أميرةٌ تونسية!
د/ مصباح الهمداني
بينما كانت أعيُننا معلقة نحو أصحاب الشواربِ واللحى، ونحو قومٍ يُقالُ لهم رجالُ، علَّهُم ينظرونَ بعينِ الإنصافِ لبلدٍ طال هدمُه، أو بعينِ الرحمةِ لأطفالٍ مزَّقَ الطيران أهلهُم، أو بعينِ إنسانية لبلدٍ مسلمٍ عربيٍ يرزحُ تحتَ حِصارٍ بري وبحري وجوي لم يشهدِ التاريخُ له مثيلا! إلا في عهد الجاهليةِ الأولى حيثُ حاصر المشركين مُحمدًا ومن معه في شعب أبي طالب!
ثلاثُ سنواتٍ مرَّتْ على حربٍ جاهليةٍ شعواء، استخدمت فيها مملكة الشيطان احتياطَ شعبها الصامت في سدِّ أفواه أشباه الرِّجالِ من المحيطِ إلى الخليج؛
فصمتَ الإعلامي العربي، وكسرَ قلمه الكاتبُ القومي، وصمَّ أذنيه رجُلُ السياسة، وأغمضَ عينيه رجلُ الدَّولة!
ولم يكتفِ المالُ السٌّعودي النَّجِسُ بقتلِ أطفالِ اليمنِ وتدميرِ كل شيء، بل استنطقَ العبيد، وجعلهُم شركاء له في كل قطرةِ دمٍ يمنيةٍ طاهرة، وجمعَ على مائدةِ الدماء، وأشلاء الأبرياء؛ وزراء العربْ، ببطونهم المنتفخة، وألسنتهم المتورمة، ووجوههم القبيحة، وقاماتهم القميئة؛ فجلدوا الضحية وباركوا الجَلاَّد، ولم يكتفوا بذلك؛ بل تبرؤوا ممن يدافعُ عن أعراضهم، ويحمي مؤخراتهم، ويقفُ للعدو الصهيوني كالأسدِ الهُمام!
تلفَّتَ اليمنيون فلم يرجعْ لصوتِ صُراخِهم إلاَّ الصدى!
كانوا يصيحون نحنُ نقاتلُ عدوًا جبانًا رعديدا؛ نهزمه في الجبهات؛ فيقصف القُرى والأسواق البعيدة..نُنَكِّلُ بجنوده فيُنكلُ بأطفالنا..
ويرتدُّ صمتٌ طويل كطولِ سنوات الحربِ الثلاث!
لكن صوتًا أتى ليمزَّقَ غِشاءَ الرشوة على وجوه أشباه الرجال. كان الصوتُ لامرأةٍ لكنها بألفِ رجُلْ، كان الصوتُ لامرأةٍ وكأنها زينبٌ في كربلاء..
كانت الحُرَّةِ الطاهرة، والبطلةُ النادرة، والصادقةُ الثائرة، ابنة تونس الخضراء، حفيدة أم البنين الفهرية، وحفيدة خديجة بنت الإمام سحنون، وحفيدة الجازية الهلالية، وحفيدة السيدة المنوبية، وحفيدة مجيدة بوليلة، وحفيدة وسيلة بنت محمد بن عمار.
كان صوتُها مِطرقةً على كلِّ أشباه الرجالِ في العالمِ العربي، وكانت كلماتها سياطًا على كلِّ مُسلمٍ صامِتْ!
لقد قالتْ الأميرة التونسية؛ بلسانٍ عربي مبين، ما أخرسَ الجميع، وأذهَبَ سكرتهُم المدفوعة الأجر.
لقد قالت كلماتها تحتَ قبةِ البرلمان التونسي، لتُسمعَ العالمَ أجمعْ بأنَّ هناكَ من لا يزالُ في قلبه دماء، وفي عروقه حياء…
لقد كانت كلماتها تِبرًا لا يُقدر بثمن، ويجبُ ترديده كرُقيةٍ لكلِّ رجلٍ افتقدَ رجولته، ولم يتبقَّ له سوى الذكورة، لعلَّ وعسى يرى أولئكَ الذكور ما يجري على بلدٍ عربي مسلمٍ!
ويكفينا أن نقتطف بضع كلمات هنا، كترياقٍ كافٍ لكل ذي بصر. فقد قالت سيدة النساء، وفارسة البيان، السيدة: مباركة عواينية البراهيمي وهي تحت قبة مجلس الأمة التونسي:
(اجتمعتم لإدانة صاروخ يمني سقط في الصحراء، وفي المقابل سكتم عن قتل و تشريد شعب اليمن بأكمله، فلم تستحوا من أشلاء أطفال اليمن وأنتم تتضامنون مع الدولة المعتدية .. أنتم وجامعتكم العربية سارعتم إلى تجريم حزب الله المقاوم حامل البندقية الوحيد في وجه الكيان الصهيوني…)
شكرًا لتلكَ الهامة الشامخة، والمرأة العظيمة، فقد أدخلتِ السرور والأمل في قلبِ كل مظلوم في اليمن؛ بأنَّ هناكَ ضمائرٌ ما تزالُ حيَّة في عالمنا العربي الميِّتْ!
وكَم كان المُتَنبي صادِقًا ومُحِقًا حين قال:
فلو كان النساء (كمثلِ هذي)… لفضلتُ النساء على الرِّجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشمس عيبٌ…. ولا التذكير فخرٌ للهلالِ