أميركا لم تعد قوّة تهابها كلّ الدول فهل أدركت ذلك؟
الولايات المتحدة الأميركية هي واحدة من الدول العظمى، بل وأكثرها حضورًا وقوة في العالم لقدرتها على ممارسة السلطة والنفوذ المالي والاقتصادي، ليس فقط في حدودها الخاصة ولكن على الصعيد الإقليمي والدولي. كما ولها تأثير في مجلس الأمن يصل إلى حد تحريك الجيوش وتشكيل التحالفات لمحاربة بلد هنا وحصار آخر هناك. ومن مظاهر تأثيرها في منطقتنا العربية إسقاط حكام وإصعادها آخرين بحربها الناعمة وتدخلاتها السياسية السافرة.
في الشرق الاوسط لا صوت يعلو فوق صوت الأميركي. انقياد ذليل من غالبية الأنظمة، وهيمنة مطلقة على الأجواء والبحار. القواعد العسكرية الأميركية تمتلئ بها الدول العربية، من السعودية إلى العراق إلى سورية والإمارات وقطر وليس أخيرًا البحرين التي تحتضن الأسطول الأميركي الخامس وتتركز منطقة نشاطه في مساحة 7 ملايين كيلو متر مربع في المجال الممتد من البحر الأحمر إلى الخليج، مرورًا بالمحيط الهندي وبحر العرب.
الأهداف من الحضور العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط كثيرة، ومنها تعزيز النفوذ وبسط الهيمنة على طرق التجارة ومصادر الطاقة، إضافة إلى توفير الأمن والحماية لكيان العدوّ الإسرائيلي، وهذا الهدف الأخير، الثابت في السياسة الخارجية الأميركية، يتجلى اليوم بالدعم الأميركي اللامحدود في جرائم حرب الإبادة الجماعية في غزّة وتشكيل تحالف دولي تشارك فيه بريطانيا ودول غربية أخرى لحماية الملاحة التجارية الصهيونية في البحر الأحمر والبحر العربي من العمليات اليمنية المساندة لغزّة ومقاومتها الباسلة.
الدعم الأميركي لكيان العدوّ في غزّة لم يؤت ثماره المرجوة، وتداعياته لم تقتصر على الأمن والاقتصاد الإسرائيليين وحسب بل وعلى صورة أميركا التي بدأت تهتزّ مكانتها كشرطي الخليج وردعها المتآكل عاما بعد آخر.
استهداف السفن والمدمرات الأميركية بالصواريخ والطائرات المسيرة والغواصات اليمنية التي دخلت خط المواجهة، دعمًا لفلسطين، عمليات غير مسبوقة، ومشاهد لا نظير لها في تاريخ الصراع مع قوى الاستكبار العالمي، وهي بمثابة نهاية مرحلة وبداية أخرى. مصير الدول المستبدة، وحكامها إلى الزوال، وهذه من السنن الإلهية في الكون، وأميركا ليست استثناء، وواضح أن الأحداث في الشرق الأوسط تسير بها إلى الهاوية.
اليمن في المفهوم الأميركي دولة ضعيفة وفقيرة، وقدراتها محدودة للغاية، ويمكن ردعها والتأثير على سياستها وتوجهاتها بأقل الجهود، غير أن تعريفات واشنطن تجانب الحقيقة والواقع على الأرض المعزز بالأدلة والشواهد والاعترافات، تؤكد تضرر الهيبة الأميركية بفعل ضربات اليمن، وما تقدمه قواته المسلحة من مفاجآت على صعيد الميدان البحري، من شأنه أن يفرض على الإدارة الأميركية أن تعيد قراءة المشهد ومراجعة الحسابات.
نائب قائد القيادة المركزية الأميركية، “براد كوبر” وفي أحدث تصريحات له قال إن القتال ضدّ اليمن في البحر الأحمر هو أكبر معركة خاضتها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وأضاف أن اليمن هو أول من استخدم الصواريخ الباليستية في استهداف السفن.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، شبكة “سي إن إن” الأميركية نقلت عن أحد كبار مسؤولي وزارة الحرب الأميركية قوله إن اليمن يواصل مفاجأتهم في البحر وليس لديهم فكرة جيدة عما لا يزال بجعبة هذا البلد ولا في كيفية زيادة الضغط عليه لمنع عملياته البحرية.
وأضاف المسؤول نفسه “إنه من غير العملي الاستمرار في إطلاق صواريخ بملايين الدولارات على الطائرات من دون طيار والصواريخ قليلة التكلفة التي تنطلق من اليمن”.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن البحرية الأميركية أطلقت ما يزيد عن مائة صاروخ أرض جو بتكلفة أربعة ملايين دولار للصاروخ الواحد وهذا يعني أن خسارة واشنطن المادية تكبر وتتعاظم أيضًا.
على البحرية الأميركية البقاء متيقظة في البحر الأحمر، كي تحمي نفسها من القدرات اليمنية. هذا ما خلصت إليه نتائج المعركة البحرية ولفت إليه بعض القادة الأميركيين إذ قال قائد مجموعة حاملات الطائرات الأميركية الثانية، الأدميرال مارك ميغيز، في تصريح لصحيفة واشنطن بوست إن الزوارق المسيرة اليمنية أخطر تهديد غامض يواجه الأساطيل الأميركية في البحر الأحمر، وهذا يعني أن الروح المعنوية للقوات المعادية في البحر تضعف، وهم يعيشون واقعًا معقّدًا في ظلّ استمرار المواجهة لأربعة أشهر متتالية اثرت سلبيًّا على البحارة وفق قائد حاملة الطائرات الأميركية “أيزنهاور” النقيب كريستوفر هيل.
أميركا العاجزة عن حماية سفنها وسفن العدوّ الإسرائيلي في البحرين الأحمر والعربي، أمام قدرات محدودة، ودولة محاصرة ومنهكة من حرب السنوات التسع الماضية، كيف سيكون حالها وواقعها العسكري إذا ما اضطرّت لخوض معركة مباشرة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، أو مع روسيا، ولا سيما أن حليفها الأوكراني يخسر كلّ يوم المزيد من المناطق المهمّة والاستراتيجية؟ وهل تملك البحرية الأميركية القدرة الكافية لمواجهة احتمال اغلاق مضيق هرمز، في حال توسع الصراع ودخلت إيران بقدراتها النوعية خط المواجهة؟ بالتأكيد لا.
الأمور ليست على ما يرام إذن بالنسبة للأميركي والبريطاني الاحمق الذي ورط نفسه في ما لا يعنيه، وقادم الأيام حافل بالمتغيرات التي تؤكد أن الخوف من أميركا وبطشها مقتصر على أنظمة العمالة والتطبيع، وهذه الأخيرة مضطرة للاعتراف بأن المتغطي بواشنطن عريان، على أن الخوف الأكبر من صحوة الشعوب ونقمتها.
أميركا التي تهيمن على غالبية الدول العربية وتتحكم بثرواتها بدأت تشعر بتعاظم الخطر المهدّد لمصالحها وبقاء الكيان الصهيوني، فأن يقف اليمن في مواجهة اساطيل ومدمرات أقوى الدول في العالم ويخرج قائده السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي ليتوعد بالتصعيد في قادم الأيام ضدّ السفن المعادية إذا لم يتوقف العدوان على غزّة ويرفع الحصار فهذا يعني أن المعادلات تغيرت والمسألة مسألة وقت حتّى تتحرر كلّ الجغرافيا ويعيد التاريخ كتابة نفسه.
كتب :إسماعيل المحاقري