أنصار الله أصالة الرؤية وحداثة المشروع
عين الحقيقة/ كتب / محمد المنصور
مثلت انطلاقة حركة انصار الله على يد قائدها المؤسس الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -1956-2004م بمحافظة صعدة أحد أهم الاستجابات التفاعلية الكبرى للفكر السياسي الاسلامي المعاصر في اليمن بما قدمته على الصعيد النظري من قراءة للواقع الملبد بمختلف المشاكل والمكبل بالاستبداد والتخلف و بروز أزمة الهوية مع انسداد افق المشروع الوطني في اليمن وفضاءه القومي العربي والاسلامي ، والدولي وكانت الحركة كذلك تفاعلا واعياً مع العصر ومتغيراته السلبية والايجابية التي ألقت بثقلها السلبي على الانسان اليمني العربي المسلم شعورا متعاظما بالظلم في الداخل وأمام الزحف الاستعماري الغربي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي وما تعانيه الأمة من تخلف علمي عن ركب التقدم الحضاري الذي يقود البشرية كل يوم الى انجازات علمية جديدة على شتى الأصعدة . لم تكن حركة انصار الله نبتة في فراغ الواقع الثقافي والفكري اليمني المشهود له بالتجدد والحيوية الدينية الاجتهادية والثقافية والفكرية ومن طبيعة الفكر الاسلامي المتجدد ان يعلن عن نفسه كلما اقتضت الضرورة والحاجة المجتمعية فنراه مقتحما الواقع الراكد مثيرا للاسئلة و القضايا ومشخصا لإشكالات واقعه محللا ومفندا ومعترضا ومقترحا الحلول والرؤى والمعالجات المناسبة .
كان السيد حسين بدر الدين القائد والمؤسس للمشروع الثقافي لأنصار الله يحمل هم الأمة والمسؤلية تجاهها وهي تستهدف في كل شيء ويمتلك كل مواصفات المفكر الناقد المستشعر للمسؤلية الدينية والوطنية والاجتهاد النابع من داخل ثقافة الأمة ومرجعيتها الدينية والفكرية وعمق انتماءها الثقافي المتطلع ليس الى اعادة انتاج الماضي وليس الى القطيعة مع الحاضر أو التنكر للعصر وحقائقه التي يجب أن تضاعف الحركة والسير نحو المستقبل بل انه تحرك من اجل قضية عادلة صحيحة ليستنهض الأمة التي ينتمي إليها باعتباره فردا منها يشعر بالمسؤلية الدينية والوطنية تجاهها ، في زمن عصيب ومرحلة صعبة .
كان فشل العديد من الأطروحات والسياسات في الواقع الذي يزداد بؤسا من بين عديد من البواعث للسيد حسين بدر الدين الى الدفع بمشروعه الثقافي القرآني الى العلن كما عبر عنها في ثنايا ذلك ذلك المشروع الذي نحن بصدد الحديث عنه .
