل عامل أمن واستقرار في المنطقة، لكن السعودية لم تقتنع بذلك، وبدأت بتشكيل دوائر نفوذ تابعة لها، واختراق البنية القبلية للمجتمع اليمني، فاستقطبت العديد من مشائخ القبائل إلى صفها عبر الإغراءات المالية التي كانت تقدمها اللجنة الخاصة التي تأسست بعد اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م لدعم الملكيين، ثم استمرت في تقديم الدعم بعد ذلك لبعض مشائخ القبائل، وترأسها منذ تأسيسها الأمير سلطان بن عبد العزيز حتى وفاته في 22 أكتوبر 2011م، وكان هدفها من ذلك إضعاف الدولة اليمنية الموحدة من خلال خلق ولاءات تابعة لها لاستخدامها عند الحاجة، ولضرب وحدة البلاد من الداخل.
محاولة فك الارتباط عن الهوية اليمنية
عبدالله صبري- سفير اليمن في دمشق- قال: عدن اليوم ليست ذاتها في 1967م أيام النضال ضد الاحتلال حتما، لكن ثمة تشابهاً كبيراً بين الزمنين، فعدن ومعها الجنوب إجمالا ناضلت بالأمس بهدف التحرر من الاحتلال الأجنبي، وهي اليوم تناضل أيضا لكن بهدف فك الارتباط عن الذات والهوية واليمن الطبيعية، مع فارق خطير يتمثل في قبول نخبة الحراك بالاحتلال الأجنبي السعودي والإماراتي بزعم محاربة «الحوثيين والمد الإيراني».
الجنوب الذي كان عبارة عن إمارات ومشيخات قبيل الاستقلال يبدو أنه في الطريق إلى التشظي مرة أخرى، فهناك عدة «حراكات» كلها تقريبا مرتبطة بالخارج، حراك إماراتي، وحراك سعودي، وثالث إيراني،…إلخ. وهناك ارتباطات لشخصيات سياسية جنوبية مع بريطانيا ومع أمريكا ومع روسيا، وغيرها، لكن الأسوأ أن الأفكار الوطنية المتطرفة بشأن الانفصال تفتقر للمشروع القومي أو الأممي الذي كان مناضلو ومثقفو عدن والجنوب يتفاخرون بها، بل والأدهى أن الدول الرجعية باتت الصديق لنخبة الحراك أو مرتزقته لا فرق، ونتيجة لانحطاط قادة الحراك أمكن للعدوان السعودي تجنيد الآلاف من الشباب في الجنوب والزج بهم في معركة الدفاع عن الحد الجنوبي للمملكة، ليكون القاتل والمقتول يمنييّن، فدم الجنوبي على الجنوبي لم يعد حراما أيضا، فالعمالة المزدوجة للسعودية والإمارات جعلت من عدن خلال السنوات الماضية مسرحا لاحتراب أهلي دموي طرفاه قوات الانتقالي الجنوبي والقوات المحسوبة على حكومة هادي، وعندما تدخلت دول العدوان والاحتلال وأوقفت الحرب ورعت مفاوضات سياسية بين الطرفين كانت النتيجة اتفاقا يمس السيادة الوطنية ويشرعن للاحتلال، ويمنح السعودية كلمة الفصل في شؤون اليمن الجنوبي إلى أجل غير مسمى.
تركيز العدوان على فصل الجنوب عن الشمال
الباحثة والإعلامية نبيهة محضور تصف العدوان الإماراتي والسعودي على الأراضي اليمنية بالدور الذي يخدم مشروعاً استعمارياً جديداً وتضيف: بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر عانى جنوب وشمال اليمن الأمرين، حيث كان الشمال ينزف جراحاً ماضية وحالة الجهل والتخلف تحاصره وجنوب الوطن يعاني التشظي والانقسام والصراع السياسي الذي كاد يفتك به، فكانت الوحدة الملاذ الوحيد لكليهما خاصة الإخوة في جنوب الوطن بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والضعف الذي وصل منتهاه في كيانهم السياسي والمجتمعي، فكانوا أشد اندفاعا نحوها لأنهم وجدوا فيها طوق النجاة لإنهاء معاناتهم، فكانت الوحدة المباركة التي لم تكن حلماً يمنياً فقط ، بل هي امتداد لحلم عربي يسعى للوئام والتوحد فيما بينه لاستعادة قوته وحضارته التي وهنت خلف قضبان الحدود، ومن المؤسف أنه بعد 31 عاما على تحقيق الوحدة اليمنية أن نجد الجنوب أرضا للقاعدة والدواعش وسقطرى التي يتم اقتلاع أشجارها ومصادرة طيورها وحيواناتها النادرة يرفع على أرضها علم الإمارات، ومن المخجل أن نجد- في الوقت الذي سطر فيه اليمنيون أروع صور الصمود والثبات في مواجهة ترسانة الحقد السعودي في عدوانه الغاشم على اليمن منذ أكثر من 6 أعوام ونصف والذي عمد فيه إلى تدمير اليمن أرضا وإنسانا ضاربا عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والمواثيق الدولية ، من المؤسف أن نجد بعض العملاء والمرتزقة من ذوي المشاريع الضيقة من يسعى إلى تمزيق الوطن والعودة بها إلى مربع التشطير ، خدمة لأعداء اليمن وتنفيذا لأجندات خارجية إقليمية وعالمية تسعى لإقامة مشروع استعماري جديد للاستيلاء على خيرات اليمن ومواردها.
