إنجاز الدفاع الجوي بالنكهة اليمنية الإيمانية…بقلم/حمود الأهنومي
يتميَّزُ الخطابُ العسكري اليمني بأنه لا يأتي إلا بعد الفعل، فبعد ما نَعَى العدوُّ الأمريكي طائرتَه المتطوِّرة إم كيو 9، وأنها أُسْقِطَتْ في سماء اليمن، خَرَجَ متحدِّثُ القوات المسلحة ليذكر تفاصيلَ ما بات حديثا للعالم كلِّه، وهنا يكمُنُ سِرُّ المصداقية المجرَّبة لكلِّ ما بات يُعْلِنُه الجيشُ اليمني واللجان الشعبية.
في إيجازِ متحدث القوات المسلحة تبيّنَ وجودُ إنجازاتٍ مذهلة بدأَتْ مِن الصفر، فهناك أربع منظومات جاهزة أو شبه جاهزة في الميدان، وهناك مئات الإنجازات المصورة والمعلنة، والعملُ جارٍ على قدم وساق للتطوير والتصنيع ورفع الكفاءة والفاعلية، وصولا إلى عام 2020م الذي سيكون عام الدفاع الجوي، حَرِصَ المتحدِّثُ أن يأتي به في سياق الحديث عن عام 2018م الباليستي، وعام 2019م المسيَّر، والعدوُّ قبل الصديق يعي ماذا يعني العام الباليستي والعام المسيَّر في بُعد المصداقية.
إنَّ هذا يعني وجودَ استراتيجية دفاعية ليس في مجال إطالة أذرعة اليمن لضرب أعماق العدو وأطرافه البعيدة، بل ولقطع ذراعه التي ظلَّت منذ بداية العدوان تهيمن على سماء اليمن، وتعبث بها، وتدمر، وتقتل بلا رحمة ولا حسيب ولا رقيب، وتحديدُ العام 2020م بعامِ الدفاع الجوي يبيِّن أن اليمنيين يتحرَّكون في جميع الاتجاهات، تنتهي في مجملها إلى استراتيجية مرحلة انهيار العدو بإذن الله، وليس هزيمته المذلة فقط.
سبق وأن تحدَّث السيد القائد عليه السلام أن عملاً حثيثاً يجري على قدم وساق في الدفاعات الجوية، وأنها ستأتي بنتائج وثمارٍ قريباً، ولعلَّ آخرَ ذلك كان في سبتمبر الماضي، وها هي الأيام تكشِفُ أنَّ رجل القول والفعل، رائدٌ صادق، لم يَكْذِبْ شعبه ومواطنيه يوماً.
أمَّا لماذا تتحقَّقُ هذه الإنجازاتُ الهائلة لجيشنا ومجاهدينا بهذه السرعة مقارنة بتجارب المقاومة في بلدان أخرى في هذا العالم، فإنَّ هذا يعودُ لعددٍ من العوامل والظروف.
إن العقيدة القتالية والانطلاق من الوجوب الديني والوطني، جزء من المشروع القرآني، وهو يبني في ثقافة ووعي المنتمين إليه وجوبَ الإعداد لمواجهة العدو، والعدوُّ هو العدو الذي أخبرنا القرآن به، وعلّمنا كيف يجب أن نتعامل معه، وأن نحذره، فهدى القرآن واسع، يعطيك معرفة عميقة بالعدو، ويهديك إلى الطرق الكثيرة لمواجهته بالإعداد أولاً، ثم بالمواجهة، وطرقها، ومبادئها، ووسائلها، وهذه قضية لا تخلو من أدبيات المسيرة، في ملازم الشهيد القائد، وفي خطابات وتوجيهات السيد القائد، وفي تفكير القادة والعاملين، بل وحتى الأفراد العاديين، وبهذا يظهر أن هذا العامل عامل بنيوي معرفي عقائدي يحمل المنتمي إليه بأن يتحرك في هذا الاتجاه.
ولأن اليمني وجَدَ نفسَه في عالَمٍ متوحِّش لا ينظر إلى المستضعفين بشيء من الشفقة، بل لا يتجاوزون في نظره حشراتٍ يمكنه إجراء تجارب أسلحته عليهم، بكل وقاحةٍ وانعدامِ خلُقٍ ودين؛ فأيقن اليمنيون أن الاعتماد على الذات، والتحرك صوب هذه الخيارات الاستراتيجية هو أقرب الطرق إلى الدفاع عن أنفسهم، وحماية وجودهم، وكرامتهم، وعزتهم، المعرَّضة للخطر.
واليمني بطبعه توَّاق للانتصاف والمواجهة القوية للمستكبر، والتجلد أمام العواصف، ومن هنا نجد الكثير من اليمنيين بما فيهم أولئك الذين يسلكون سبيل الحياد، بل وحتى المرتزقة، يطربون للأخبار النوعية المنطوية على تحقيق انتصارات استراتيجية ضد السعودية والإمارات، هذا الالتفاف الشعبي والاعتزاز الوطني بهذه الإنجازات هو ما يُضْفِي الطابع المجتمعي للإنجاز، ويعطي القائمين على هذه المشاريع حوافز معنوية باعتبارهم أبطالا يصنعون اللحظة التاريخية العظيمة والمقدسة التي ينتظرها الجميع، والتي تشرِّف كل يمني حر، وتظل مدعاة للفخر والمجد عبر الأجيال.
بَرْهَنَتِ نتائجُ أعرقِ الجامعات الأجنبية أن اليمنيَّ لا يقلُّ ذكاء عن الأمريكي والروسي والصيني والكوري، إن لم يفُقْهُم في بعض الأحيان، ونواميس الله في هذه الدنيا متاحة لكلِّ ماشٍ في مناكبها، ومتأمل فيها، هذا عدا التنوير الإلهي الذي يحبوه اللهُ للمنتصرين لدينه والمهتدين بهداه، وصدق الله القائل: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، والقائل: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ).