ارتباك تحالف العدوان على اليمن ..يدخل مرحلة ما بعد الهزيمة في مأرب
إن تحرير المثلث اليمني الذهبي والمتمثل بمحافظات “مأرب والجوف وشبوة”، يعني الانتصار النهائي لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” على التحالف الدولي المعتدي بقيادة السعودية والولايات المتحدة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو العامل الأهم الذي أوصل قوات أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” إلى هذا المستوى من التقدم؟ ووفقًا لعلماء الاجتماع الغربيين، فإن المجتمع اليمني لديه أقل قدرة بين المجتمعات العربية المشاركة في ما يسمى بالربيع العربي بدأً من تونس في 2011 إلى انقلاب السودان في 2019 وغيرها من المجتمعات العربية التي مرت بتطورات مماثلة؛ حيث كانت الثورة في هذا البلد كانت أنجح مما كانت عليه في الدول العربية الأخرى.
حيث يتألف اليمن من حوالي 200 قبيلة ذات أفرع مختلفة، منها 168 قبيلة في الشمال، يسيطر عليها حزب الإصلاح التابع للسعودية والولايات المتحدة ودول غربية وعربية أخرى. ولقد بدأت قوات الثورة اليمنية عملياتها في صعدة بقيادة “بدر الدين الحوثي” عام 1992 ضد الفساد الداخلي والظلم والفقر. وفي عام 2003، وبالتزامن مع الغزو الأمريكي للعراق، بلغت الغطرسة لدى النخبة الحاكمة في اليمن ذروتها، والتي نشأت في الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولهذا قامت قوات “أنصار الله” اليمنية بترديد صرخة “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”.
لقد شهد اليمن على الدوام أزمات وصراعات داخلية منذ عام 1990، بعد توحيد شطري الشمال والجنوب. ولقد كان التمرد الانفصالي الجنوبي في عام 1994 وأنشطة تنظيم القاعدة الارهابي والاشتباكات القبلية في محافظة صعدة مع الحكومة المركزية اليمنية، بعض التوترات التي تواجهها البلاد منذ عقود. وقد كان التدخل السعودي في الصراع اليمني منذ 2005 إلى 2009 واضحًا تمامًا، حيث أنفقت الرياض الكثير من الأموال لمواجهة قوى الثورة اليمنية. لم تكن صعدة موحدة آنذاك، واغتنمت السعودية الفرصة لإحداث شرخ بين القوى الثورية، وخاصة قبيلة “الوادعي”، ونتيجة للتدخل السعودي قتل عدد كبير من القوات الثورية اليمنية.
ثورة التحرير الوطنية
بعد التطورات التي حدثت في الدول العربية عام 2011 وبعد انهيار الوضع في اليمن، تمايزت القوى الثورية في صعدة أهدافها ونهجها عن كل القوى السياسية، ففيما سعت القوى السياسية اليمنية إلى تحقيق مواقف ومصالح مختلفة في اليمن، بدأت القوى الثورية تحركاتها من أجل معارضة السياسات المتعجرفة، وكذلك لإنقاذ اليمن من وصاية السعودية وتحقيق الحرية والاستقلال. وفي ذلك الوقت بدأت القوات الشعبية اليمنية الثورة فيما أدى القادة السياسيون في البلاد آنذاك، باتباع السعودية وتمسكهم بالسياسة الاستعمارية الاقتصادية التي فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على اليمن، الأمر الذي أدى إلى تفكك البلاد. ولقد أطلقت القوى الثورية في صعدة ومناطق أخرى، بالتركيز على رؤية حركات التحرر الوطنية عبر التاريخ، مشروع تغيير ثوري في اليمن بهدف الاستقلال والحرية. وشكلت هذه القوات حركة مكونة من قوات مدنية وعسكرية تابعة لقبائل مختلفة، وشنت حملة عامة لمواجهة الخطر المشترك المتمثل في تفكك اليمن.
وتعتبر الثورة اليمنية إحدى الثورات التاريخية ذات العناصر والنهج المتكامل الذي صورت المواجهة مع الاستعمار في البعد الدولي وأكدت على تضامن دول المنطقة مع المثل العادلة التي ترمز إليها القضية الفلسطينية. لم تنكسر إرادة الشعب اليمني الثوري خلال سنوات الحرب المدمرة التي فرضتها السعودية في شكل تحالف مناهض لليمن، بل إن هذا العزم يتواصل في تحقيق الأهداف السامية ولتحرير اليمن بالكامل. ولا يزال الشعب اليمني ملتزمًا برؤيته لإعادة بناء بلده، والآن يستعد تحالف العدوان العربي بقيادة الولايات المتحدة والسعودية للمرحلة التالية لـ”أنصار اللة” بعد تحرير مأرب. وخلافا لما يدعيه تحالف العدوان السعودي بأنه لم يخسر في مأرب واستمراراً لدعاية التحالف حول سيطرته على مناطق جديدة في مأرب، فإن خريطة التحركات السعودية الإماراتية المسجلة في الأيام والساعات السابقة، تُظهر أن البلدين مقتنعون ضمنيًا أن مأرب أصبحت الآن تحت سيطرة قوات صنعاء.