أصالة الرؤية ووضوح المنطلقات
في مطلع الالفية الثالثة بلور السيد حسين بدر الدين الحوثي مشروعه النهضوي القرآني بعد تجربة في العمل السياسي والبرلماني والتربوي والمجتمعي ثرية وخصبة ، ومن خلال خلفية معرفية دينية وعلمية واكاديمية مرموقة وبعد تأملات عميقة في واقع المجتمع اليمني والأمة وطول تأمل واستقراء لواقع الوطن والأمة ومن خلال عملية بحث ومثابرة عن سبل الخروج من هيمنة الواقع المحبط الذي يدعو المخلصين وحملة الفكر الرسالي وأصحاب الضمير الانساني اليقظ الى المبادرة ، في تلك الأثناء المفعمة بالصعاب والتحديات والمخاطر قدم السيد مشروعه القرآني في صورة محاضرات متتالية للفترة من 2002م وحتى 2004م وهي عبارة عن قراءة ثورية – إذا جاز التعبير – لنصوص من القرآن الكريم تعيد الإعتبار الى اهمية دور القرآن الكريم المركزي في الواقع كمنهج رباني للهداية والسعادة والتقدم ، وتشريع متكامل للحياة بمختلف جوانبها ،ومنظومة للأخلاق والتربية الاجتماعية والنفسية ودليل عمل وحركة في الحياة والعلاقات يشخص مكامن القوة والفاعلية والنجاح ، ويشخص مواطن الضعف والأدواء والعلل التي أعترت المجتمع والأمة وجعلتها اسيرة التخلف والاستبداد والفقر والتردي الفكري والثقافي ، مستباحة وضعيفة امام اعداءها مبيناً سبل المعالجة القرآنية لتلك المشكلات والخروج من حالة الضعف والوهن والتبعية والهزيمة والتخلف الشامل . وعلى ضوء الهدي القرآني استقرأ السيد حسين بدر الدين إشكالات الواقع المعاش في أطره المحلية والوطنية والانسانية ، مقدما ملامح النظرية القرآنية للمعالجة وسبر جوانب الخلل التي اعتورت الواقع الفردي والجمعي للأمة ، مبينا سبل الخروج من المأزق المعاش ، باعتبار القرآن الكريم كتاب هداية شامل للحياة ومنهجا للتفكير والحركة والموقف مضمون النتائج إذا ما تمت ترجمته في الواقع العملي الى مصاديق ومواقف وسلوكيات ناظمة للحياة الخاصة والعامة. إنّ الامةالاسلامية مخاطبة من الله بالقرآن ومتعبدة بالايمان الكامل بما جاء فيه ومكلفة باتباع منهجه وهديه وتعاليم وهدي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله مؤكداً على أن كل معاناتها واحباطاتها أو هزيمتها في واقعها الداخلي أو الخارجي أمام الاعداء إنما هو نتيجة لابتعادها عن القرآن الكريم وعن النبي ومن يهتدون بهديه وهي كذلك عرضة للحساب الأخروي جراء ذلك الاعراض عن النهج الالاهي والتفريط مدللاً على ذلك بآيات القرآن وبأمثلة من الواقع وباشارات مستقبلية عن مآلات بعض القضايا ثبت صحتها ، كما تطرق السيد حسين في ثنايا مشروعه الثقافي القرآني بشي من النقد والتحليل الى خطأ انصراف الأمة الى الى الأخذ بنظريات وثقافات أخرى غير اسلامية ثبت فشلها في الواقع وكانت سببا إضافيا في ما تعيشه من جهل وشقاء وضياع وتبعية وهزيمة حضارية شاملة .
في مشروعه القرآني سعى السيد حسين بدر الدين الى إثبات أصالة النظرية القرآنية في فهم الواقع وتغييره والانطلاق نحو مستقبل منشود وتفكيك منظومات التفكير السائد واعادة بناء أنساق معرفية وعلمية تتماشى والنظرية القرآنية لبناء الحياة الكريمة حياة العزة والحرية والسمو الروحي والاستقلال .
وانسجاما مع منهجه سعى في ثنايا مشروعه القرآني الى إعادة تصحيح المفاهيم حول بعض المفاهيم الفكرية وبعض مسلمات التراث الفقهية والكلامية التي اعتبرها عائقا أمام فاعلية المفاهيم القرآنية ، وسعى الى تسمية الاشياء بمسمياتها القرآنية ودونما مواربة وبمنهجية علمية فيها من الصرامة والدقة والصدق مع الذات ومع الآخرين ما جعل السيد حسين بدر الدين – مستشعرا الخطر المحدق بالمجتمع والامة ومستقبلها – إذا ما ظل الواقع على ما هو عليه من سوء ، مؤكدا على أهمية اعادة بناء الشخصية الاسلامية للفرد والجماعة وربطها نفسيا وفكريا وسلوكيا بالنظرة القرآنية ومحدداتها بدء من وجوب معرفة الله حق المعرفة وانتهاء بالموقف السياسي العام من مختلف التحديات القائمة في واقع المجتمع والشعب والأمة ، بما في ذلك دعوته الصريحة والأساسية للفرد والمجتمع والدولة الى إسقاط نظرية الخوف من غير الله نهائيا ، وصولاً الى تصحيح العلاقة المختلة والاستلابية اليوم مع الآخر – اليهود والنصارى بالمفهوم القرآني وامريكا والكيان الصهيوني بالمفهوم السياسي المتداول – الذي يمارس الاستلاب والاستضعاف والظلم بحق امتنا وقضاياها السياسية والاقتصادية والثقافية ، ويتجلى ذلك جليا وواضحا في التدخلات العسكرية والامنية والسياسية في شؤننا الوطنية وفي دعم الكيان الصهيوني التوسعي العدواني في فلسطين أوغزو العراق وافغانستان .
