أميركا بوجه تآكل هيبتها في اليمن: ما العمل؟

أميركا بوجه تآكل هيبتها في اليمن: ما العمل؟

كشف طلب الاتحاد الأوروبي من صنعاء السماح له بسحب سفينة النفط اليونانية «سونيون»، التي استهدفتها، الأسبوع الماضي، القوات اليمنية البحرية ما أدى إلى إحراقها، عن العجز العسكري الغربي في مواجهة حركة «أنصار الله». وجاء الطلب المذكور بعد أن فشلت بوارج بعثة «أسبيدس» الأوروبية في الوصول إلى السفينة، وهو وضع دفع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيف بوريل، إلى الاعتراف بفشل احتواء العمليات اليمنية عسكرياً، ووصفها بـ«المعقدة والمتطورة جداً». واعتبر بوريل ما يجري في البحر الأحمر تصعيداً خطيراً، مشدداً على ضرورة التوصل إلى حل في قطاع غزة، باعتباره الحل البسيط والناجع لوقف العمليات اليمنية.وأعادت حادثة «سونيون» وغيرها من الحوادث، تسليط الضوء على نطاق واسع في وسائل الإعلام الأميركية ومراكز الدراسات، على النهج الذي تتّبعه واشنطن حيال التعامل مع هجمات «أنصار الله» في البحر الأحمر، والذي اعتبره محللون مثالاً واضحاً على «الإهمال الإستراتيجي» كونه محكوماً بالفشل ومكلفاً جداً، ويعرّض حياة أفراد الخدمة العسكرية الأميركية المتمركزين في المنطقة لحماية السفن التابعة للحلفاء، للخطر، فضلاً عن مخاطرته بزعزعة استقرار اليمن والمنطقة على نطاق أوسع. وفي هذا الإطار، نشرت مجلة «ناشيونال ريفيو» الأميركية تقريراً تحت عنوان «سياسة الردع التي ينتهجها بايدن في البحر الأحمر فشلت»، تحدّثت فيه بإسهاب عن تداعيات إحراق السفينة اليونانية، وتأثيرات ذلك على هيمنة أميركا على الملاحة البحرية، معتبرة أن ما يشهده مضيق باب المندب يشكّل كارثة أكبر بكثير من مجرد إحراق ناقلة النفط، لأنه مؤشر إلى أن زمن التفوق الأميركي والهيمنة على خطوط الإمداد البحري، ينتهي، علماً أن ذلك التفوق هو ما ضمِن للولايات المتحدة الرخاء لمدة 200 عام.
وفيما اعتبر معظم المحللين الإستراتيجيين وصنّاع السياسات أن الفشل في البحر الأحمر دليل على تراجع الولايات المتحدة على المستوى الإستراتيجي، في ظل تآكل قوة الردع لديها، رأى آخرون أن الإخفاق الأميركي في الشرق الأوسط، وخصوصاً في البحر الأحمر، سيشكل جزءاً مهماً من المناقشات عشية الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الخامس من تشرين الثاني المقبل.
وتخشى النخبة الأميركية من أن استمرار الصراع مع اليمن، سيؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية المتنامية، ويجعل الحملة العسكرية الأميركية في وضع سيئ، ومن أن الصراع سيؤدي إلى تعرض المزيد من السفن لنيران «أنصار الله». وفي الوقت نفسه، تحذّر من أن الأعمال العدائية الحالية بين واشنطن وصنعاء، قد تدفع الشرق الأوسط نحو حروب إقليمية.

الفشل في البحر الأحمر دليل على تراجع واشنطن على المستوى الاستراتيجي

كذلك، ثمة إجماع أميركي على أن الاعتماد على السياسة الحالية القائمة على استهداف الأصول اليمنية جواً وبراً وبحراً، لا يمكن أن يمثّل حلاً لمشكلة بالغة الخطورة، وأن الولايات المتحدة لن تتمكن من تقليص قدرات اليمن إلى الحد الذي يجعله غير قادر على مهاجمة السفن العابرة للبحر الأحمر. كما أن أكثر ما يشغل بال النخب وصنّاع السياسات، هو أن عواقب الفشل في ردع «أنصار الله» سوف تمتد إلى أجزاء أخرى من المنطقة والعالم، حيث ستتزايد الجرأة على تحدي الهيمنة الأميركية، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال». وفي هذا الإطار، ينظر المستوى الإستراتيجي بقلق إلى الدروس التي تعلّمها خصوم أميركا في إيران والصين، من فشل الإستراتيجية الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن، ويحتملون أن يرسم هؤلاء سيناريوات «قاتمة» لأداء واشنطن في حال اندلاع إطلاق نار بلا هوادة على الأميركيين في مضيق هرمز أو إقدام الصين على حصار مضيق تايوان.
إزاء ذلك، يختلف الأميركيون حول طريقة حل أزمتهم مع اليمن، حيث يرى البعض أنه لا بد من خطط عسكرية جديدة حتى لو أوصلت إلى الحرب الشاملة، وهؤلاء في المناسبة أقلية، وليس لهم تأثير في صنع القرار؛ فيما يرى آخرون أن الأزمة ليست أميركية ولا ينبغي لدافعي الضرائب الأميركيين تحمّلها، وهذا الرأي إجمالاً هو رأي العسكريين. وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن القادة في «البنتاغون» يقولون إن حماية الممرّات البحرية، «مشكلة دولية تتطلّب حلاً دولياً». ويُرجع هؤلاء القادة النقاش إلى المربع الأول، حيث رفضت الدول الكبرى، خصوصاً الحليفة لواشنطن، الانخراط معها في تحالف «حارس الازدهار». كما ثمة من يطالب بالضغط على الدول الأوروبية والآسيوية لتولي دور في الدفاع عن الشحن في البحر الأحمر، بالنظر إلى أن لديها عدداً أكبر من السفن التي تعبر هذه المياه مقارنة بالولايات المتحدة. لكن الثابت أن فشل التجربة يستدعي عدم التعويل على حلفاء واشنطن في أوروبا وشبه الجزيرة العربية مثل السعوديين، والعُمانيين، والإماراتيين، والمصريين، أو قوى أخرى في المنطقة.
وعلى أي حال، يبدو أنه لا شيء سيتغيّر في الخطة الأميركية الحالية، إذ إن الرئيس جو بايدن يترك الأزمات في كل جزء من العالم، بما فيها الأزمة في البحر الأحمر، لخليفته. وكما قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإنه سيُترَك للناخبين تخمين ما قد تفعله كامالا هاريس بشكل مختلف عن القائد الأعلى الحالي. وتشكّك الصحيفة في أن أياً من المرشحيْن اللذيْن يتنافسان على خلافة بايدن، لديه خطة لإحياء النظام في ممر الشحن العالمي الذي يسيطر عليه «الحوثيون» الآن.

 

قد يعجبك ايضا