في الواقع، هناك أدلة على أن المملكة العربية السعودية وحلفائها الآخرين يستعدون لمرحلة ما بعد الهزيمة في مأرب ولهذا فهم يحاولون إقامة جسر جديد بين مرتزقتها في مناطق مختلفة من اليمن. وخلال الفترة الماضية اشتدت التطورات الدراماتيكية في مناطق متفرقة من محافظة مأرب بعد الانسحاب المفاجئ لتحالف العدوان من المناطق الغربية. وتظهر البيانات أن معظم احتياطيات النفط اليمنية تقع في المنطقة الواقعة بين شبوة ومأرب، وهزيمة السعودية في هذه المنطقة تعني لها خسارة كبيرة. وبعد فشل كل الحسابات السعودية في اليمن وحساب القوات الموالية للرئيس اليمني المستقيل “عبد منصور هادي”، يبدو أن الرياض تسعى إلى إعادة تنظيم أوراقها في البلاد وإعادة بناء تحالفاتها.
وفي غضون ذلك، ازدادت التعبئة الأمريكية بعد تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية، وبذلوا قصارى جهدهم لمنع تحرير مدينة مأرب من قبل قوات “أنصار الله” اليمنية. ومع سيطرة “أنصار الله” على جميع المناطق الست جنوب مأرب، ازدادت مخاوف المملكة العربية السعودية وحلفائها الأمريكيين والبريطانيين بسبب قرب سقوط مأرب. وفي المقابل، يصر تحالف العدوان السعودي أيضًا على الاستمرار في حرب استنزاف وذلك لانه لا يريد قبول الهزيمة. ولهذا تحاول المملكة العربية السعودية للتدخل مباشرة مع الولايات المتحدة في هذه المعركة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وفي مواجهة هذا التقدم، لجأت الولايات المتحدة والسعودية إلى خيارات متعددة، بما في ذلك التدخل المباشر بالسلاح الجوي الأمريكي لمنع الجيش اليمني واللجان الشعبية من التقدم في مأرب.
وعلى نفس هذا المنوال، طالب عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي المتعطشين للأموال السعودية، بإعادة وضع حركة “أنصار الله” على قائمة الإرهاب. وزعم عضو الكونغرس الأمريكي “دان كرينشاو”، إن “قوات أنصار الله اقتحمت السفارة الأمريكية في اليمن واحتجزوا رهائن.” وأضاف “في غضون شهر من تولي جو بايدن الرئاسة قام بشطب الحركة من قائمة الإرهاب”. وشدد “كرينشاو”، على أن شطب اسم الحركة أظهر ضعف الولايات المتحدة تجاه أعدائها. ولقد كتبت صحيفة ” ناشونال اينترست” أن الهجوم على السفارة الأمريكية في العاصمة اليمنية، أجبر القادة في البيت الأبيض إلى مراجعة النهج الأمريكي تجاه المملكة العربية السعودية. ووفقا لهذه الصحيفة، فقد كشفت قضية اعتقال الموظفين الباقين في السفارة الأمريكية في اليمن مرة أخرى عن التكلفة الباهظة للعلاقات الخاصة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية.
الجدير بالذكر أن العديد من السياسيين الأمريكيين يدركون جيداً أن حركة “أنصار الله” ليس جماعة أجنبية وأن هذه الحركة تشكلت من قلب المجتمع اليمني وأن أنصارها ليسوا مقتصرين على موقع جغرافي معين في شمال البلاد وأن قادة هذه الحركة مصرون على الحفاظ على المصالح الوطنية وأن هذه الحركة مدعومة من قبل جميع الطبقات والاعراق في مختلف المناطق اليمنية، ولهذا فقد يدفع هذا الامر السياسيين الأمريكيين في الكونغرس الأمريكي إلى استنتاج أن إدراج هذه الحركة في قائمة الجماعات الإرهابية هو خطأ فادح، وسوف تكون له نتيجة معاكسة وقد يعقد الوضع على الساحة اليمنية. والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا والتي لا يستطيع بعض السياسيين الأمريكيين تجاوزها بسهولة وببساطة، هي أن حركة “أنصار الله” اليمنية أصبحت القوة الرائدة في اليمن خلال سنوات الحرب والعقوبات والحصار، ولا تزال لديها القدرة على تحمل أقصى قدر من الضغط.
الوقت