إعدامُ قتَلة الرئيس الشهيد صالح الصماد ورفاقه.. رصاصٌ في جسد العدوان!
لا يستطيعُ اليمنيون نسيانَ رئيسِهم البطل والقائد الشجاع، صالح علي الصمَّـاد، فذاكرةُ الثوار والأحرار مليئةٌ بإنجازات وبطولات هذا القائد الملهم، الذي مَلَّ الجلوسَ على كرسي السلطة، وتنقل من محافظة إلى أُخرى، وكُلُّ هَمِّه مقارعةُ العدوان الأمريكي السعوديّ وتحفيز الشعب اليمني للتصدي له بكل بسالة.
كان الشهيدُ الرئيس صالح علي الصماد –رحمه الله- يقول: إن أحب الأماكن إلى قلبه، هي حين يكون بين المجاهدين في جبهات القتال، يشاركهم تفاصيل حياتهم وكفاحهم وهم يقارعون الطغاة والظالمين، بأقدامهم الحافية..؛ ولهذا يحفظ اليمنيون عن ظهر قلب، كلمات قائدهم وهو يقول: “لُمسحُ الغبار من نعل المجاهدين أشرفُ من كُـلّ مناصب الدنيا”.
وعلى الرغم من قِصَرِ الفترة الزمنية، لتوليه زمام الأمور، وما رافقها من تعقيدات، إلا أنه استطاع أن يحتلَّ مكانةً كبيرةً في قلوب ملايين الشعب اليمني، فقد أحبهم وأحبوه، وفي وقت كان فيه العدوان في ذروة التوحش يقصف المدنيين ويحوّل منازل المواطنين إلى ركام، كان الرئيس الشهيد يتفقد الجرحى والمصابين، ويزور الأماكن المستهدفة، سواء في الليل أَو النهار، مقدِّماً العزاء للشهداء، ويواسي الضحايا، ويقدم ما يستطيع، وكل ذلك كان نابعاً من إيمان عميق بأهميّة مساعدة الشعب والوقوف إلى جانبه.
وُلِدَ الرئيس الشهيد صالح علي محمد الصماد في منطقة بني معاذ بمديرية سحار بمحافظة صعدة شمالي اليمن، في السادس من شهر يوليو حزيران 1976م، وانطلق في المسيرة القرآنية منذ البدايات الأولى، فقد شد الرحال إلى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي وسمع منه الدروسَ والمحاضرات، وكان أديباً وشاعراً ومثقفاً واسعَ الاطلاع وقائداً عسكريًّا وسياسيًّا.
ودخل الرئيس الصماد الحياةَ السياسيةَ عندما كلّفه قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي برئاسة المجلس السياسي لأنصار الله بعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر سنة 2014م، وعُيِّنَ مستشاراً للفارّ عبد ربه منصور هادي في 24 سبتمبر 2014م.
التحَرُّكُ الجادُّ في المسؤولية
كان الرئيسُ الشهيد من أكبر الناس عشقاً لثورة 21 سبتمبر 2014، وكان يدرك جيِّدًا معنى أن يتحرّر اليمنيون من الوصاية الخارجية، ومعنى أن يعيش اليمنيون في كرامة وعزة، ومع ذلك فقد كان أعداءُ الثورة ينسجون الخطط لمحاولة إجهاضها في مهدها، والتخلص منها؛ باعتبَار أنها تمثل لهم كابوساً يقض مضاجعهم، حتى جاء العدوان الأمريكي السعوديّ في 26 مارس سنة 2015، وافتتح العدوُّ حربَه على اليمن بغارات هستيرية، وجرائمَ متوحشة لا يعرفها اليمنيون من قبلُ، إضافة إلى حصار غاشم من البر والبحر والجو.
مضت بلادُنا في الأشهر الأولى من العدوان في مخاضات وتحديات كبيرة، وعواصف تحاولُ اقتلاعَ الأنصار من جذورهم، وكيد سياسي داخلي، وانهيار لمؤسّسات الدولة، حتى جاءت فكرةُ تأسيس المجلس السياسي الأعلى مناصَفةً بين أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام، ويقع الاختيار على الرئيس صالح علي الصماد ليكون رئيساً للمجلس.
