أمريكا تُغَيّر منطقها وتُعفي اليمن من تهمة الإرهاب.. إسقاط التهمة لا يكفي…بقلم/عبدالرحمن الاهنومي
يبدأ اليوم 16 فبراير2021 سريان قرار أمريكا بإسقاط تهمة الإرهاب عن اليمن “أنصار الله” الذين أصدرت الإدارة الأمريكية السابقة قرارا يصنفهم في لائحة الإرهاب وأصدره وزير الخارجية السابق “مايك بومبيو” في 19 يناير، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الجمعة الماضية إلغاء التهمة وإسقاط قرار التصنيف الذي يضع أنصار الله في قائمة الجماعات الإرهابية، وقال إن سريان قرار الإلغاء يبدأ من 16 فبراير والذي يصادف اليوم الثلاثاء.
بعد أقل من شهر سقط القرار الأمريكي وأسقطت أمريكا تهمة الإرهاب بحق اليمن، غيرت أمريكا منطقها لكنها لم تتغير في حقيقتها، ليس من عادات أمريكا التراجع عن القرارات، لكنها تراجعت بفرض اليمنيين وإنجازاتهم في الميدان، بوعيهم وثقافتهم النابعة من ثقافة قرآنية أرساها وكرسها السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، حين قال لو صرخ اليمن في أسبوع لتلطفت أمريكا لليمن، لغيرت أمريكا من منطقها ولأعفت اليمن من أن يكون فيه إرهابيون، هذا ما حدث، الحكمة اليمانية، الخروج الشعبي الكبير والرفض والسخط الواسع تخشاه أمريكا ويدفعها لمراجعة الحسابات.
لكن وقبل أن تصدر أمريكا في عهد إدارتها السابقة قرار الإرهاب في حق انصار الله بما يحمله من مخاطر وأبعاد إنسانية وسياسية، كانت أمريكا هي من تقود العدوان عسكريا وتفرض الحصار وتدير الحرب الاقتصادية بما تسببته من كارثة إنسانية باتت تهدد الملايين من اليمنيين بالجوع والموت، إذ لولا القيادة الأمريكية والإدارة والإسناد والدعم لما تجرأت السعودية وبقية دول تحالف العدوان على شن الحرب على اليمن أساسا، ولولا استمرار هذا الدعم منذ فجر 26 من مارس 2015 إلى اليوم لما قامت الحرب واستمرت ودمرت وقتلت وأبادت وصنعت المآسي باليمنيين الذين باتوا مهددين بالجوع والمرض والقتل تحت القصف بقنابل أمريكا وصواريخها.
قرار أمريكا بإعفاء اليمن من تهمة الإرهاب لا صلة له بموقفها الأخلاقي، ولا هو مراجعة حقيقية للسياسات الأمريكية العدوانية بل هو فرض مفروض بالتحرك الفاعل والمؤثر للشعب اليمني وله عوامل أخرى ترتبط بالنهج..
والأمر ينسحب على إعلان جو بايدن إنهاء الدعم الأمريكي للسعودية، الأمران هما تحصيل حاصل، يشكلان أساسا في التسويق الدعائي لسياسة بايدن الخارجية، ومن باب تحسين السمعة التي تعتمد عليها أمريكا في تجذير تدخلاتها وتمرير أجنداتها، وقد تأثرت بفعل السلوك المتبع من قبل ترامب وهو ما يرغب بايدن الخلف بإصلاحه، وحول هذا يقول المدير السابق لـ”مجموعة الأزمات الدولية” روبرت مالي وهو مسؤول أمريكي عين مؤخرا مبعوث في إيران في مقالة له نشرتها مجلة “فورين أفيرز”، بعنوان “التواطؤ في المذبحة: كيف مكّنت أميركا الحرب في اليمن؟”، بأن السعودية حصلت على ضوء أخضر أميركي لإطلاق الحرب على اليمن، قامت الولايات المتحدة بدور كبير في الحرب على اليمن منذ البداية حسب روبرت مالي؛ قال الجبير آنذاك إن الحرب على اليمن جاءت بعد تنسيق وترتيب أمريكا، ثم أعلن البيت الأبيض بأنه سمح بـ”توفير الدعم اللوجستي والاستخباري” لـ”التحالف”، عبر خليّة تخطيط مشتركة تم إنشاؤها في الرياض، خلال سنوات العدوان على اليمن تكشفت خفايا المشاركة الأمريكية والدور الرئيسي لأمريكا في العدوان على اليمن، موانع التخفي تلاشت أكثر في عهد ترامب وبدت أمريكا هي الفاعل والمجرم والمحاصر والقاتل للشعب اليمني.
ووسط هذه المعمعة الأمريكية والدعوات المتتالية لإدارة بايدن، والتي لم تقم عمليا بما ينعكس إيجابا على الجوانب الإنسانية ويمنع حدوث الكارثة الوشيكة، ما لم تفعله أمريكا هو الانسحاب من العدوان على اليمن وإعلان وقفه نهائيا، وما لم تفعله كذلك هو رفع الحصار المطبق والشامل عن الموانئ اليمنية، ولن تفعل ذلك كما يبدو من خلال السلوك العملي للإدارة الجديدة حتى الآن، بإمكان الإدارة الأمريكية أن تفرج عن سفن الوقود المختطفة في البحر من قبل سفن الحصار وطواقمها، بإمكانها أن تعلن وقف الحرب التي أعلنت على اليمن من عاصمتها واشنطن، بإمكانها أن تثبت أقوالها بالأفعال، دلالةُ المضي في الاتجاهين الحديث عن المآساة الإنسانية والحصار وتدفع المساعدات والحل السياسي، مع الاستمرار في فعل ما يصنع المآساة ويفاقم الوضع ويجوع المدنيين واضحة لا تقبل التأويل، ذلك أن أمريكا مصممة على استمرار العدوان والحصار على اليمن، ومستمرة في تسويق نفسها -تحت العنوان الإنساني- كدولة محترمة لها أخلاق وقيم.
في تفاصل الحرب العسكرية على اليمن والحصار الغاشم على الموانئ والمطارات اليمنية ما يعري واشنطن ويكشفها، في التفاصيل تَبرز نقاط الاختلاف والتناقض بين الطرح الكلامي من جهة، والسلوك الفعلي الأميركي العدواني من جهة ثانية، الشواهد على ذلك كثيرة يعرفها البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون، والمطلوب هو وقف فوري للعدوان ورفع فوري للحصار.. إن إلغاء قرار تهمة الإرهاب وإنهاء الدعم بالسلاح لا يكفي.