ابن سلمان يعرض السعودية للبيع.. و’إسرائيل’ وجهة المستقبل
بكل عنجهية وفوقية وخطاب متعالٍ عرض ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤيته لبيع السعودية في مشروع يمتد حتى العام 2030، وعلى مدى ساعة من الزمن طرح الإعلامي داود الشريان سلسلة من الأسئلة ركّزت على الجوانب الاقتصادية في رؤية الأمير الشاب الذي لم يعد قادراً على كبت جموحه الطامح لاستلام الحكم في المملكة فبدا اللقاء وكأنه برنامج عمل لحكمه المستقبلي القريب.
وعود وتمنيّات واعترافات
وعلى الرغم من أن الحيّز الأكبر من اللقاء تناول الملفات التي تتّصل بالواقع الداخلي ومعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، والتي سعى ابن سلمان للتقليل من خطورتها، إلا أن القراءة ما بين الكلمات تظهر أن هناك أزمة جدّية تعصف بالبلاد، وكلّ ما أطلقه ابن سلمان في مقابلته لا يعدو كونه وعوداً وتمنيّات وعملية هروب إلى الأمام دون رسم ملامح عملية وواقعية للحلّ، وعلى الرغم من أن الشريان لم يمارس دوره الإعلامي في حشر ضيفه “الملكي” بأسئلته المحرجة، إلا أن اللقاء تضمّن الكثير من الاعترافات بالإخفاق في لجم التدهور والفشل في مقاربة الحلول الناجعة للمشاكل الداخلية والخارجية التي يدفع ثمنها المواطن السعودي.
بطالة وعجز وأسئلة بلا أجوبة
تحدث ابن سلمان عن أن انخفاض سعر النفط أثّر سلباً وبشكل بالغ على الاقتصاد السعودي، مؤكداً أن الدين العام لن يزيد عن 30% من الناتج الإجمالي المحلي! واعترف أن مؤشر النمو الاقتصادي أقل من المعدل العالمي، إلا أنه طمأن السعوديين أن اقتصاد البلاد لم يدخل في مرحلة الانكماش، وأن هدف “رؤية 2030” الوصول إلى معدل بطالة 7%! وأن الدين العام لن يفوق الـ 30%!! وكانت إجاباته حول إمكانات الحل في حال استمرار انخفاض أسعار النفط: لا نعلم ما السيناريو الواضح! لا نعلم إذا اتفاقية النفط سوف تنجح أو لن تنجح! لا نعرف إذا برامجنا في الإيرادات ستنجح أو لا! ولا نعرف إذا استثماراتنا ستأتي أُكُلها في فترة قصيرة أو لا! لا شك أن النفط يشكّل عصب الاقتصاد السعودي، وبدل أن يطلق ابن سلمان التطمينات في سبل المعالجة لجأ إلى الغموض أكثر فقال: “إذا مررنا بمرحلة حرجة مرة أخرى سنعود للإجراءات التقشفية وسنحاول أن تشمل مساعدات الدعم أكبر شرائح ممكنة من المجتمع”. أين هي إيجابية رؤية 2030!؟
بالطبع لم يذكر ابن سلمان أسباب انخفاض سعر النفط، ولم يحرجه الشريان في تفصيل هذا الجانب، فكيف سيشرح الأمير الجامح للسلطة انصياع المملكة للأوامر الأمريكية في عهد باراك أوباما – الذي انتقد ابن سلمان طريقته في التعاطي مع الملف السوري – في رفع سقف الإنتاج وخفض أسعار النفط للضغط على إيران وروسيا والتأثير على إيراداتهما المالية في تجارة النفط العالمية كواحدة من عناصر الضغط في الملف السوري؟! وكيف سيبرّر عدم تجاوب حكّام المملكة آنذاك مع تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من مخاطر التلاعب بأسعار النفط على الإقتصاد السعودي؟! وكانت النتيجة أن دخلت السعودية نفق العجز في الموازنة والمديونية.
الترفيه والتسليح همّ وطني؟!
إلا أن المضحك المبكي هو اعترافه بأن “22 مليار دولار سنوياً تخرج خارج السعودية على الترفيه والسياحة”، معتبراً أن هذا “أصعب بند في رؤيته، لأن المواطن السعودي لا يجد داخل السعودية ما ينفقه على الترفيه”، فكيف سيقنع ابن سلمان هذا المواطن أن ينفق أمواله داخل السعودية؟ وأي ترفيه يتحدث عنه يكلّف 22 مليار دولار سنوياً؟! وهل يستطيع هذا المواطن أن يجد ما يرفّه به عن نفسه في بلد لا يزال حتى اليوم يمنع المرأة من قيادة السيارة؟ّ وهل يجد في السعودية ما يمكن أن يجده في بيروت أو اسطنبول أو باريس أو لندن أو منتجع ماربيا وغيره ؟! وهل الذي ينفق هذه الأموال الطائلة هو المواطن العادي أم طبقة الأثرياء ومعظمهم من الأمراء والحكام؟! وكيف يستقيم حديث ابن سلمان عن محاسبة الفاسدين “أميراً كان أم وزيراً”؟! وهو بحد ذاته اعتراف باستفحال النسبة الأكبر من الفساد في الطبقة الحاكمة وفي هيئة محاربة الفساد نفسها.
