إنهاء الحرب على اليمن: الأسباب والمكاسب!بقلم/ د. علي مطر.
منذ وصوله إلى البيت الأبيض بدأ الرئيس الأميركي جون بايدن بإطلاق تصريحات وإعطاء توجيهات لإدارته، تظهر أنه يعمل على إعادة هيكلة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وإنهاء وحل ملفات عدة، من أهمها ملف الحرب على اليمن، حيث أعلن بايدن انتهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية في اليمن، كجزء من إصلاح شامل للسياسة الخارجية الأمريكية السابقة.
بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة بطرح وتبني العديد من الالتزامات تجاه اليمن، كان أبرزها الالتزام بإنهاء العدوان السعودي الذي يشارف سنته السابعة، ومن شأن ذلك أن يحقق هدفين معلنين لإدارة بايدن وهما استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة في الشؤون الدولية، وتخفيف التوترات في الخليج، لتخفيف العبء عليها في الشرق الأوسط، من أجل التوجه الكلي لمواجهة الصين، فضلاً عن التفرغ للعمل على احتواء إيران.
وفي المقابل، تريد السعودية أن تنزل عن الشجرة، وأن تتخلص من مستنقع اليمن الذي دخلت إليه من خلال سياسة محمد بن سلمان، لذلك تتلمس قبول التفاوض مع حركة “أنصار الله”، تحت ضغط الهزيمة والتفاوض عبر المبعوث الأممي، خاصةً أن اليمنيين حققوا الانتصارات في مأرب، ومن هنا يظهر أن هناك أسبابا ومكاسب عدة تدفع واشنطن وقوى العدوان إلى وقف الحرب.
الأسباب التي تفرض وقف الحرب
لا شك أن السعودية لم تحقق مكاسب استراتيجية تذكر خلال ست سنوات، وبدون مواربة يمكن القول إن العدوان العسكري فشل في تحقيق أهدافه المتمثلة بالقضاء على حركة “أنصار الله” وضرب البيئة اليمنية المقاومة للعدوان، حيث لم تحقق هذه الحملة تدمير البنية التحتية اليمنية وقتل المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الحرب كشفت عن صراع الحليفتين المزعومتين السعودية والإمارات على مناطق النفوذ والذي أدى الى تعقيد الوضع وربما يعد من الأسباب التي أجبرت السعودية على القبول بمبدأ وقف الحرب والتفاوض مع حركة “أنصار الله”، خاصةً مع خسارة حكومة هادي لمساحات واسعة، ابتداء من مديرية نهم شرق صنعاء، وصولًا إلى مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف قرب الحدود السعودية، وتراجع ما يسمى بالشرعية إلى صحراء خُب والشعف، آخر معاقلها في محافظة الجوف، وخسارة محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز التي من المتوقع تحررها من أيادي قوى العدوان ومرتزقتهم قريبًا، وذلك وفق ما تشير دارسة صادرة عن مركز الاتحاد للأبحاث.
ومن الأسباب الرئيسية أيضًا فشل السعودية في حماية منشآتها الحيوية والنفطية من خطر الصواريخ البالستية للجيش اليمني، وهنا يمكن الحديث عن فشل سعودي-اماراتي مقابل ردع استراتيجي فاعل لحركة “أنصار الله”، فالحركة تمتلك قدرات صاروخية عالية، غيّرت المعادلة وافشلت القدرة العسكرية لقوى العدوان، خاصةً أن هذه الصواريخ قادرة على إصابة القواعد العسكرية الإستراتيجية في جنوب السعودية وصولًا الى عمق الوسط على مقربة من الرياض.
وقد شكل وصول المقاومة اليمنية إلى باب المندب مخاوف جيو-استراتيجية لدى صانعي القرار الأمريكيين الذين يرونه تهديدًا للمصالح الأمريكية أولًا من خلال ما يمثله من سيطرة على الملاحة البحرية، كما أن حركة مرور السفن في البحر الأحمر أصبحت تحت مرمى الصواريخ الباليستية اليمنية وهذا يشكّل تهديدًا لأمن “اسرائيل” والمصالح الغربية.
أما من ناحية المكاسب السياسية، فلم تحقق هذه الحرب أهدافها، ولكنها سببت مأساة إنسانية دفع ثمنها الشعب اليمني مع تدمير للبنى التحتية وهذا كان سببًا من الأسباب التي قد تدفع الإدارة الأمريكية للتراجع عن دعم تحالف العدوان لتلميع صورتها. وقد طرح في الكونغرس مناقشة حول ضرورة اتخاذ تدابير وإجراءات تخدم المصالح الامريكية لوقف الحرب، كما فشلت الصفقة السعودية-الاماراتية التي كانت تقتضي تقاسم النفوذ والسلطة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
المكاسب الأميركية من وقف الحرب
تسعى إدارة بايدن للعب دور ريادي جديد في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً من خلال اعتماد دبلوماسية نشطة، تعيد القوة إلى السياسة الخارجية الأميركية، فكانت الدعوة إلى السعي لإنهاء الحرب، ومحاولة لملمة الوضع الإنساني، واحتواء الأزمة من خلال جلب الأطراف المتصارعة الى طاولة المفاوضات، وبالتالي الخروج من مأزق تحمل المسؤولية في صراع دمر اليمن وتسبب في خسائر بشرية في انتهاك صارخ لكل القوانين والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني.
وبالنظر إلى التوترات في الخليج، والى احتمالية الدخول في صراع طويل الأمد مع إيران، ولو كان غير معلن حاليًا، فإن إنهاء الصراع في اليمن وإخراجها من ساحة المواجهة المحتملة مع إيران يعد هدفًا استراتيجيًا أمريكيًا قد تزداد أهميته مع مرور الوقت، كذلك من أجل التمهيد لإمكانية العودة للتفاوض الأمريكي-الإيراني والذي يعتبر الأمريكي أنّ الملف اليمني جزء أساسي منه. وبالتالي، سوف يساعد إنهاء الحرب وحل النزاع اليمني على إعادة تركيب بقية أجزاء أحجار مشروع الشرق الأوسط وفقا للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، وتأمين الموقع الجغرافي الإستراتيجي لليمن.
وفي مقابل ذلك، سوف تبدأ واشنطن بالتركيز على ورقة تقسيم اليمن الى شمال وجنوب بما يجعله أمرًا واقعًا يضعف اليمنيين ويسقط أي مبادرة لوحدة الصف اليمني ووحدة أراضيه وشعبه، فضلاً عن الاعتماد على الوكلاء المحليين والعملاء، للقيام بعمليات أمنية وانتقامية لإرباك الساحة اليمنية الداخلية وخلق بؤر للفتنة، ولكن في المحصلة فإن الشعب اليمني يتجه لنصر عزيز وكبير على قوى العدوان، ويشكل قوة جديدة في المنطقة مع حركة “أنصار الله” قادرة على مواجهة أعداء اليمن، والمشاركة في القضايا الكبرى في المنطقة، وخاصةً في السعي إلى تحرير فلسطين، وردع العدو الإسرائيلي صاحب المطامع في البحر الأحمر