إن في قصصهم لعبرة…
عين الحقيقة/كتب / علي العماد
بعيدا عن ضجيج السياسة ومناكفاتها دعوني أتذكر معكم لحظات عايشتها مع اسرة نهلت من نبع الثقافة القرآنية لتصبح سلوكا لأفرادها ، ولم يتأثر ربانها ببريق السلطة ..
بل دفع بفلذات كبده الى التسابق على ميادين الجهاد والتضحية بعيدا عن بريق الوظيفة والراتب بالرغم انه يشغل منصب نائب وزير الخدمة المدنية والتأمينات ، وهي كما تعلمون الوزارة المعنية بالوظيفة العامة (عبدالله حسين المؤيد) …
عمي عبدالله هكذا تعودت أناديه منذ ان عرفته مطاردا من قبل نظام الجور والظلم عام 2004 .. وما أثار شجوني وأعادني إلى زمن ليس ببعيد هو استشهاد أبنه الرابع المجاهد إبراهيم (أبو خليل)، وهنا سأسرد لكم بعضا ًمن هذه المحطات مع هذه الاسرة العظيمة :-
* المحطة الأولى اثناء الحربين الاولى والثانية :
تعرفت على عمي عبدالله في بداية الحرب الأولى على صعدة ، وكان حينها مطاردا، وكنت التقي به سرا ًفي اماكن مختلفة ؛ لنتبادل اخبار الحرب الظالمة التي شُنت على القائد الشهيد السيد حسين بدرالدين رضوان الله عليه ، أو لترتيب بعض الأمور البسيطة للتضامن مع المجاهدين سلام الله عليهم أجمعين ، ومنها ندوة نظمها عمي عبدالله واخيه غير الشقيق الدكتور عبدالرحيم الحمران حول العدوان على ابناء صعدة في جامع الشوكاني ولم يحضرها إلا قليل جدا من المصلين بعد ان انفض الناس عقب صلاة الجمعة بسبب قراءتنا سورة الفيل خوفا ًمن الملاحقة الأمنية ، وفي نفس العام سقط إبنه حسن شهيدا تلاه بفترة قصيرة أبنه الثاني محمد سلام الله عليهما.
* المحطة الثانية اثناء الحرب الرابعة :
كنت مع ابنه الثالث الشهيد أحمد حيث استقر في صنعاء بين الحرب الثالثة والرابعة وكان قد فكر في اكمال دراسته بصنعاء بعد أن أغلق النظام كل المدارس بصعدة وحولها متارس!! ولكن ما إن بدأت الحرب حتى جاءني متوسلا بأن استأذن له من ابيه بالعودة الى صعدة ولأنه مستحي بسبب ان والده محتاج له بجواره وخاصة وقد استشهد اخويه ووالده مطارد حينها كان الشهيد ابوخليل واخيه يحيى لازالا صغيرين وما إن علم عمي عبدالله بطلب ابنه حتى وافق بدون تردد … واتذكر حينها كيف عجز الشهيد احمد في توفير 500 ريال قيمة مواصلات الى صعدة وكيف استبشر بعد ان اخذ سلفة من اخي محمد 700 ريال.
ومن المواقف العظيمة لهذه الأسرة أنه حينما استشهد أحمد اتصل بي أبو محمد (عبدالكريم الحوثي) قائلا:
“بلغني ان أحمد إبن عبدالله المؤيد استشهد وماعد قدرت ابلغه لأنه أبنه الثالث الذي يستشهد ، فهل ممكن تبلغه أنت .. قلت له بتردد حاضر سأحاول.
عندها اتصلت بعمي عبدالله محاولا ان اتدرج في الخبر : سالته كيف الاولاد وهل تصله أخبار أحمد فبادرني بسؤال:
هل استشهد أحمد ، فقلت: الله يتقبل منكم ياعم . فأجابني الحمدلله على نعمته ثم استرسل قائلا ً: “كلمني من أخوك هو رد المرة حقه (الحانقة) ولا ماشي ، الرجال عيجنن عليها ، وظل يمازحني الى ان انهينا المكالمة .
* المحطة الثالثة الحرب الخامسة:
أثناء الحرب الخامسة كنت معتقلا ً أنا وآخرين في الأمن القومي ، ادخلوا عندنا عمي عبدالله بلحيته البيضاء وهو معصوب العينين ومكتوف اليدين الى الخلف ،وتم رميه بجوارنا على الارض بدون فرش ولا غطاء ، وبصعوبة تعرفت عليه لأني ماتوقعت ذلك وحينها كان تعامل المحققين معه تعاملا ً مختلفا ً، فكانوا مثلا يحرصون على تعليقه أمامنا بعكسنا حيث كانوا يعذبوننا فرادى في البدروم او زنزانة فردية إلا في حالات حفلات التعذيب الجماعية …. طبعاً كان المقصود من طريقة تعليقة أمامنا إيصال رسالة نفسية إلينا مفادها “انظروا ماذا نفعل بالشيبة وتخيلوا ماذا سنفعل بكم” ، لكنه كان يتحمل الألم ولم أسمع أنينه أو صوته إلا بكلمة واحدة الله الله بصوت الواثق المتماسك ، وللعلم فإن التعليق هو تقييد اليدين إلى الخلف بقيد فولاذي ومن ثم رفعها بونش يدوي حتى يرتفع الجسم من الأرض لساعات حتى يغمى على السجين أحيانا وهذه الطريقة تسببت في آلام مزمنة للظهر والكتفين لكل من مورست عليه . واتذكر في إحدى الليالي حينما كانوا يعذبون عمي عبدالله بالقرب من زنزانة المجاهد أبو عقيل – محور حرض حاليا – قال لي ماعد قدرت أتحمل الظلم على عمي عبدالله قد وصلت الى عدد أربعمائة لكمة وجلدة فيه هذه الليلة وتوقفت عن العد وعادهم مستمرين …..
* المحطة الرابعة مع الشهيد الرابع (أبو خليل):
عندما كبر إبراهيم بدأ حياته العملية في فريق مكافحة تجار الحشيش والمخدرات بصعدة – التي كانت تهرب إلى السعودية – وسجل فريقه الكثير من الإنجازات بعضها موثقه بالفيديو كما ان له دور امني بارز في تثبيت الامن وملاحقة الخلايا الاجرامية بعد ثورة 21 سبتمبر بصنعاء وانتقل بعدها لمواجهة العدوان داخل العمق السعودي حتى اختاره الله شهيدا وكان آخر عهدي به قبل حوالي شهرين حينما تفاجأت به يطرق شقتي قادما من الجبهة بغرض زيارة والدي شفاه الله وكأن الجهاد وعظمته وصعوبته لا تنسي هؤلاء العظام القيام بواجباتهم الانسانية والأخلاقية التي ينساها دونهم من الناس.
وهنا يعجز اللسان عن وصف هذه الاسرة العظيمة الذي لم يتبق من أبناءها الا المجاهد الجريح يحيى فسلام على هذه الاسرة التي جسدت روح التضحية قولا وفعلا ولا نامت اعين من يتاجر بدماءهم وتضحياتهم للوصول لسلطة أو نفوذ او مال .