تجسيد الموقف وإعلان الصرخة
من خلال استجلاء الموقف القرآني من اليهود والنصارى ومن حقيقة الصراع التاريخي للأمة معهما منذ العهد النبوي وحتى اليوم أطلق السيد حسين بدر الدين صرخته صرخة الحق والاباء في وجه الطغاة والمستكبرين عبر الشعار المعروف لحركة أنصار الله <<الله أكبر الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام – >> كتلخيص مكثف للمظلومية التي يشعر بها كل عربي ومسلم ازاء السياسات الامريكية والصهيونية العدائية لشعوبنا وقضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والموقف الرافض الذي ينبغي ان تتخذه الشعوب في مواجهة تلك السياسات الاستعمارية ، مؤكدا ً أن الشعار سيكون له صداه وتأثيره المجتمعي لايصال صوت ابناء الشعب الرافض للسياسات العدوانية الامريكية والصهيونية والذي يأتي ضمن حقوقهم الشرعية والوطنية والانسانية في التعبير السلمي عن الموقف الصحيح مما يجري .
في مشروعه الثقافي القرآني سعى السيد حسين بدر الدين وبوضوح الى شرح أبعاد الصراع الحضاري الشامل بابعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية والاعلامية والثقافية المفروض على العرب والمسلمين من قبل اليهود والنصارى تاريخيا منذ مراحل النبوات وحتى اليوم مستعرضا طبيعة الصراع وأدواته واساليبه من خلال ما يعرضه القرآن الكريم بصورة لافتة ومكثفة وجلية توضح مقدار ما يكنه اليهود والنصارى من عداء وتربص بالإسلام وأتباعه ، منبها ومحذرا من خطورة الحالة التي أصبحت عليها الأمة في علاقة التبعية بتلك القوى على الرغم من التحذير القرآني والنهي الصريح عن ذلك المسلك الذي يجر الى الانسلاخ من معنى الاسلام والوقوع في الكفر لقوله تعالى ( ومن يتولهم منكم فانه منهم ) ومعيدأ طرح المفهوم القرآني في الموالاة والمعادة مؤكدا على خطورة انقياد واتباع المسلمين لهم وموالاتهم بما لذلك من نتائج سلبية خطيرة حاضرة وملموسة على كل الاصعدة المحلية والعربية والاسلامية ، مركزا بشكل خاص على الانسانية على مخاطر ما هو حاصل في اليمن من تدخلات امريكية متعددة الصور والاشكال بخاصة منذ أحداث 11سبتمبر2001م .
