أمريكا تخرق “الاتفاق النووي”.. ايران والردّ المقابل
مرّة أخرى يعود “الاتفاق النووي” إلى الواجهة الإعلامية العالمية من جديد، فبعد موافقة مجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي على إعادة فرض العقوبات على إيران لعشر سنوات، اكد قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي أن تلك الخروقات التي تمثلت في قرار حظر جديد لعشرِ سنوات على طهران، لن تمر دون ردّ في حال وضعها موضع التنفيذ.
ردود الأفعال الإيرانيّة باتت تتضح معالمها سريعاً في البرلمان الإيراني حيث أصدر النواب بياناً طالبوا فيه الحكومة بالرد على القانون الأمريكي الجديد استناداً إلى قانون إيراني تم تصويبه في البرلمان سابقاً حول الإتفاق النووي يفرض على الحكومة الرد على أي إنتهاك للاتفاق النووي من الطرف المقابل.
لا يختلف اثنان على موقف ترامب المعارض للاتفاق النووي، والذي أعلن في وقت سابق نيّته تمزيق الاتفاق ليأتيه الرد الإيراني بالحرق، إلا أنه أيضاً لا يمكن التغافل عن أن الرئيس المنتخب حالياً لم يصل إلى البيت الأبيض بعد، بل إن الإجراء الأخير وقع في حقبة أوباما.
ويبدو ترامب الأقل تطرّفاً في الإدارة الأمريكية الجديدة، التي باتت تتّضح معالمها مع سلسلة التعيينات التي أجراها الرئيس المنتخب، الأمر الذي يؤكد أن مواقف الإدارة المرتقبة ستكون أكثر صرامة، لاسيّما أن ترامب اختار كلا من الجنرال مايك فلين لمنصب مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، والنائب الجمهوري مايك بومبيو لإدارة وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي أي)، وكلاهما من المتشددين فيما يتصل بملف إيران. في حين أن صحيفة وول ستريت جورنال أوضحت أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدرس في شهريها الأخيرين بالسلطة إجراءات جديدة تهدف لتحصين الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، حسبما ذكر مسؤولون أمريكيون.
ويرى مراقبون في الشأن الأمريكي أنه رغم اختلاف موقف أوباما وترامب في الشكل، إلا أنه لا يختلف في الجوهر وإن كان الأخير أكثر تطرّفاً، فقد أثبتت تجربة سنة ونيّف على الاتفاق النووي أن أمريكا، بشقّيها الجمهوري والديمقراطي، غير جديرة بالثقة حيث لازالت إدارة أوباما تماطل حتى الساعة بتنفيذ بنود الاتفاق النووي.
في المقابل، أثبتت إيران التزامها التام بالاتفاق النووي وفي خطوة تؤكد رغبة طهران باحترام الاتفاق النووي، أعلن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، أن بلاده أرسلت إلى سلطنة عمان “11 طناً من المياه الثقيلة” ستُباع إلى بلد ثالث لم يُسمّه، “حتّى أن من يعارضون الاتفاق النووي في إيران يفضلون أن تكون الولايات المتحدة هي أول من يُخل بهذا الاتفاق وليس إيران”، وفق ما أوضحت الكاتبة راز تسيمت في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
يبدو أن واشنطن، وبخلاف رغبة الدول التي وقّعت على الاتفاق، تريد إعادة العلاقة إلى مرحلة ما قبل 14 تموز/يوليو 2015، موعد توقيع الاتفاق النووي، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن إيران غير معنية بالشؤون والخلافات الداخلية الأمريكية حيث يتعيّن على أوباما أن يواجه قرار مجلس الشيوخ الذي يحتاج إلى موافقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليتحول إلى قانون نافذ. كلام البيت الأبيض عن انتهاك مجلس النواب الأمريكي لبنود الاتفاق النووي في القانون الذي يمنع شركتي بوينغ وإيرباص للطيران التجاري من التعامل مع إيران، وكذلك الإشارة إلى أن أوباما سيمارس حق النقض ضده حتى لو وافق عليه مجلس الشيوخ، لا يعد إلا خطوةً ناقصة في مسار الإلتزام الأمريكي بالإتفاق النووي.
ثانياً: رغم المواقف العلنية المؤيدة وبعض الالتزامات التي لا تذكر من إدارة أوباما، إلا أننا لم نرَ تطبيقاتها على أرض الواقع. ماذا قدّم الرئيس الأمريكي الحالي من الأموال الإيرانيّة المحتجزة؟ ماذا عن العلاقات بين البنوك الإيرانيّة والعالميّة؟ لماذا تتعرّض الكثير من الشركات للتهديد قبل دخولها للأسواق الإيرانيّة؟ إدارة أوباما تعمد إلى سياسة “ضربة على الحافر، وضربة على المسمار” لا أكثر.
ثالثاً: رغم أنّه من المستبعد أن يقدم الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق بشكل علني أو كلي، وفق ما أوضح مسؤولو الإدارة الحالية لصحيفة وول ستريت جورنال، إلا أنهم يخشون انهيار الاتفاق نتيجة محاولات الإدارة القادمة التفاوض حول أجزاء منه مع توسيع نطاق العقوبات ضد طهران في مجالات ليست لها علاقة ببرنامجها النووي. ويرى مراقبون أن ترامب سيعمد إلى إجراء تسوية مع المحافظين المتشددين في السياسة الخارجية مقابل تنازلات يقدمونها له في السياسة الداخلية، الأمر الذي يجعل “الاتفاق النووي”، وكذلك التزامات طهران في مهبّ الريح.
رابعاً: لا شكّ في أن تهديدات قائد الثورة الأخيرة ستدخل حيّز التنفيذ، لاسيّما أنه منذ اليوم الأول للاتفاق لم يكن متفائلاً نتيجة المكر والخداع الأمريكي، إلا أن طهران تنتظر إقرار مشروع “داماتو” الأمريكي، وقد أوضح مساعد وزير الخارجية الايراني لشؤون أوروبا وأمريكا “مجيد تخت روانجي” أن “الاتفاق النووي هو بمثابة الميزان الذي تقع في كفة منه تعهدات بلد ما وفي كفته الأخرى تعهدات سائر البلدان. لذلك لا معنى لان يلتزم طرف واحد فقط بتعهداته، لأنه في مثل هذه الحالة سيختل التوازن”. الشارع الإيراني، الذي أحس بالخداع الأمريكي، ينتظر إقدام واشنطن على إفشال الاتفاق للرد بخطوات قاسية، يعبّر عنها البعض بالعواقب الوخيمة على أمريكا، هذا الشارع يرى أن لا فرق لجمهوري على ديمقراطي إلاّ بالتقوى.
الخلاصة، ربّما يعمد ترامب إلى إلغاء الاتفاق، وبالتالي يجعل إيران في حل من أمرها، إلا أن التزام القوى الكبرى الأخرى بالاتفاق النووي سيجعل من الصعب على ترامب ليس فقط الغاءه، إلا أنّه قد يضع صعوبات أمام الشركات الغربية التي ترغب في الاستثمار في إيران، أو فرض عقوبات جديدة عليها، لا تتعلق بالمشروع النووي، بل بتطوير الصواريخ والإرهاب والإخلال بحقوق الإنسان، وهذا أيضاً، يجعل إيران في حلّ من الإتفاق النووي.