ويقول كُـلُّ من عاصروه: إن الرئيس الشهيد كان صادقاً ومخلصاً، وينظر إلى الدولة بنظرة عميقة، وبعيدة المدى، وخلالَ سنة وثمانية أشهر فقط قاد فيها المجلسَ السياسي الأعلى، استطاع أن يشخص الكثير من الإشكالات والفجوات التي تعيشها الدولة اليمنية، ليس في مرحلة العدوان ولكن منذ عشرات السنين، وبالتالي تبلور ذلك من خلال إعلانه مشروع بناء الدولة والمعروف (يدٌ تبني ويدٌ تحمي).
لقد تمكّن الرئيس الشهيد صالح الصماد من الغَوص إلى أعماق أعماق اليمنيين، فكان أقربَ إلى الناس وأوثقَ صلةً بهم، فهو لم يَعرِفِ البذخ والرفاهية، وكان غالبًا ما ينفرُ من قصور السياسة، ليتجهَ إلى جبهات القتال، مؤمناً أنها أفضلُ الأماكن وأحبها إلى قلبه، وكان يريدُ دولةً يمنية تليق بتضحيات اليمنيات، وتعيد اليمن إلى مكانته بين الدول الأُخرى.
التوق إلى الشهادة
لقد كان الرئيسُ الشهيد –رحمه الله –يتوق للعمل الجهادي وللشهادة، وكان حريصاً على التواجد في الميدان، فكان يحضر الفعاليات العسكرية رغم المخاطر والتحديات، وكان العدوّ حين يعلم بمكان تواجد الرئيس الشهيد يعمد إلى استهدافه، ومع ذلك لم يبالِ –رحمه الله- وظل على هذا الحال حتى لقي الله شهيداً.
ويذكر أمينُ سر المجلس السياسي الأعلى، الدكتور ياسر الحوري، في حوار سابق لصحيفة المسيرة، أن الرئيس الشهيد كان يتحدث بطلاقة وبنبرته المعروفة والإيمان العميق لله وحفظه للقرآن وملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، حَيثُ كان يقدمها بطريقة رائعة، وكان قبل اللقاء في المجلس يطلب منه الإخوة أعضاء المجلس السياسي الأعلى ألا يدخل في الحديث السياسي قبل الحديث الديني، فكان يبحرُ في ملكوت الله بما آتاه الله من علم، فيربط الدينَ بالسياسة وبالواقع، ويقدم صورةً مجملة ومختصرة خلال نصف ساعة، فيحشد مئاتِ الأفكار ومئاتِ التصورات ومئات الآيات والقصص القرآنية التي تجعلك متحمساً وفي غاية الحماس وفي غاية الإيمان بأن الشعب اليمني سينتصر؛ لأَنَّنا نقود معركة حق ضد الباطل.
العدوانُ يضجرُ لتحَرُّكِ الصماد
وضعت قوى العدوان الرئيس الصماد على لائحة المستهدَفين وتعرض لمحاولات متكرّرة للاستهداف، كان آخرها قبل استشهاده بعشرة أَيَّـام وهو عائدٌ من محافظة ذمار، حَيثُ كان طيران العدوان يترصد به، وكان هناك استهداف لموكبه منذ انطلق من ذمار في يوم 9 إبريل 2018، قبل استشهاده بعشرة أَيَّـام بالضبط.
ويقول الدكتور ياسر الحوري عن هذا: “كان غيرَ خائف ولا متردّد، وكان يحدثنا وهو يضحك ويعتز بالشهادة، لكنه كان حريصاً على مشروع بناء الدولة؛ لأَنَّه ينظر إلى الجمهورية اليمنية بأُفُقٍ واسع وبعيد المدى”.