وبناء على تلك الوضعية المخالفة للقرآن في علاقة اليمنيين والعرب والمسلمين بامريكا والصهاينة يرى السيد انما تعيشه الامه من تخلف وفرقة وشتات واستضعاف وغزو واحتلال لأوطانها وشعوبها ومقدراتها إنما هو نتيجة حتمية لذلك المنزلق الذي وصلت اليه بقبولها التبعية لمن حذر القرآن ونهى عن موالاتهم والذي ترتب عليه خذلان الاهي وفشل ومحن ونكبات وهزائم وعلى مختلف الصعد والقضايا ، يقول السيد حسين بدر الدين ملخصا تلك الابعاد في محاضرته الصرخة في وجه المستكبرين بتاريخ 17/2/2002م <<ما يفرضه علينا ديننا ، ما يفرضه علينا كتابنا القرآن الكريم من أنه لابد من يكون لنا موقف من منطلق الشعور بالمسؤلية أمام الله سبحانه وتعالى ، نحن لو رضينا – او أوصلَنا الآخرون الى أن نرضى – بأن نقبل هذه الوضعية التي نحن عليها كمسلمين ، أن نرضى بالذل ، أن نرضى بالقهر ، أن نرضى بالضّعة أن نرضى بأن نعيش في هذا العالم على فتات الآخرين وبقايا موارد الآخرين ، هل يرضى الله لنا عندما نقف بين يديه السكوت ؟ ،…..، ألم تسمعوا مثل قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون ) وقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ومثل قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ) …. ،فإذا رضينا بما نحن عليه وأصبحت ضمائرنا ميتة لا يحركها ما تسمع ولا ما تحس به من الذلة والهوان ، فأعفينا أنفسنا في هذه الدنيا فإننا لن نُغفى أمام الله يوم القيامة ، لا بد للناس من موقف أو فلينظروا ذلاً في الدنيا وخزياً في الآخرة.
ينطلق السيد في رؤيته ومشروعه الإستنهاضي من القرآن كمنطلق ومنهج لتشخيص ونقد بعض عثرات الماضي والواقع المعاصر للأمة و سلبياته وأخطاءه وانحرافاته وشواهده وقضاياه من منطلق النظرة التي عبرت عنها على الصعيد النظري الكثير من التيارات والحركات السياسية القومية واليسارية والاسلامية وايمانا منها بمبدأ التحرر والاستقلال والنهوض الحضاري الوطني والقومي والاسلامي الذي يستحيل أن يتحقق من خلال التبعية واستجلاب الانماط الثقافية النظرية الجاهزية ، وهذا ما تؤكده التجارب العربية الفاشلة في النهضة ، بهذا المعنى فإن السيد لا يدعو الى القطيعة والعداء مع الشعوب الغربية بل يدعو الى استقلال الارادة والقرار الوطني كسبيل لصنع النهضة واستبدال التبعية بالعلاقات المتكافئة وتبادل المنافع بين الشعوب ورفض العدوان والظلم بكل اشكاله وصوره .
كان السيد حسين بدر الدين معتزا بانتمائه اليمني والعربي والاسلامي ويرى بأن ثمة مسؤلية على اليمنيين والعرب في تقديم الاسلام وهديه للبشرية وانقاذها من الشقاء والضياع ، ولقد رأى من خلال القرآن الكريم ما هو خليق بخير أمة أخرجت للناس من عزة وكرامة ومكانة ، ومن دور يجب عليها القيام به إذا ما استعادت القرآن في واقعها منهجا ومواقف ، وبهذا الفهم لم يكن السيد حسين بدر الدين في مشروعه القرآني يمارس الدور البكائي على أطلال أمة كانت… كانت بل يمارس دور المحرض الايجابي على تأكيد أصالة انتماء الأمة الى دينها وقرآنها وهويتها الحضارية وتجسيد ذلك في واقع الممارسة والسلوك الفردي والجمعي كمبادرة الى ممارسة الدور الحضاري الوطني والقومي الانساني المسؤول في هذه الحياة وفقا لإرادة الله ومشيئته سبحانه في الإستخلاف بشروطه القرآنية المعروفة .
وفي هذا السياق أشار السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة ذكرى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي الى أن من ميزات المشروع القرآني كونه حاجة للأمة قائلا:ما تحتاجه الأمة هو القرآن الكريم كمشروع عملي ، كثقافة ، كرؤية للواقع ، كبصائر تستبصر بها الامة والتحرك عمليا بالقرآن ضمن الوظيفة الاساسية للقرآن الكريم باعتباره كتاب هداية يواكب المتغيرات ، فلا يصح ولا ينبغي تغييبه وعزله أبدا عن واقع الأمة وعن مشاكلها وقضاياها وصراعها مع أعدائها .
