“إسرائيل” في الدوامة: ليبرمان ضابط ايقاع
جهاد حيدر
تحوَّل السؤال عن انتخابات الكنيست الرابعة إلى عنوان رئيسي يحضر في كل مقاربة للوضع الحكومي في كيان العدو. وتحوّل هذا العنوان ايضا إلى ورقة ضغط يستخدمها الاطراف بمواجهة بعضهم البعض في قنوات التفاوض. وبالقياس إلى مجموعة معطيات – عوامل، يمكن القول إن احتمالات تكرار الانتخابات لا تزال قائمة وقوية، كما أن دوافع السعي للحؤول دون تكرارها موجودة ايضا. ومن بين الجهات الأساسية التي سيكون لها دوراً أساسياً في حسم المشهد هو موقف رئيس “إسرائيل بيتنا” افيغدور ليبرمان، بعدما تكرس موقعه كبيضة قبان ترجح كفة كل من المعسكرات المتنافسة.
لم تؤدِّ الانتخابات مطلع اذار الجاري إلى الحسم في موازين القوى. فلا معسكر نتنياهو (58 مقعدا) استطاع أن يحقق اغلبية 61 عضو كنيست، ولا معسكر غانتس وليبرمان استطاع أن يحقق ذلك (47)، بمعزل عن القائمة العربية المشتركة (15 مقعدا). وفي ضوء السقوف السياسية المعلنة لا تزال اسباب فشل تشكيل الحكومة حاضرة بقوة، وتُعزِّز سيناريو تكرار الانتخابات. في المقابل، تشكل النتائج والتداعيات التي قد تترتب على تكرار الانتخابات، على المستويات السياسية والاقتصادية والجماهيرية، دافعاً قوياً للعمل على منع تكرارها، خاصة وأنه لا يوجد رهانات جدية على امكانية أن تؤدي إلى نتائج مغايرة غير تلك التي أفرزتها طوال العمليات الانتخابية الثلاثة السابقة.
في ضوء خارطة موازين القوى والتوجهات السياسية المعلنة، يبدو أن انهاء حالة الشلل الحكومي في “إسرائيل” محصور بأحد السيناريوهات التالية:
– انضمام كتلة “العمل غشر” (7 مقاعد) الى معسكر نتنياهو كونه يوفر اغلبية 65 عضو كنيست.
– تشكيل حكومة وحدة بين معسكر نتنياهو مع كتلة “ازرق ابيض” أو حصول انشقاق عنهما بما يؤدي إلى تحقيق الأغلبية النيابية في الكنيست.
– انضمام كتلة “إسرائيل بيتنا” إلى أحد الطرفين بما يؤدي إلى ترجيح كفته في تشكيل الحكومة.
– أو التدحرج نحو انتخابات رابعة منذ نيسان الماضي. وفي حال عدم تحقق أي من السيناريوهات السابقة، يصبح هذا السيناريو أمراً حتميا.
ينتمي حزب “إسرائيل بيتنا” إلى معسكر اليمين برئاسة نتنياهو بل هو أحد نسخه المتطرفة. لكنه تمايز عنه بعد انتخابات نيسان الماضي، في الموقف من تجنيد الحريديم في الجيش، وفرض نمط الحياة العلمانية على خلاف ما تسعى اليه الاحزاب الحريدية. هذا التباين دفعه (الى جانب مصالح انتخابية) الى انفصاله عن هذا المعسكر، وأدى ذلك إلى تغيير في معادلات القوة، عبر فقدان معسكر نتنياهو الاغلبية التي يحتاج اليها من أجل تشكيل الحكومة ومن أجل السيطرة على الكنيست.
الجديد في مواقف ليبرمان، بعد انتخابات مطلع الشهر الجاري، أنه حدَّد ثابتتين في مقاربته لتشكيل الحكومة. الاولى، أنه لن يكون هناك انتخابات رابعة، والثانية أنه لن يشارك في حكومة برئاسة نتنياهو وبمشاركة الحريديم. بالمقارنة مع موقفه في السنة الماضية، فقد حدَّد بعد انتخابات ايلول أن الحريديم خصوم سياسيون، واما العرب فهم أعداء. وهو ما عنى في ذلك الحين أنه لن يشارك في حكومة يشارك فيها العرب، أو تستند إلى أصواتهم في الكنيست حتى لو لم يشاركوا فيها.
يلاحظ الان أنه لم يحدد الموقف نفسه من العرب ضمن الثوابت، وهو ما فهمه معسكر اليمين على أنه فتح باب لتشكيل حكومة بالاستناد إلى أصوات عربية. الامر الذي رفع لديهم من مستوى القلق وتبلور فرصة فعلية للاطاحة بنتنياهو. ودفعهم ذلك لشن هجمات سياسية عليه، وعملوا على محاولة فتح ملفات قضائية جديدة بحقه.
اهمية موقف ليبرمان تكمن في الدور الاساسي الذي لعبه في المشهد الداخلي طوال أكثر من عام. فهو الذي ساهم في منع نتنياهو من تشكيل الحكومة وتوفير الامان الذي كان يطمح اليه منذ انتخابات نيسان الماضي. وتكرر الامر في انتخابات ايلول ثم في انتخابات اذار الاخيرة. وتحوَّل موقف ليبرمان بموجب ذلك إلى أحد أهم العوامل الحاسمة التي ستُحدِّد مستقبل الحكومة. وأي محاولة استشراف لآفاق الحكومة الإسرائيلية تستوجب أخذ موقفه بالحسبان، نتيجة الانقسامات السياسية وموازين القوى التي أفرزتها الانتخابات مجدداً.
رغم المستجد الذي طرأ على مقاربة ليبرمان وما ينطوي على ذلك من نتائج تتصل بمعادلات القوة البرلمانية يُفترض أن تُضعِف فرص نتنياهو، وتُعزِّز فرص تشكيل حكومة بديلة وبرئيس جديد، إلا أن أصوات معارضة انطلقت من داخل كتلة “ازرق ابيض”، ترفض تشكيل حكومة تستند إلى أصوات العرب. أعادت هذه الاصوات خلط الاوراق وكرست حالة التوازن في التعطيل المتبادل، وأبقت بذلك السيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها اجراء انتخابات رابعة.
والى حين اعادة انتاج موازين قوى برلمانية جديدة ستبقى التجاذبات قائمة، حيث سيتحدد في ضوء مآلاتها ما إن كانت “إسرائيل” ستبقى تدور في الدوامة ذاتها، أم ستنجح في الخروج منها بهدف الحد من الخسائر التي تكبدتها. لكن المستجد الذي قد يترك أثره على الوضع الحكومي في إسرائيل، هو انتشار فيروس كورونا. ويبدو من الان أنه بدأ يترك مفاعيله على الساحة الاسرائيلية في أكثر من مسار. وقد يتحول إلى عامل ضاغط اضافي يفرض على القيادات السياسية الدفع نحو اجتراح حلول تحول دون تكرار الانتخابات التي قد لا يتجاوب معها الجمهور الإسرائيلي وهو ما سيضع الجميع أمام واقع لم يكن ليخطر على أوهامهم.