وتواصل حديثها قائلة: يتضح هذا من خلال تركيز عدوان التحالف على فصل الجنوب عن الشمال، وتقسيم اليمن ما بين السعودية التي تركز على الثروة النفطية في مارب والجوف والإمارات التي تركز على ميناء عدن وباب المندب، ومن أجل ذلك سفكوا دماء اليمنيين الأحرار مستخدمين كل أنواع الأسلحة وجالبين مختلف الجيوش العربية والأجنبية، ومما يحز في النفس أن تجد من يصفق لهذا المشروع ويتواطأ معهم ويبيع هذه الأرض مقابل حفنة من الدولارات والريالات متناسين يوم 22 مايو الذي غيَّر الخارطة السياسية العربية والعالمية في وقت كان فيه العالم يتفتت ويتجزأ ويشهد انقساماً وانهيار أكبر دول العالم ” الاتحاد السوفييتي” وقتها كان اليمانيون يلملمون أوصالهم المبعثرة في رقعة جغرافية كانت في الأصل وطناً واحداً منذ أقدم العصور فصلتها براميل وضعها أصحاب الفكر العقيم والمتسلط والتي فصلت النسيج اليمني إلى شمال وجنوب، فما أحوجنا اليوم والوطن يعاني ما يعانيه إلى إعادة بناء منظومة القيم التي تدهورت وتعزيز الولاء الوطني في نفوس الجميع واستشعار المسؤولية الوطنية والحفاظ على هذا المنجز وحمايته وعلى شباب جيل الوحدة الذين عاصرها وفتحت أمامه آفاقاً لم يكن لهم أن يحققوها إن لم يكونوا أكثر إدراكا لما يحاك ضد وطنهم ويرتقوا بأفكارهم ويسموا بأفعالهم، ويحافظوا وعلى وحدة الوطن أرضا وإنسانا، وعلى القيادات في شمال الوطن وجنوبه تغليب مصلحة الوطن والدفاع عن وحدة أرضه ودحر مشروع التمزيق والاستعمار الجديد الذي لا يختلف عن ذلك الاستعمار القديم.
بث روح الانقسام المناطقي
ويؤكد هزاع المجلي باحث أكاديمي في الدراسات التاريخية اليمنية والعربية- أن العداء السعودي لليمن قديم الأزل، ويقول: في الواقع لو أننا قمنا باستقراء العلاقة بين اليمن والسعودية منذ قيام أركان المملكة السعودية قبل حوالي قرن من الآن وحتى اللحظة التي تقوم فيها السعودية بشن حرب عدوانية على اليمن وشعبه لوجدنا أن ما يسمى بعاصفة الحزم ما هي إلا تطور تاريخي مر بعدة مراحل عدوانية على اليمن وشمل التدخل السعودي في خصوصيات اليمن أكثر من اتجاه كالتدخل في صناعة القرار اليمني عبر نفوذها في الداخل والخارج وبالتالي التأثير سلبا على السياسة العامة للدولة، أيضا تتدخل السعودية عبر بعض القبائل التي تدعمها وذلك للضغط على صنَّاع القرار لوقف أي قرار يصب في مصلحة البلد وكذا دعمها الحروب الأهلية اليمنية سواء في شمال الوطن أو جنوبه، حتى الوحدة اليمنية المباركة عملت السعودية على إفشالها بأكثر من أسلوب، أما النوع الثالث من أنواع الانتهاك والتدخل العدواني السعودي على اليمن فيتمثل في شن الحروب المباشرة على أبناء الشعب اليمني، وقد لجأت السعودية أكثر من مرة إلى هذا النوع من الاستفزاز وكانت أولى الحروب التي شنتها على اليمن في العقد الرابع من القرن الماضي، حيث بسطت سيطرتها على الكثير من أراضي اليمن المحاددة لها وظلت باسطة عليها حتى استطاعت أن تمرر مخططها الخبيث وأجبرت الحكومة اليمنية ــ بأكثر من أسلوب همجي ــ عام 2000م على ترسيم الحدود، وبالتالي سيطرت على ثلاث محافظات يمنية شمالية هي نجران وعسير وجيزان، كما بسطت نفوذها على الربع الخالي الواقع شمال محافظة حضرموت، ومنذ ذلك الحين والسعودية مستمرة في انتهاك سيادة القرار اليمني والتدخل في شؤونه الداخلية، وكان آخر سيناريوهات العدوان الحرب الظالمة التي تدور رحاها حاليا والتي ابتدأتها منذ أكثر من ستة أعوام، ولم تتوقف حتى اللحظة، كذلك تأجيجها الوضع الداخلي ودعمها الفتنة الداخلية ومحاولتها المستمرة في بث روح الانقسام المناطقي عبر تمويلها الجماعات الانفصالية في المحافظات الجنوبية.
مما سبق يتضح جليا أن دول تحالف العدوان بقيادة السعودية تعمل على تهيئة بيئة مدمرة صالحة لتكاثر وتوسع ونشاط التنظيمات التي تقوم بأعمال إرهابية، كما تعمل على تنفيذ أهداف تكرِّس المناطقية والعنصرية في أوساط المجتمع اليمني لتشكل تهديداً للأمن والسلم في اليمن من أجل تحقيق مصالحها وأطماعها في اليمن وعلى رأسها القضاء على وحدة اليمن.
صحيفة الثورة