وأكد السيد على أهمية أن تستعيد الأمة ثقتها بالله وتوكلها عليها في سيرها وحركتها نحو التغيير والنهوض والتصدي للباطل ، لقد ربط السيد نجاح المشروع القرآني بالله عز وجل الحي القيوم القادر المدبر الحكيم الذي وعد اولياءه بالنصر دائما وبالتأييد والهداية الواسعة ونيل العزة والكرامة في الدنيا والآخرة .
وفي ثنايا البحث عما يؤكد صدق الوعد الالهي وتجلياته القرآنية عبر أحداث التأريخ ودروسه لكي يظهر النقاط المضيئة في واقع الأمة المعاصر من خلال القرآن يتحدث السيد عن تجلي وعد الله عز وجل بنصر المؤمنين على قلتهم فلقد نصرهم في بدر والاحزاب وغيرها كما يشير الى استمرار التأييد والعون الآلهي في واقعنا المعاصر المتمثل في انتصار حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ويشيد بنجاحاتها في مقاومة العدو الصهيوني رغم فارق الامكانات الهائل لصالح العدو ، كما لا يخفي السيد إعجابه بالثورة الاسلامية الايرانية وقائدها الامام الخميني في قيامه بالثورة التي حطمت اسطورة الشاه وامريكا وحررت ايران من التبعية الأمريكية والصهيونية ويشير الى ما حققته الثورة من انجازات حضارية للشعب الايراني رغم الحصار والاستهداف التي واجهت الثورة ، و كثيراً ما لفت السيد حسين بدر الدين في ثنايا محاضراته على الدور الذي ينبغي على اليمنيين والعرب والمسلمين القيام به في نصرة الاسلام وحمله الى العالمين ومقاومة الهيمنة الامريكية الصهيونية مؤكدا على الوعد الالهي بالنصر في نهاية المطاف لعباده المؤمنين المستضعفين مهما كان الفارق في عوامل القوة المادية ، كما لم يغفل السيد الاشارة الى تشخيص عوامل الضعف والانحطاط التي أصابت الامة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية و غيرها من العوامل التي تعرض لها بالنقد والتحليل وفق المنظور القرآني الذي حذر الأمة من خطورة التخلي عن الدور الرسالي الذي ستكون عقوبته الالهية هي الاستبدال مثلما جرى لبني اسرائيل والتمكين لغيرهم من الأمم كما هو الحال اليوم .
مرتكزات المشروع القرآني
بدأ السيد حسين بدر الدين الحوثي العمل في بلورة مشروعة القرآني بمحافظة صعدة في اوساط طلاب العلم على هيئة محاضرات صوتية /مصورة عرفت مكتوبة ومنشورة ب <<الملازم >> التي اشتملت عناوين متعددة معظمها يدور حول القرآن مثل : دروس آل عمران – دروس من سورة المائدة – دروس من سورة الانعام – دروس من سورة الأعراف الخ وقدم فيها تفسيرا وقراءة جديدة ومعاصرة للقرآن الكريم ، اضافة الى عناوين اخلاقية وعناوين تربوية مثل : الاستقامة – في ظلال دعاء مكارم الاخلاق – لا عذر للجميع أمام الله –محياي ومماتي لله – مسؤلية أهل البيت – مسؤلية طلاب العلم – معنى التسبيح – معنى الصلاة على محمد وآله – وأنفقوا في شبيل الله – الاستقامة – الثقافة القرآنية – وانفقوا في سبيل الله وسياسية مثل: خطر دخول امريكا اليمن – مخاطر المرحلة – ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى – حديث الولاية – يوم القدس العالمي – وعناوين اخرى عديدة كان يستهلها دائما بأيات من القرآن للدخول الى الموضوع الذي قد يستغرق الحديث عنه محاضرة او عدة محاضرات حتى يتم اشباعه المختلفة السياسية والاجتماعية مقدما نتائج واستخلاصات مقنعة بالفكرة التي يريد ايصالها . عمد السيد الى استخدام لغة مبسطة تمزج بين الفصحى والعامية في دروسه ومحاضراته بغية كسر الحواجز النفسية والمعرفية مع المتلقين والوصول الى اوسع شريحة من الناس ومخاطبتهم بلغة يفهمونها وبأسلوب عميق ومؤثر، وتفرد