وفي تلك المرحلة كان العدوان في شهر إبريل 2018م، يرتّب لمعركة الحديدة، ويتوقع أن سكانها سيستقبلونهم بالورود، لكن الرئيس الشهيد لم يتحمل هذه التصريحاتِ المستفزة من السفير الأمريكي، وأصر على النزول إلى الحديدة، رغم المناشدات له من قبل قيادات الثورة بعدم النزول؛ لأَنَّه في دائرة الخطر، ومع ذلك أصر، وكان له الحضورُ الكبير والمشرف في الحديدة، وعقد لقاءات كثيرة، وخاطب سكانَ الحديدة بما قاله السفير الأمريكي، وطالبهم بالخروج في مسيرات كبرى تسمى بمسيرة “البنادق” ليوجّهوا رسالةً قوية إلى السفير الأمريكي، بأن أبناء الحديدة لن يستقبلوه إلا على فوهات وخناجر البنادق، أَو بالبارود والنار.
الحزنُ الأسود
لم يكن أحدٌ يتوقع أن ذلك سيكونُ الخطابَ الأخيرَ لرئيس الدولة، وأن سيلقى الله شهيداً، عزيزاً، كريماً، بعد سيرة حافلة من العطاء والجهد والبذل، وقد نال ما تمناه وهي الشهادة في سبيل الله.
لقد كان رحيلُ الرئيس الشهيد صالح الصماد مفاجئاً لكل القوى السياسية في البلد، وتم طَيُّ كتمان واقعة اغتياله لعدة أَيَّـام، ولم تعرف الكثير من القوى السياسية هذا النبأَ إلا من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
ويقول الدكتور ياسر الحوري إنه تم دعوةُ أعضاء المجلس لاجتماع طارئ يوم الاثنين، 24 إبريل 2018 وحضرته كل قيادات الدولة وحضر رئيسُ حكومة الإنقاذ الوطني، الدكتور عبد العزيز بن حبتور، وَرئيس مجلس النواب، الشيخ يحيى الراعي، ومعظمُ أعضاء مجلس الدفاع كانوا حاضرين وكثيرٌ من القيادات في الحكومة وكذلك مجلس القضاء، وتم دعوتهم جميعاً إلى طاولة واحدة، وفُتحت الشاشةُ بخطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الحوثي، ولم يكن هناك أحدٌ يمكن أن ينقلَ لأعضاء المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ ومجلس القضاء وأعضاء مجلسَي الشورى والنواب غير سماحة السيد حفظه الله ورعاه وقد كان ذلك.
ويواصل الدكتور الحوري قائلاً: “تحدث إلينا وفي مدخلٍ مُهِمٍّ عن الشهادة والاستشهاد وَأهميتها وكرامتها وعظمتها، ثم انتقل ليخبرَنا بأن الرئيس صالح بن علي الصمَّاد قد انتقل إلى رضوان الله شهيداً كريماً في مدينة الحديدة، وحدّد لنا الزمانَ والمكانَ الذي وقعت فيه هذه الجريمة التي ارتكبها طيرانُ العدوان الأمريكي السعوديّ وَطلب من الجميع الصبرَ والثباتَ، وأكّـد على أهميّة ترتيبِ وضع الدولة”.
لقد كانت الصدمة كبيرةً والبعض حينها بكى وطرق البعضُ الطاولةَ بقوة، لكن تماسك الجميع بوجود القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وقد طلب السيد من المجلس السياسي الأعلى أن يلتقيَ منفرداً وبناءً على لائحته الداخلية يختار بديلاً عن الرئيس الشهيد الصماد وسد المكان الشاغر، وعدم التأخر في إعلان رئيس للمجلس السياسي الأعلى.
خرج اليمنيون بكل أطيافهم في الثامن والعشرين من شهر إبريل 2018م يشيّعون رئيسهم البطل، في ميدان السبعين بصنعاءَ، ويهتفون بالموت لأمريكا، غير أن قوى العدوان لم تتحملْ صدمةَ هذا المشهد المهيب، فأرسلت طائراتِها لتقصفَ بالقُرب من المكان، ويرتقي يومَها أحدُ المواطنين شهيداً ويصاب آخرون، غير أن اليمانيين واصلوا تشييعَ رئيسِهم البطل الشجاع، غيرَ آبهين بغارات العدوان.
واليوم، وبعد مضي ما يقارب 3 سنوات على اغتيال الرئيس الشهيد الصمَّاد، تنتصرُ العدالة، للدماء، ولا تزالُ تنتظرُ اليومَ الذي يتم فيه القِصاصُ من القَتَلَةِ الفارين من وجه العدالة.
المسيرة – أحمد داوود