إطلالةٌ على خطاب السيد القائد بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف ..مقاربات تحليلية..
عين الحقيقة/محمد الشميري
ليس زعيماً سياسياً ولا جنرالاً عسكرياً، بل باعتباره قائداً مؤمناً وعلَماً ربانياً، عظيم الارتباط بالله، وثيق الصلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة الهُداة، وعيه قرآنيٌ، ونظرته شاملة، يحمل على عاتقه همَّ الأمة كل الأمة، ومن واقع المسؤولية والحرص والرحمة معنيٌ برسم الاستراتيجيات وتسوية المنعطفات ومعالجة كل الاختلالات حرص هذا العام في هذه المناسبة العظيمة ذكرى ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطل علينا على مدى ستة أيام مرشداً وموجهاً ناصحاً ومصححاً، ختمها بخطاب المناسبة الشريفة الذي اعتدنا إشراقته المضيئة فيه كل عام.
بعودةٍ بسيطة إلى شعار المناسبة هذا العام المأخوذ من الآية: (45) من سورة الأحزاب، المتمثل في قوله تعالى:
“إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ” نستطيع أن نستوحي أن الشعار المختار بدقة عالية هو عنوان جامع لكل خطابات السيد القائد سلام الله عليه خلال الأيام الستة المتتالية، بل يكاد يكون عنوان المرحلة بكلها، يدل على ذلك أدنى تأمل للآيتين التاليتين للآية السابقة التي اختير منها الشعار؛ “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا”، المحتوية الثلاث الآيات للمضامين الدلالية الآتية:
1- أهمية رسالة النبي صلى الله عليه وآله، وطبيعة الارتباط به، باعتباره شاهداً يوم القيامة على جرائم العصاة، ومبشراً للمؤمنين بالثواب، ونذيراً لأعداء الله بعذابه، وداعياً إلى طاعة الله وتقواه، وسراجاً منيراً لبصائر من يؤمن به، ويتبع هُداه.
2- البشارة بالفضل والعطاء الجزيل للمؤمنين به المقاتلين على نهجه، المشتمل على النصر العظيم، والتمكين الواسع، والغنائم الكبيرة.
3- طبيعة التعامل مع الكافرين والمنافقين، القائمة على عدم طاعتهم، ورفض الاستسلام لهم، وعدم المبالاة بهم، مع التوكل على الله والثقة العالية بتأييده ونصره في ميدان المواجهة والصمود.
إضافة إلى موضوع سورة (الأحزاب) والقضايا التي تناولتها، خاصةً أننا في العام الثالث من الصمود والمواجهة لأحزاب قريش وحلفائهم في الجاهلية الأخرى.
وتأتي الدروس الستة مرتكزةً على فكرتين محورتين هما:
1ـ الهدف الكبير لبعثة الرسل عبادةُ الله، والتحرر بهذه العبودية من قوى الطاغوت وكل أشكال الاستكبار،
“وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ”، فالحالة التي يعاني منها البشر أنهم يوقعون أنفسهم في العبودية للطاغوت.
2ـ العنوان العظيم للرسالة والرسول هو الرحمة، “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” التي أرست للمجتمع الإسلامي دعائم الرحمة والتراحم، والتي يجب أن تنعكس على أنفسنا وواقعنا زكاءً، والتزاماً بالأخلاق والقيم الإسلامية العظيمة، ومسؤوليةً تتحقق بها إقامة العدل والكف عن الظلم.
من أهم العناوين البارزة ما يلي:
1. تبشير الرسل السابقين بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
2. استعراض تاريخي لاصطفاء بني إسرائيل وانحرافهم عن هذا الاصطفاء، وربط متسلسل بين أنبياء الله من عند إسرائيل وإسحاق ويعقوب وإبراهيم حتى محمد، أشبه بمشجر متصل النسب.
3. استعراض بعض العبر من سير أنبياء الله، والتركيز على إبراهيم باعتبار النبي محمد صلى الله عليه وآله امتداداً له، ولارتباطه بمكة مهبط الوحي ومنطلق العدوان على أنصار رسول الله صلى الله عليه وآله.
4. عرض للجاهلية الأولى ومقارنتها بواقع اليوم، وعودة الأصنام البشرية من الطغاة والمستكبرين وتحركهم في تدجين الأمن بعد أن استنقاذ الله لها بالنبي صلى الله عليه وآله.
5. الإشارة إلى بعض الممارسات الشنيعة والعادات السيئة للمجتمع الجاهلي كشرب الخمر ووأد البنات.
6. ملخص تاريخي لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهم المحطات في حياته لاستلهام العبرة والعظة، والإشارة لما تعرضت له سيرته من التحريف والتزييف، وتصحيح بعض الروايات المزيفة والمفتراة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.
7. ارتباط الأنصار بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودورهم وصمودهم في نصرته؛ “تكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع”.
8. تذكير الأمة بالدور الحضاري الذي أراده الله لها، وتذكيرها بواجبها إزاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، داعياً إلى تعزيز الإيمان به، إيمان التصديق والولاء، إيمان المحبة والاهتداء، إيمان الاتباع والاقتداء.
