إسقاط “الأباتشي” في اليمن وآفاق العدوان..
الحقيقة/إيهاب زكي
في بعض الأحيان يعطيك البعض إجاباتٍ صحيحة، لكنها رغم صحتها فهي إجاباتٌ غبية، كأن تسأل أحدهم عن أشياءٍ لا تذوب في الماء فيجيبك إنه السمك. وهذا ما تفعله السعودية بالإجابة على المبادرات اليمنية لوقف الحرب، تعطي إجابات صحيحة نظرياً لكنها غبية عملياً.
وبما أنّ الحديث يدور عن مفاوضاتٍ بوساطةٍ عُمانية، فإنّ السعودية تحاول أن تفاوض تحت ضغط النار، وهذا نظرياً سلوكٌ اعتاد المتحاربون سلوكه لتحصيل أكبر المكاسب، ولكنه في الحالة السعودية وبعد خمس سنوات من الفشل المزمن والمتراكم، يبدو غباءً سيودي حتى بماء الوجه السعودي. فالسعودية راكمت الفشل السياسي فوق الفشل العسكري، وهو فشلٌ أقرب للفضيحة، حيث إنّ هذه المملكة التي كانت تسعى لتدمير عواصم القرار الكبرى في العالم العربي، حتى تفرض سيطرتها ونفوذها لصالح الولايات المتحدة، أصبحت تناكف الإمارات في عدن بعد فشلها في إدارة وضبط ما سمي العاصمة المؤقتة للشرعية، وما اتفاق الرياض إلّا جزء من تظهير هذا الفشل، حيث تقاسم نفوذ مع دولةٍ كانت تعتبرها السعودية فلكاً سعودياً في دولةٍ تعتبرها السعودية حديقتها الخلفية.
إنّ الموقف السعودي من وقف الحرب على اليمن، هو ذاته الموقف “الإسرائيلي” بعد الأسبوع الأول من عدوان تموز على لبنان، فقد رغبت “إسرائيل” حينها بوقف الحرب نظراً لأنها أدركت ما ينتظرها من هزيمة، وأدركت استحالة تحقيق أهدافها المعلنة، لكنها أٌجبرت على مواصلة الحرب أمريكياً. ورغم أنّ العقل القبلي السعودي ترك مهمة التفكير للولايات المتحدة، فإنّه على الأقل يشعر بالخسائر اليومية عسكرياً ومالياً وبشرياً وأخلاقياً، لذلك فهو يرغب في وقف الحرب، لكن العصا الأمريكية غليظة وسوطها شديد. أما عن الفرق بين الكيانين “الإسرائيلي” والسعودي على رقعة المصالح الأمريكية، فإنّ الخسائر السعودية مهما تعاظمت على كل الصُعد، فهي لا تثير العاطفة الأمريكية بل على العكس تثير الشهية والجشع، حيث تصب عوائد النفط في خزائن مصانع السلاح وشرايين الاقتصاد الأمريكي.
لذلك فإنّ وقف العدوان على اليمن ليس مرتبطاً بالإرادة السعودية إن وجدت، بل بتحقيق المصالح الأمريكية “الإسرائيلية”، أو الشعور بوقوع تلك المصالح في دائرة التهديد المباشر، كما حدث من استهداف “أرامكو” أو الأشد خطورة كما حدث بإسقاط طائرة الأباتشي السعودية أمريكية الصنع.
حققت إدارة ترامب ما لم تحققه أيّ إدارة أمريكية سابقة بحجم مبيعات السلاح لا سيما للسعودية والإمارات، ولكن الوجه الأشد قتامةً لهذا “الإنجاز” هو الإساءة لسمعة السلاح الأمريكي إن لم نقل فقدان الهيبة، بما يعنيه ذلك من آثارٍ على سوق السلاح الأمريكي، والأكثر خطورة على عالم القطب الواحد، ونذكر دعابة الرئيس الروسي اللاذعة في مؤتمره الصحفي مع الرئيسين الإيراني والتركي، عن ضرورة شراء السعودية لمنظومة دفاعية روسية إن أرادت حماية منشآتها. وهو تصويبٌ معلن على السلاح الأمريكي وتأكيد على عدم نجاعته، والرئيس الروسي يدرك حالة التندر التي كانت سائدة حول السلاح الروسي، قبيل وبعد انتهاء الحرب الباردة في بعض المنطقة العربية، وأنّه كان يوصف بـ”الخردة” لدى بعض هذه الأوساط الإعلامية والثقافوية، فأراد أن يقول بشكلٍ رسمي ولكن في قالب الدعابة “خردة أمريكية”، والمثير في الأمر هو استتباع إسقاط الأباتشي الأمريكية بإسقاط طائرة مسيرة صينية، حيث إنّ السلاح الأمريكي وتطوره مرتبط بشكلٍ مباشر وغير مباشر بتطور السلاح الصيني، كما تقول “كاثلين والش” الأستاذ المساعد في قسم شؤون الأمن القومي بكلية الحرب الأمريكية “إن صعود أو سقوط الصين في مجال صناعة الأسلحة من شأنه أن يؤثر على الصناعات الدفاعية الأمريكية، حيث تتنافس الدولتان وتحاول كل منهما التقليل من الاعتماد على الأخرى”، فهي تربط الحافزية الأمريكية بالتطور الصيني.
قد يكون هذا التصور صحيحاً في أحد جوانبه، ولكنه ليس الحقيقة الكاملة، وهو ليس موضوعنا الآن، ولكني أردت الاستنباط من هذا الاستشهاد، بأنّ اليمن ليس المكان المناسب للتحفيز الصيني، حيث إنّ السلاح الصيني يذهب للطرف الخطأ لأنه الطرف الخاسر، وإنّ الجيش -مجازاً- السعودي هو المسوّق الأسوأ لأيّ سلاح. فالسعودية هي صنوّ الفشل السياسي والعسكري، واستمرار الاستهتار الأمريكي بالنزيف السعودي مالياً وبشرياً، مترافقاً مع التبعية السعودية المطلقة، ستجعل من الشروط اليمنية أكثر تشدداً، وما يمكنهم إعطاؤه اليوم قد يكون متعذراً في الغد وأكثر تعذراً بعد غد.
فبعد إسقاط طائرة الأباتشي والطائرة المسيرة، وقبلها احتجاز ثلاث سفنٍ في المياه الإقليمية اليمنية وما أطلقه السيد عبد الملك الحوثي من تهديدات لـ”إسرائيل”، على السعودية أن تدرك أنّها أمام نشوء قوةٍ إقليميةٍ جديدة، قد تجعل من السعودية لاعباً ليس جديراً حتى بمنافسة الإمارات، ولكن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تدركان هذا التحول بنشوء هذه القوة على موازين القوة في الإقليم، وقد يكون هذا الإدراك أحد الأسباب الرئيسية لدفع آل سعود لمواصلة العدوان رغم حالة النزف المؤلم والمستمر.