أما الاعتراف الأخطر الذي أعلنه ابن سلمان فكان أن السعودية هي ثالث أكبر بلد في العالم ينفق على التسليح العسكري، وأن 99% من التسليح يتم من خارج المملكة ويتراوح ما بين 50 إلى 70 مليار دولار سنوياً، وعلى الرغم من أنه استخدم هذا الأمر ليبرّر الاتجاه لتشجيع التصنيع الداخلي للسلاح، ولكنه لم يوضح سبب هذه الكلفة المرتفعة على التسليح، ولم يشرح الهدف منه، إلا إذا كان القصد من هذا الأمر تحويل الأيدي العاملة في السعودية إلى جهود التسليح العسكري، فهل هدف رؤية 2030 عسكرة البلاد؟! ولماذا؟! وفي مواجهة من؟! وهل تستطيع السعودية فعلاً أن تحقق هذا الهدف؟! الجواب على هذا السؤال تضمّنه حديث ابن سلمان عن جبهة اليمن وعن إيران، وهنا بيت القصيد وقطب الرحى حيث تجتمع كل الاتجاهات السعودية. وكان ابن سلمان واضحاً في رسم صورة قاتمة عن مستقبل العلاقة السعودية – الإيرانية من منطلق عقائدي – طائفي بحت لا يجعل مكاناً “لأي نقطة التقاء” على حد قوله، كما كان واضحاً في الإشارة إلى مكمن الخطر الذي يراه السعوديون في المعطى اليمني الذي بات يستنفد أكثر فأكثر المقوّمات البشرية والمادية للسعودية.
نعم لإسرائيل لا لإيران
وهنا ترتسم مجموعة من المعطيات والإشارات أهمها:
• قناعة الرياض بالتفوّق الإيراني والإحساس السعودي بالدونية أمام التقدّم الذي حققه الإيرانيون في مجالات الصناعة والتكنولوجيا المتطوّرة، وأمام الاعتراف العالمي بإيران كقوة نووية دخلت عالم الكبار في تقنية النانو والتصنيع الوطني والاكتفاء الذاتي، ولعلّ حديث ابن سلمان عن حرمان النظام الإسلامي في إيران لشعبه من التنمية وتجويعه لمدة ثلاثين سنة يشكّل عنصر إدانة للسعودية، فها هي إيران مستقلّة بينما السعودية مرتهنة للخارج في اقتصادها وتسليحها وفي كل شيء فيها، وحتى “الترفيه”، باعتراف ابن سلمان نفسه.
• زعم ابن سلمان القدرة على “اجتثاث الحوثي وصالح في أيام قليلة.. ولكن ستكون نتيجته ضحايا في قواتنا بالآلاف، وسنفتح عزاء في كل مدينة سعودية” كما قال، وهل فاتورة الحرب تكون غير ذلك؟! وكيف يلعب الوقت في صالح السعودية وهي لم تستطع مع دول “تحالفها الإسلامي” أن تحقق شيئاً على مدى عامين من الحرب، وكيف يستقيم اتهامه بأن إيران تدعم الحوثيين مع قوله: “نحن لدينا كل الإمدادات اللوجستية والمعنوية العالية، والعدو ليس لديهم الإمداد وليس لديه الأموال وليس لديهم النفس الطويل”؟! فهل يراهن على استسلام الحوثيين أم أنه يمهّد لاحتمال تدخّل خارجي يحسم الحرب؟
• لم يجد ابن سلمان شجاعة في الاعتراف بعدم إمكانية التدخّل في الملف السوري، وبرّر ذلك بأن القضية أصبحت معقّدة مع دخول روسيا على خط الأزمة، وألمح إلى “النأي بالنفس” بادّعاء أن أي “احتكاك بين الدول الكبرى قد يحدث أزمة أكبر بكثير من أزمة الشرق الأوسط”، وهذا يعني الفشل في تحقيق الهدف الذي كان أعلن عنه الملك عبد الله بهذا الشأن، فها هو الرئيس بشار الأسد ما زال في الحكم وها هي السعودية لا تجد لها موطئ قدم على الساحة السورية.
• رؤية 2030 لا تكتمل إلا بتنفيذ مشروع “جسر الملك سلمان إلى شمال سيناء”، وهذا يكفل توفير الوقت والتكلفة، وتكون فيها الضمانات الأمنية أعلى بكثير” كما أوضح ابن سلمان، وهذا يعني استغناء 40 % من صادرات السعودية ودول الخليج وأوروبا عن المرور من مضيق هرمز وصولاً إلى باب المندب فالبحر الأحمر، وهذا المشروع ليس اقتصادياً بحتاً بل يفترض تنسيقاً حتمياً مع “إسرائيل”، في حين أنه يدخل في سياق ممارسة حصار إضافي على إيران، فهل باتت “إسرائيل” بالنسبة لابن سلمان أكثر أمناً من إيران؟!
فلسطين الغائب الأكبر
كان ابن سلمان واضحاً حين أعلن في بدايات إطلاقه رؤيته عن أن تمويل كل هذه المشروعات سيأتي من خلال تأمين السيولة (الكاش) في طرح أسهم شركة “أرامكو” للبيع، ولم يجد غضاضة في تكرار هذا الأمر في مقابلته التلفزيونية، مع تصريحه بتشجيع الاتجاه نحو الخصخصة في القطاع الصحي، على غرار النظام في الولايات المتحدة وأوروبا، مع ما يتعلق بهذا القطاع من شؤون ومجالات خدماتية تطال المواطن السعودي بشكل مباشر، فهل هذا النظام سينجح في السعودية في حين أنه يواجه الفشل في الولايات المتحدة نفسها؟! لقد أعلن ابن سلمان بشكل سافر أنه يعرض السعودية للبيع بشكل تدريجي ويرهنها للتجاذبات الدولية، وكل ذلك في سبيل ضمان وصوله إلى الحكم.. وتبقى فلسطين الغائب الأكبر في الهم السعودي، وهذا هو الهدف.. انشغلوا أيها السعوديون بلقمة عيشكم ودعوا القضية تذوي مع أصحابها في غيابات التجهيل والنسيان والغربة.