أمّ تنظر إلى أطفال اليمن..
عين الحقيقة/نانسي محسن
كلّ طفل يُقتل يقتل معه الصدق والبراءة المتبقية في هذا الزمن. هذا ما يحصل. سنصير وحوشاً. أطفال اليمن يقتلون. لا يعرفون الأمان. عيونهم التي تغمض ليلاً، سرعان ما تفتح على أصوات القصف والرعب والدمار. أصوات تؤذي آذانهم وقلوبهم الصغيرة. لست أمّاً، لكنّي أدرك جيداً الأثر الذي يتركه مشهد عذاب الطفل في قلب أي إمرأة. أسأل نفسي، كيف يمكن ألا يُكترث بتلك الكائنات الصغيرة؟
أنا أمّ. لم أحمل ولم أضع مولوداً من قبل، لكني أمّ. غريزة الأمومة تسيطر عليّ. أنا ككل الإناث على وجه الأرض. أشعر أن أعظم لحظات حياتي ستكون حين أبصر مولودي. أحسّ بلهفة وشوق كبيرين للأمومة. أدرك ذلك من كمّ العاطفة التي أمنحها لأطفال أقاربي وصديقاتي. في أوقات فراغي أذهب لرؤيتهم، علّني أزيل عن نفسي ضغط الحياة. لكن ما أبحث عنه أيضاً، هو أني مع الأطفال سأنعم بالصدق وألتمس الحقيقة ولو لوقت. الحقيقة التي أبحث عنها، وأظن أنها أصبحت نادرة جداً. متيقنة أن الحقيقة لا أستطيع أن أجدها إلّا لدى الأطفال. فالحب في هذه الدنيا يولد في عيونهم فقط. يتعلّقون ويخلصون ويعبّرون عمّا بداخلهم بصدق في خضم الكذب الذي يسود عالمنا. يكبرون لتدخلهم الدنيا في ألاعيبها وتعمل على تحويلهم إلى وحوش.
كلّ طفل يُقتل يقتل معه الصدق والبراءة المتبقية في هذا الزمن. هذا ما يحصل. سنصير وحوشاً. أطفال اليمن يقتلون. لا يعرفون الأمان. عيونهم التي تغمض ليلاً، سرعان ما تفتح على أصوات القصف والرعب والدمار. أصوات تؤذي آذانهم وقلوبهم الصغيرة. لست أمّاً، لكنّي أدرك جيداً الأثر الذي يتركه مشهد عذاب الطفل في قلب أي إمرأة. أسأل نفسي، كيف يمكن ألا يُكترث بتلك الكائنات الصغيرة؟ تلك الكائنات البريئة التي تموت يومياً ولا ذنب لها في أي من صراعات الكبار؟ لم يختر أطفال اليمن مكان ولادتهم. لماذا لا تحرّك مشاهد أطفال اليمن نساء العالم؟ أليست كل النساء أنفسهن أينما كنّ؟ بما ستشعر النساء في الدول التي تقصف اليمن لو قدرّ أن يرين أطفالهن مكان أطفال هذا البلد؟ أظنّ أن الألم سيكون نفسه. أعتقد أنهن سيكنّ كأي أم يمنية تتحرّق عذاباً من قتل ولدها أمامها ومن خسارته إلى الأبد. سيشعرن حتماً بخسارة كيانها وآمالها في الحياة.
الأم اليمنية اليوم، تواصل جهدها لتؤمّن لأطفالها كل حاجاتهم وأهمها الأمان، الذي توحي به إليهم متحايلة على خوفها لتبث في قلوبهم الطمأنينة. إلا أنّ صلابتها لا تستمر طويلاً. إذ كلّما اشتدّت يد التدمير والخوف، كلما أدركت أنها لن تستطيع الاستمرار في إيهام أطفالها أن القصف الذي يسمعون أصواته هو مجرّد ألعاب نارية، أو أن أزيز الرصاص هو مجرد شجارات طفيفة ستنتهي. تبذل الأم اليمنية وسعها، وتستمر في المحاولة، لكنّها تفشل في النهاية. فشلها ليس من تقصيرها، بل من عدم قدرتها على احتواء يد القتل وقد بلغت أقصى درجات الجنون. جنون لا يخلّف إلا الخوف والدموع والقلوب المعذبة.