أميركا تبحث عن انتصار مفقود في اليمن ..رغم مرور أكثر من 5 أسابيع على العدوان، إلا أن أهدافه لم تتحقّق ولا يظهر أي سبيل لتحقيقها

أميركا تبحث عن انتصار مفقود في اليمن

تؤكد الأحداث في اليمن أن الولايات المتحدة لا ترى هذا البلد إلا بمنظار الأمن الملاحي الدولي، وتصنِّف الإستراتيجية المتبَعة لأمن الممرات العالمية، ومنها البحر الأحمر، على أنها أمن قومي أميركي، فيما أُدرج، أخيراً، التهديد اليمني لإسرائيل تحت تصنيف حفظ مصالح الحلفاء، والمقصود هنا تل أبيب حصراً. وعلى هذه الخلفية، لا يفتأ حلفاء واشنطن في الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، يعيبون على الأولى إمساكها العصا من الوسط في الحرب التي شنّوها على اليمن عام 2015، واكتفاءها بالمعونة الاستخباراتية والفنية والدعم اللوجستي.

ويرى هؤلاء أنه لو استخدمت الولايات المتحدة في تلك الحرب، القوة نفسها المستخدمة حالياً، لكانوا هم انتصروا على صنعاء، بينما في الحالة الإسرائيلية، تدخّلت واشنطن بشكل مباشر، وجنّدت كل إمكاناتها الجوية والبحرية والاستخباراتية، بل حاولت تكراراً تطويع الرياض وأبو ظبي للانخراط في العدوان دفاعاً عن المصالح الإسرائيلية، بذريعة أمن الممرات.

وبالفعل، فإن مقاربات الإعلام الأميركي والتقارير الرسمية والمراسلات والأبحاث، تنطلق جميعها من نقطة مركزية تتمثّل في باب المندب وقناة السويس. وحتى وزير الدفاع الأميركي، بيت هيسغيث، قال، في محادثة على تطبيق «سيغنال»، إن «الأمر لا يتعلّق بالحوثيين. أراه من منظورين: الأول استعادة حرية الملاحة، وهي مصلحة وطنية جوهرية؛ والثاني، إعادة إرساء الردع الذي قوّضه الرئيس السابق، جو بايدن».

وبناءً على ذلك، أقرّ «المعهد البحري الأميركي»، في تقرير قدّمه إلى الكونغرس الثلاثاء الماضي، بأن «اليمن دولة تعاني من الصراع على طول مضيق باب المندب الإستراتيجي، أحد أكثر ممرات الشحن نشاطاً في العالم»، مضيفاً أن «الحوثيين المدعومين من إيران يشنّون عدداً من الهجمات على الشحن الدولي منذ أكتوبر 2023، بهدف ظاهري هو إجبار إسرائيل على إنهاء حربها مع حماس».

وفي ما يتصل بهذه النقطة الأخيرة تحديداً، تدأب الدعاية الأميركية، بشكل واضح، خصوصاً في ظل إدارة دونالد ترامب، على التشكيك في حقيقة مساندة «أنصار الله» للقضية الفلسطينية، حتى لا تحرج حلفاءها العرب في حال انضمامهم إلى هجوم بري إلى جانب القوات الأميركية للتقدّم في اتجاه مناطق سيطرة حكومة صنعاء؛ كما إن لازمة «تبعية» الحركة لإيران تكاد لا تفارق أيّ موقف مهما كان شأنه.

وبمعزل عن تلك الاعتداءات، فإن العدوان الذي مرّت عليه أكثر من خمسة أسابيع، لا يبدو أنه حقّق أهدافه أو أنه في طريقه إلى تحقيقها. إذ إن الشحن التجاري في باب المندب وقناة السويس ما يزال مضطرباً، بينما يزداد الردع تآكلاً مع مرور الوقت. وفي هذا الإطار، يقول الخبير البحري في «كلية كينغز كوليدج لندن»، أليسيو باتالانو، إنه «إذا كان الأمر يتعلّق بحرية الملاحة، فهو غير مجدٍ»، مضيفاً: «كيف يُمكن دعم فكرة أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي الأولوية، ومع ذلك تُسحب عناصر بالغة الأهمية في تلك المنطقة لمصلحة عمليات في الشرق الأوسط؟».