9. الزكاء الروحي والتهذيب الأخلاقي الذي به تصقل النفوس من الخبائث والأهواء والغرائز، ويصفو المجتمع من الأحقاد والضغائن والظلم والبغي.
10. الالتز
ام والتحرك العملي بوعي ومسؤولية حتى تنضبط تصرفات الإنسان، فالحياة ميدان مسؤولية واختبار، ووجود الإنسان وجودٌ هادفٌ ومسؤول، وليس عبثياً.
11. الصمود والاستبسال في مواجهة العدوان الغاشم حتى تحقيق النصر بإذن الله.
12. الاستقلال والحرية، فنحن شعبٌ يقدس حريته لأنها جزء من إيمانه، والحرية بالنسبة لنا مبدأ إيمانيٌ، وليس رأياً سياسياً.
13. التأكيد على التمسك بالهوية الإسلامية، والرفض القاطع للعمالة والارتهان لأمريكا وإسرائيل.
وعلاوةً على التوجيهات العظيمة التي اشتملت عليها محاضراته وخطابه الأخير يولي أهميةً بالغةً لتصحيح الوضع الداخلي بتركيزه على حمل همّ الشعب، ووضع المعالجات لمعاناتهم، من خلال دعوته لمعالجة الوضع الاقتصادي، وتظافر الجهود في تحقيق التكافل الاجتماعي والاهتمام بالفقراء والمحتاجين، ودعوة الحكومة إلى معالجة الأزمة الاقتصادية الحاصلة في ارتفاع المشتقات النفطية وأسعار الصرف، مفصحاً عن اتخاذ إجراءات قادمة تجاه الأداء الحكومي.
ودائماً ما نجده منحازاً إلى الشعوب المظلومة والمضطهدة، واقفاً في صفهم، وداعياً إلى مناصرتهم، وفي هذا الشأن يدعو إلى مساندة ودعم أحرار الجنوب من قِبل الدولة، حتى يتمكنوا من دحر المستعمر الجديد، ويتحقق لهم النصر.
وفي السياق ذاته يدعو أيضاً إلى تقديم المساندة والدعم للأحرار في المناطق الشرقية، وجميع الأحرار في شبه الجزيرة العربية؛ ليتمكنوا من التحرر من الاضطهاد والظلم، ويؤكد أن أيدينا ممدودة لمساندتهم.
وإلى جانب حثه على الاستمرار في دعم الجبهات بالرجال والإمكانات اللازمة حتى تحقيق النصر ودحر العدوان، يؤكد على ضرورة الاهتمام بالحفاظ على وحدة الصف في مواجهة العدوان، وإعطاء الأولوية للتحرك الجاد والصادق، وفي نفس الوقت محذراً من مساعي بعض القوى والمكونات من الاستمرار في خدمة العدوان، وتسهيل الاحتلال.
وعلى المستوى العالمي يؤكد على التمسك بقضايا الأمة الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والاصطفاف بجانب المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والمقدسات وعلى رأسها القدس، مشيراً إلى التماهي المريب بين النظام السعودي والكيان الإسرائيلي في اتفاقهما على العدوان على اليمن، والإمعان في قتل النساء والأطفال، واستمرار إطباق الحصار على هذا الشعب العظيم، مستشهداً في سياق الاستنكار على النظام السعودي إدخاله الصهاينة إلى بيت الله الحرام، وتدمير قبر والدة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وتحويل منزل أسرته في مكة إلى حمام، واعتبار تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شركاً.
ويبدو إضافةً إلى كونه مرشداً ومربياً، ناصحاً صادقاً حتى في رسائله السياسية مع دول العدوان بوقف عدوانها على اليمن، وفي ذلك نصح صادق لو كانوا يعقلون؛ لأنه ليس من صالحها الاستمرار في بغيها، وكما لم تحقق أي مكسب، لا يمكن أن يكون لها أي انتصار.
وكما أشار إلى إمكانية الإقدام على مشاريع عسكرية جديدة، يجدد تحذيره لقوى العدوان من استمرار إغلاق المنافذ اليمنية، وعلى رأسها ميناء الحديدة، يؤكد في سياق تحذيره الحازم على إمكانية الإقدام على أي خطوة موجعة تجاه العدوان لردعه وإيقافه عند حده، وكسر غروره.
وإن كان النظام السعودي وتحالف العدوان قد تجاهل تصريحات سابقة للسيد القائد، وتعامل تجاهها بلا مبالاة، لكنه هذه المرة قد يكون أكثر اهتماماً وجدية خاصةً بعد وصول صواريخنا إلى الرياض، ولعله يتذكر جيداً تصريحاً سابقاً للسيد القائد أيده الله أن القوة البحرية تمتلك الإمكانية لاستهداف الضفة الأخرى من البحر، إلا إذا أراد الإصرار على الاستمرار في تلبية إملاءات الصهاينة والأمريكان فإن مصيره حتماً السقوط والانتحار، فلقد بات النصر قريباً، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.