«إسرائيل» بعد ضربة «أرامكو»: الأسوأ ما هو آتٍ
الضربة التي تلقّتها المنشآت النفطية السعودية قبل أيام، هي الحدث الأهم في منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من عام. حدثٌ من شأنه التأثير بمجمل ميزان القدرة والتموضعات بين المحاور المتقابلة، خصوصاً أنه أظهر أن القدرات العسكرية الإيرانية «أكثر تطوراً مما اعتقدنا، وبأشواط». هذا التوصيف، الذي صدر أمس عن تل أبيب عبر وسائل إعلامها وعلى لسان خبرائها العسكريين (صحيفة يديعوت أحرونوت)، يُعدّ واحداً من جملة تقديرات وُضعت على طاولة البحث والدراسة، سواء لدى دوائر البحث الاستخباري، أو لدى المراكز البحثية المختصة، علماً أن الإصرار على إنكار واقع التطور الإيراني في مجال الصناعات العسكرية، وهو لزوم المعركة على الوعي، لا يتساوق مع الضربة ودلالاتها.
لا تهتمّ إسرائيل كثيراً بالعملية لو أن تداعياتها ستقتصر على صناعة النفط وإمداداته وتأثيرات ذلك السلبية في الاقتصاد السعودي، وإن كانت تصرّ على الحلف القائم بينها وبين المملكة. إلا أن اهتمامها يتركّز على ما أظهرته العملية من تطور في القدرات العسكرية الإيرانية، التي ثبت أنها، إضافة إلى مستوى إيذائها الكبير، تستطيع التهرب من الأنظمة الدفاعية الأكثر تطوراً في العالم، الأمر الذي يوجب على تل أبيب اليقظة والاستعداد، خلافاً ليقظتها واستعدادها المبنيَّين أصلاً على تقدير سابق لديها، ظهر خطأه، حول مبلغ تلك القدرات.
في تقرير صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، إشارات واضحة ومباشرة إلى منسوب مرتفع من القلق المبنيّ على دلالات ضربة «أرامكو»؛ إذ بغضّ النظر عن مصدرها، إلا أنها جلّت قدرة إيرانية بلا شك. وفي هذا الإطار، تقول الصحيفة إن «الجانب الأخطر الذي برز نتيجة الضربة هو الإثبات العملي المادي على القدرة الإيرانية على إنتاج أسلحة متطورة وبعيدة المدى، بإمكانها إصابة أهدافها مع هامش خطأ لا يتجاوز عدة أمتار، بل عدة سنتيمترات، وعن بعد مئات الكيلومترات». وتضيف: «الأسوأ من ذلك، ليس أن الإيرانيين باتوا يملكون القدرة على معرفة صناعة هذه الوسائل القتالية، بل هم أيضاً قادرون على تشغيلها بدقة فتاكة. وفي الواقع، أثبتت إيران، نتيجة للضربة، أنها مسيطرة بشكل واسع على صناعة الروبوتات المسيَّرة التي هي السلاح الأول في ميدان الحروب الحديثة». وتلفت إلى أن «تطور الصناعة العسكرية في إيران سمح للإيرانيين بإطلاق صواريخ كروز على ارتفاع منخفض حلّقت قريباً من سطح الأرض وتحت مستوى الرادارات، التي ثبت كذلك تعذر قدرة شاشاتها على اكتشاف الصواريخ، ما يُمكّن الأخيرة من أن تضرب أهدافها بدقة مذهلة. وإضافة إلى ذلك، لم يكن لدى الاستخبارات الأميركية أو السعودية أو البريطانية أو غيرها من الجهات العسكرية في المنطقة إنذار استخباري مسبق، إضافة إلى أنه لم ينتبه أحد للصواريخ المجنحة والقاذفات خلال طريقها إلى الهدف».
وحول أصل قرار توجيه الضربة، يذكر التقرير أن إيران بادرت، «بأمر لا شكّ فيه من المرشد علي خامنئي»، إلى تنفيذ عمل حربي خطير ضد أكبر منتجي النفط في العالم، أي السعودية، مع إدراكها أن الجانب الثاني (أميركا) لديه القدرة على إيذائها. وفي التوقعات، يضيف التقرير أن الولايات المتحدة الأميركية ستكتفي بفرض عقوبات اقتصادية إضافية ولن تردّ عسكرياً، وهذا بحدّ ذاته يضع السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل أمام خطر كبير جداً. لذا، ترى طهران أنها قادرة على المهاجمة، فيما واشنطن خائفة من الرد. وهذا الواقع، بما فيه وبدلالاته، يُفقد «المعسكر السُّني المعتدل» وإسرائيل قليلاً من الردع الذي كان لديهما في هذه المنطقة، الأمر الذي يشكل علامة غير جيدة لما هو آتٍ.