السيد حسين بدر الدين بأسلوب في الالقاء لمحاضراته رصين وهادئ يسير على وتيرة واحدة من الاداء الذي يشد سامعيه ومتلقيه الى الفكرة والتفاعل ايجابا مع رصانة وصدق الالقاء وسلاسة العرض وعذوبة الصوت وعمق الفكرة. كان السيد يدرك أهمية الاستفادة من وسائل الحداثة واساليب الاتصال العصرية المتاحة كالأشرطة الصوتية والمرئية والملازم المطبوعة في الوصول الى اوسع شرائح المجتمع ، بعيدا عن الاساليب التقليدية في التأليف والكتابة العلمية ، كان يدرك الحاجة الى تغيير الاسلوب لايصال الفكرة الى طلابه والاوساط المجتمعية الاخرى بالمشروع القرآني الذي قدمه وقدم فيه عصارة ثقافة علمية وفكرية وسياسية وخبرات اكتسبها ومشاعر حملها للمجتمع ملؤها الرغبة في الاصلاح والتقدم ورفض الظلم والاستبداد والتخلف بمعناه الحضاري عبر تقديم المنهج القرآني كنظرية قابله للحياة والتقدم في الواقع، كما كان يدرك أهمية التعبير عن المشروع في النطاق المجتمعي برفع الشعار المعروف بالصرخة في المساجد والتجمعات الذي يأتي في اطار اقامة القسط بحسب تعبيره وكعمل من اعمال ممارسة حرية الراي والتعبير السلمية المكفولة دستورا وقانونا ، للتعبير عن سخط المجتمع ورفضة للسياسات الامريكية والصهيونية في اليمن والمنطقة والعالم ، وخلق راي عام موحد حول قضايا الهوية الوطنية وقضايا الصراع مع الاستعمار الجديد الصهيو-امريكي ، الشعار بوصفه عنوان يعبر عن ميلاد حركة وانطلاق مسيرة فإنه كان اختبارا للسلطة وحلفائها الامريكان ومدى إيمانهم بما يطلقونه من شعارات كالديموقراطية وحقوق الانسان .كان السيد مدركا لأهمية كسب معركة الرأي العام الذي له اهميته لدى امريكا والدول الغربية وضرورة خلق اصطفاف وطني داعم للسلطة في اليمن في مواجهة الضغوط والابتزاز الامريكي بزعم مكافحة ما يسمى بالارهاب .
حركة انصار الله كما بدت من خلال ما قدمه الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه لم تأت من فراغ بل جاءت تعبيرا عن أصالة الفكر الاسلامي وحيويته وخصوبته في اليمن وعن حاجة كانت قائمة في الواقع تتجاوز الاطار المذهبي لتخاطب المجتمع الاسلامي والانساني بمنطلقاتها القرآنية الجامعة وطروحاتها الجريئة في اعادة الدور للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة في رسم معالم النهوض الشامل للوطن والامة ، كما انها كانت استجابة أمينة وواعية اسلامية ووطنية فرضتها الظروف والمتغيرات السلبية التي عصفت باليمن والمنطقة ووضعتها في عين العاصفة ولاتزال .
ولو قدر لحركة انصار الله ان تأخذ مسارها الطبيعي في أخذ حقها من التفهم كحركة ثقافية قرآنية لا تتوسل العنف كوسيلة للتعبير عن ذاتها ، ولا تطمح الى الوصول الى السلطة ، ولا أن تعيد انتاج الامامة كما زعمت السلطة في التبرير لحروبها الست الظالمة – لكانت اليمن قد تجنبت حروبا وضحايا وعذابات ما تزال مستمرة ، ولكان الواقع اليمني اقل احتفاء بالعنف والتوترات الطائفية والاعلامية ولكانت الصورة اختلفت لدى الكثيرين الذين انطلت عليهم دعايات السلطة المضللة – عن حقيقة انصار الله ومشروعهم الثقافي المستمد من القرآن الكريم الذي يؤمن به الجميع ويدّعون حجيته وقدسيته ، ولكانت الحركة ومشروعها الثقافي القرآني محل حوار سياسي وثقافي مجتمعي واسع تستخدم فيه الحجج والبراهين والادلة وليس الرصاص والحروب والاعتقالات والحصار والتشويه والتربص والعداء السياسي والمذهبي والعنصري المستمر الذي ينبغي ان يتوقف بعد أن أدى للأسف الى كوارث وويلات وداء لاتزال تنزف حتى اليوم .