رغم مرور أكثر من 5 أسابيع على العدوان، إلا أن أهدافه لم تتحقّق ولا يظهر أي سبيل لتحقيقها

والواقع أن فشل الضربات أدّى إلى وضع واشنطن أمام تحدٍّ غير مسبوق، فيما لا يظهر أيّ مؤشر إلى وجود إستراتيجية لديها للخروج من هذا المأزق. وإذ لم يعد أمام الإدارة الأميركية سوى التعويل على الحلفاء المحليين في اليمن، فإن الضربات الجوية تتركز حالياً على استهداف الخطوط الأمامية لـ«أنصار الله» على جبهات الداخل، في محاولة لإنهاك قدرات الحركة الدفاعية، ثمّ تمكين خصومها من الهجوم الذي يُحضّر له.

وعلى خلفية ذلك، بدأت وسائل الإعلام الأميركية تشكّك في جدوى هذه الحرب، وتسخر من الطريقة التي يديرها بها البيت الأبيض. إذ قالت مجلة «فورين بوليسي» إن «العملية التي نوقشت في محادثة عبر تطبيق سيغنال تضمنت عن طريق الخطأ صحافياً، فشلت حتى الآن في تحقيق أي من أهدافها المعلنة. وأصبحت بعض المشكلات الكبيرة واضحة، ما يؤكد مدى صعوبة تحويل الخطاب العضلي إلى نتائج واقعية بالنسبة إلى ترامب». ويأتي ذلك في وقت لا تكفّ فيه الولايات المتحدة عن ممارسة التضليل وتزوير الحقائق وادّعاء الانتصارات المزيّفة وتبرير قتل المدنيين اليمنيين، وهو ما يلاقيها فيه الإعلام الخليجي، وخصوصاً السعودي والإماراتي، باستخدام أسلوب إسرائيل في اتهام حركة «حماس» بأنها المتسبّب في الحرب.

لا بل يذهب الإعلام المذكور إلى التقليل من شأن فشل الضربات الأميركية، مثلما فعلت قناة «الحدث» التي أوردت، قبل أيام، تقريراً قالت فيه إن الأميركيين لم يستخدموا في الضربات الجوية الطائرات الشبحية «بي 2»، واصفة الحديث عن استخدامها بأنه «مزاعم حوثية»، في تناقض واضح مع الاعترافات الأميركية نفسها، وعلى رأسها الرسالتان الموجّهتان من ترامب إلى كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ المؤقت، واللتان قال فيهما إنه «بناء على توجيهي، بدأت قوات القيادة المركزية الأميركية تنفيذ ضربات واسعة النطاق في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، بهدف القضاء على القدرات التي يستخدمونها لمهاجمة القوات الأميركية والسفن التجارية في البحر الأحمر والمياه المحيطة. شاركت في هذه الضربات سفن وطائرات تابعة للبحرية الأميركية، بالإضافة إلى قاذفات وطائرات مقاتلة ومسيّرة تابعة للقوات الجوية الأميركية».

ورغم كثافة تلك الدعاية، إلا أن الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة بدأت تدفع إلى البحث عن الحقائق في مواجهة مزاعم الإدارة، وهو ما يفعله عدد من وسائل الإعلام التي تشكّك في جدوى الحملة الأميركية على اليمن، وتتّهم إدارة ترامب بعدم الوضوح، وتتحدث عن نقص صارخ في الشفافية، مثلما فعلت «فورين بوليسي».

وبالفعل، لا تعقد وزارة الدفاع الأميركية إحاطات إعلامية حول تلك الحملة، فيما تكتفي «القيادة المركزية الأميركية»، التي تُشرف على العمليات في الشرق الأوسط، بنشر مقاطع فيديو مُبهرجة على منصات التواصل الاجتماعي لعمليات طائرات «الهليكوبتر»، مصحوبة بوسم «#الحوثيون_إرهابيون». والمفارقة أن ذلك يأتي في وقت ينتقد فيه خصوم «أنصار الله»، الحركة، كونها تمارس دور الرقابة على المواد الخاصة بالحرب، من قَبيل منع نشر الصور أو إحداثيات الضربات، وهذا في الأصل طبيعي مع تعرّض البلد للقصف والتدمير.

لقمان عبد الله الجمعة 25 نيسان 2025

قد يعجبك ايضا