أمريكا..إذ يتعرى اللص ويكشف سرقاته!..بقلم/ عبدالرحمن الأهنومي
أكثر ما يميز المشهد الراهن للعدوان على اليمن هو انكشاف المشاريع ، وافتضاح الأجندات ، وتعري أهداف ودوافع الحرب العدوانية التي تشن على بلدنا منذ خمسة أعوام ، ذلك أن ما مضى من سنوات المواجهة كرست معادلات أجبرت التحالف العدواني على إزاحة الستار عن كل ما أبقاه مخفياً من أهداف الحرب التحالفية الطويلة ، فخرجت خرائط التقسيم السرية المخبوءة في شكل تقاسمات وأدوار ، وإعادة توزيع للقوات وتوزيع النفوذ على المناطق بين «النظامين السعودي والإماراتي» وفق هامش المصالح الذي يمنح أدواته الإقليمية ، ثم إعادة موضع القوات والمليشيات وحشد العملاء والمرتزقة المحليين ، وفق خرائط نفوذ وانتشار وتقسيم مصممة أمريكياً ، يتعزز هذا الانكشاف بالتواجد والحضور العسكري الأمريكي الكثيف والمباشر في جزر وموانئ ومناطق يمنية عديدة.
اليمن دولة ذات موقع استراتيجي هام ، فهو إذ يطل على بحر العرب ويتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر ، يعتبر بوابة العالم إلى القرن الأفريقي ، وبالإضافة إلى الجغرافيا الجيوسياسية فهو يتمتع بثروات هامة ، لكل ذلك تندفع أمريكا لإحكام سيطرتها المباشرة على مناطق الثروة والممرات البحرية من خلال إنشاء قواعد عسكرية عديدة في مناطق متعددة ، وخلال العام 2019م وسعت من نشاطاتها العدوانية في عدد من المحافظات التي وقعت تحت سيطرة المرتزقة ، وقد تمركزت في قواعد عسكرية كانت إمارات بن زايد العدوانية قد أنشأتها في المخا وسقطرى وخور عميرة والعند وبلحاف ، كما حولت مطار الريان في المكلا إلى قاعدة عسكرية ، وأنشأت معسكرات ومناطق مغلقة للتمركز في وادي حضرموت ، وسبق هذا تحويل جزيرة ميون إلى قاعدة عسكرية مغلقة وكذلك حنيش وعشرات الجزر في البحر الأحمر وأخرى ضمن أرخبيل سقطرى.
أمريكا وهي منظومة استعمارية تمارس اللصوصية والنهب للثروات في العالم ، وتمارس البلطجة والإرهاب وإشاعة الفوضى والجرائم والقتل والاغتيالات والصراعات ، ونشر الفقر والرذائل والأوبئة ، تتخذ أيضا من الحصار والتجويع والتضييق على الناس في معائشهم؛ وسائل لتحقيق ذلك ، وما يجري اليوم في المحافظات الجنوبية والشرقية والمناطق الساحلية الخاضعة لسيطرة المرتزقة والعملاء من صراعات متعددة ومحتدمة بين المليشيات العميلة ، كلها مقدمات تحضيرية لتهيئة المشهد للتقسيم والتجزئة ، وفرض واقع مقسم بين أمراء وزعماء وجيوش متناحرة هي البيئة الخصبة التي تمكِّن أمريكا من احتلال البلاد والسيطرة عليها ، ثم عسكرة المجتمع وتأطيره ضمن جيوش ومرتزقة وعملاء ومأجورين يقدمون خدمات متعددة مقابل أجر يومي يحصلون عليه ، وبهذا تتمكن من احتلال الأرض ونهب الثروة واستعباد الإنسان، ولا أشك في أن اتفاق الرياض المزعوم بين فصائل المرتزقة وحشد العملاء فصل من فصول المخطط الطويل الذي تنفذه الإدارة الأمريكية ، بإشراف مباشر من سفيرها الذي يتواجد بصورة مستمرة في وادي حضرموت.
لم يكن العدوان على اليمن سعياً من «مملكة وإمارات آل سعود وآل نهيان الباغيتين» لاستعادة شرعية مزعومة ، تلك ذريعة ساقطة بحكم الواقع والمآلات للأحداث ، إنما هو لأهداف عدوانية كبرى تتضح اليوم مع اتخاذ الولايات المتحدة أسلوب البلطجة والاحتلال المباشر للسواحل والجزر وبعض المطارات والمعسكرات والموانئ ذات الأهمية الجغرافية التي تطل على مضيق باب المندب كخط عبور دولي في البحر الأحمر ، أو تلك التي تتمركز على خط الملاحة البحري الدولي الذي يمر ما بين جزيرة سقطرى وميناء عدن ، كما أنها تنشئ معسكرات وقواعد في المناطق الغنية بالنفط في حضرموت وبلحاف ومناطق أخرى.
السياقات التي تمضي عليها الإدارة الأمريكية في المنطقة واحدة ولا تختلف عن بعضها ، وهي في مجملها تبرهن أنها قوة متغطرسة «لصة» ومجرمة ، أفصح ترامب كثيرا عن هذه الحقائق التي تخفيها الشعارات والعناوين الأمريكية الفارغة التي تسوقها للعالم ، وترامب تعبير واقعي عن أمريكا التي تنهب ثروات العالم ، وتمارس البلطجة والترهيب ضد كل بلد يرفض أن يكون مستباحا لها ، فهو من قال أن النفط العراقي والسعودي وحتى السوري يجب أن يذهب إلى أمريكا ، وهو الذي اعترف بأن داعش والقاعدة أنشأتهما أمريكا ، وهو الذي طالب الخليجيين المليارات من الدولارات مقابل ما يسميه بالحماية الأميركية المزعومة لعروشهم ، وهددها إن هي لم تدفع غالياً ثمن هذه الحماية.
وأخيراً.. أسقط اليمنيون فكرة الأقاليم الستة التي عُرضَتْ على موائد الحوار قُبيل بدء العدوان، على أن المخطط الامريكي «الموحى به» من إطار التحركات وخرائط الانتشار المشبوه للقوات الأمريكية، وما يجري فرضه على الأرض تحت وابل كثيف من الشعارات المضللة، والصراعات المحتدمة والفوضى التي أغرقت فيها المحافظات الخاضعة لسطوة العملاء والمرتزقة ، بالتوازي مع تحركات السفير الأمريكي في حضرموت، كل ذلك يأتي ضمن عملية التهيئة للظروف التي تجعل من تمرير تلك الأجندات أمراً واقعاً.
إنّ الوجود الأمريكي المباشر في الأراضي اليمنية يعتبر تعدياً سافراً ووقحاً والتعامل معه سيكون على اعتباره عدواناً واحتلالاً ، وفي رأيي أن ذلك حماقة أمريكية ستؤدي بها إلى تحمل كُلف وأثمان إضافية بشرياً ومادياً تسرع بخروجها ليس من اليمن فحسب بل من المنطقة بُرمَّتِها.
اليمن ليست مزرعة أمريكية خاصة تُقسم بين ورثَة العائلة البريطانية المالكة ، هي أصل العرب وبلدهم الأول ، والدرس الذي لم يُسْتوعَبْ من خمس سنوات سيُسْتَوعَبُ أمريكياً في قادم الأيام رُبَّما.