إن الجميع الوطني في الأطر الفكرية والسياسية مدعوون اليوم للقبول ببعضهم والانفتاح والتحاور والسماع لبعضهم ومغادرة الماضي بسلبيته وقطيعته الفكرية والثقافية مع انصار الله خصوصا ومشروعهم الثقافي والفكري الذي اصبح اليوم يعني المجتمع بكل مكوناته. ومن خلال قراءاتي المتيسرة لمحاضرات السيد يمكن القول بأن ابرز مرتكزات مشروعه القرآني تتلخص في :
1 – الدعوة لإعادة الاعتبار للقرآن الكريم والإلتفاف حوله وحول من يهتدون بهديه وتنزيله في الواقع الحياتي بشتى جوانبه لكي يسود العدل ويزال الظلم والتخلف والفقر والاستبداد والتبعية لقوى النفوذ والهيمنة وفي طليعتها امريكا والصهيونية .
2 – أن الله سبحانه وتعالى جعل الدين الاسلامي كاملا وهو وحده من يستطيع أن يضع ديناً كاملاً ، يوفق بين مختلف جوانب الحياة والتعامل ، تعامل الانسان مع الانسان ، وتعامله مع الحياة بصورة عامة ، وفي نفس الوقت بناء روحه وزكاء نفسه وطهرها وسموها وتكاملها.
3 – التأكيد على أن القرآن الكريم هو الذي يستطيع أن يبني أمة قوية واحدة امتثالا لقولة تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم وأصبحتم بنعمته اخوانا ) وعلى ضرورة تجاوز المذهبيات التي عمقت الفرقة وكرست الانقسام والتشرذم الذي جرى استغلاله من قبل اعدائها أسوأ استغلال .
4 – أ ن الاسلام دين ودوله جعله الله نظاما شاملاً للحياة كلها لم يغفل جانبا من جوانبها ولا شأنا من شؤنها، لا يقبل الظلم ولا يمكن للظالمين والمستبدين أن يتحكموا في رقاب الأمة ، وأن النظرة التجزيئية للدين نظرة قاصرة هي من أعاقت بناء الواقع الاسلامي بكل جوانبه واركانه .
5- الدعوة الى تبني الثقافة القرآنية لتحصين المجتمع من عوامل الفرقة والشتات والتفرق ووجوب البراءة من أعداء الله والانسانية مع الدعوة الى التسامح والتعايش مع كل المكونات الوطنية السياسية والفكرية والايمان بالحوار لحل كافة المشكلات السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها ، وتقوية جانب الدولة في الوقوف بوجه الضغوط والاملاءات الامريكية والاقليمية التي تنتهك السيادة الوطنية تحت أية ذريعة أو مسوغ .
6 – تبني الدعوة للتصحيح الثقافي في ضوء القرآن كخطوة أولى لتصحيح واقع الأمة .
7 – التأصيل للهوية الاسلامية الجامعة في مواجهة مساعي طمسها وابراز الهويات الجزئية الطائفية منها والسياسية والجهوية والعرقية ..التي استفاد منها الاعداء .
ان ما سبق عرضه ان هو الا محاولة للوقوف على ابعاد المشروع الثقافي القرآني لحركة انصار الله بحسب قراءتي المتيسرة، التي لا تغني عن قراءة المشروع بحسب وروده في ادبيات السيد حسين لمزيد من اكتشاف مضامين جديدة يشكل من يحملونها اليوم ويعتقدونها قطاعا واسعا من ابناء الشعب اليمني لذلك فهي ستبقى قابلة لمزيد من المقاربات والقراءات الأكثر عمقا واتساعا
والله من وراء القصد