إبراهيم كان أمَّة! بقلم / مصباح الهمداني
إبراهيم كان أمَّة!
بقلم / مصباح الهمداني
لم أجدُ وصفًا يليقُ بإبراهيمنا إلا صورة جده نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام والذي قال فيه ربنا” إن إبراهيم كان أمةً، قانتًا لله حنيفا…”
من عرَفَ إبراهيم بن بدر الدين، فقد عرَفَ سمتَ الصالحين، وسيماء الموقنين، ووقار العلماء، وهيبة الحكماء، ورزانة العظماء، وشجاعة الفرسان، وإقدام الشجعان.
رحَلَ إبراهيم؛ تاركًا وجعًا لا يُمحى، وفجيعةً لا تبلى، وجرحًا لا يندمل، ومصابًا لا يُحتمَلْ.
رحلَ إبراهيم وما زالَ صوتُه يذكرنا بأبيه إمام الزاهدين وقِبلةَ العارفين، ومنارة السالكين.
رحلَ إبراهيم وعلى مُحيَّاه هيبة الشهيد القائد، وعلى هيئته قُدسية العَلم القائد…
رحلَ إبراهيم، وعلى لسانه رواية آخر اللحظات التي تشرح تفاصيل الدقائق الأخيرة من حياة أخيه الشهيد القائد.
كيفَ أبكيكَ يا إبراهيم، وقد أخذتَ مني كل الدَّمع، وهددتَ من قلبي كل الحَيْلْ، وأوهنتَ من جسدي كل القوَّة،
لقد دفنتُ بكلتا يدي ولدي الحبيب شهيدًا مرضيَّا، لكني لم أفقد جلَدي يومها، وداريتُ دمعي عن كلِّ الحاضرين،
لكنك يا إبراهيم أدميتَ قلبي، وأوجعتَ فؤادي، وأبكيتَ كلَّ حيلةٍ في قوتي!
أيٌّ فاجعةٍ ستتلقاها جدتك الزهراء، وهي تستقبلك بعد الشهداء واحدًا تلو الآخر!
أيَّ مُصابٍ نزَلَ بساحة سيدنا وقائدنا أبو جبريل، أيُّ صبرٍ سيحملُ هذا المُصاب في بيتٍ قدَّمَ خيرة الخيرة فيه إلى ميادين الشهادة والعزة والكرامة والوطن!
إبراهيم!
كل الكلمات متقطعة، والأحرفُ ممزقة، والجُملُ محترقة، وفي القلبِ نارٌ تضطرم، وفي الفؤاد ندوبٌ لا تلتئم!
وحيدًا كان يسير في طريقه، بلا رُفقةٍ ولا مرافقين، ويتخلى عن سلاحه في كثير من الأحايين، يلتقي به الأستاذ عبد السلام محمود جحاف، ويسأله:
-لمَ يا سيدي لا أرى معكَ مرافقين، ولا تحملُ سلاحكَ الشخصي؟
فطأطأ إبراهيم -سلام الله عليه-رأسه وقال كلمةً لا تزال تمزِّقُ قلبي:
“أنا لا أحتاج مرافقين، وعملي في سبيل الله؛ لقاءات واجتماعات من أجل إنصاف المستضعفين…”
لمَ يا إبراهيم؛ فعَلتَ بنا هذه الفاجعة؟
لمَ أدميتَ قلوب مُحبيك، وأنتَ أنتْ!
صحيح أنك ارتقيت، وبخير خلق الله التقيت، لكنَّك فارقتنا ونحنُ بحاجةٍ إليك، وكل الميادين تهفوا إليك.
رحلَ إبراهيم، بعدَ أن صافحت قدميه معظم الجبهات، وبعدَ إصابات كثيرة، وألطافٍ متعددة، وشجاعةٍ حيدرية منقطعة النظير!
رحل إبراهيم ولم يمتلك شبرًا في صنعاء، ولم يركب سيارة حديثة، ولا يمتلك أي رصيد!
رحلَ إبراهيم نظيف اليد، صادق اللسان، مخلصٌ لوطنه ، وفيٌّ لأمته.
رحل إبراهيم ولم تعرف له صنعاء موكبًا، ولا استعراضًا، ولا هنجمةً!
رحل إبراهيم كما رحلَ الصمَّاد تبكيه اليمن بفقيرها وغنيها وضعيفها وقويها!
رحلَ إبراهيم، وقد تركَ لمن خلفه سِجِل مليء بالبطولات والآيات والعِبراتِ والعَبَرات!
سأكتُبُ يومًا عمَّا يجِبْ لكيلا نقَعْ فيما وقَعْ، ولكني هُنا أقَدِّمُ التعازي إلى مقام سماحة سيدي القائد، وأقول له:
كُلُّنا لك وتحت أمرك؛ إبراهيم، وما مصابكُم إلاَّ قطعة من أكبادنا، وعضوٌ من أعضائنا، ولو كانَ بالإمكان؛ لفديناه بالنفس والولد، ويكفيكم شرفًا وفخرًا أنكم بيت النبوة ومعدن الرسالة ونُسك الأتقياء، ومنارة الشهداء، والقادة العظماء.
فيما القتلة الأخساء هم أحقر أهل الأرض والسماء، من أمريكا إلى الصهيونية إلى ربيبتهم وتربيتهم السعودية الشوهاء.
فعظم الله أجركم وأجر الوطن كله، والشعب كله، والمجاهدين أجمعهم.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
#مصباح_الهمداني
09/08/2019